الإرشاد السياحي في المغرب تذبذب لا منتهي بين الهيكلة والأناركية وتخاذل الوزارة الوصية

الإرشاد السياحي في المغرب تذبذب لا منتهي بين الهيكلة والأناركية وتخاذل الوزارة الوصية

أعلنت وزارة السياحة من جديد في شهر فبراير من السنة الحالية عن ضرورة إدلاء المرشدين السياحيين المعتمدين بمجموعة من الوثائق وإيداعها لدى الممثل الجهوي أو الإقليمي لذات الوزارة كإجراء إجباري ينفذ كل ثلاث سنوات خلال الفترة الممتدة من 2 يناير إلى 30 مارس. وبيد أن الغرض من هذا الإجراء هو التحقق من « استمرار » المرشدين السياحيين في استيفاء الشروط المنصوص عليها في القانون رقم 05.12 المنظم لمهنة الإرشاد السياحي والذي أسال الكثير من الحبر وأثار ولا يزال الكثير من الجدل في أوساط مهنيي هذا القطاع منذ إصداره سنة 2012 بالنظر إلى ثغراته وتناقضاته العديدة وتعثر إصدار بعض نصوصه التنظيمية وما تولد عن ذلك من فوضى سنعرضها لاحقا في هذه المقالة، إلا أن الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين لجهة مراكش آسفي أبت إلا أن تغتنم كعادتها هذه « الفرصة الثمينة » التي أتاحتها لها الوزارة الوصية للاسترزاق وتحقيق مداخيل مالية كبيرة تطرح أكثر من سؤال عن مدى فعالية تدبير تلك الأموال من لذن مكتب جمعية لم تقم قط حسب شهادة كافة المرشدين السياحيين بأي نشاط أو مهمة أو عمل ما يصب في مصلحتهم ومصلحة مهنتهم التي أصبحت العشوائية والزبونية والمحسوبية سمتها الواضحة. بل بالعكس، ما إن داقت الجمعية المذكورة أعلاه « حلاوة الكعكة » حتى سال لعابها وكبر جشعها خصوصا بعد استحواذها بطرق ملتوية و منافية لأخلاقيات المهنة على مصادر الشغل من دور الضيافة وغيرها واحتكارها لها بحيث لا يستفيد من طلبات خدمات الإرشاد السياحي خصوصا المدر منها للربح والعمولة سوى بعض أعضاء مكتب الجمعية أنفسهم ثم من يسبحون في فلكها ممن يدينون لها بالولاء والطاعة لأسباب سنعود للتطرق إليها في مقالة جديدة تسلط الضوء على خبايا هذه الظاهرة التي لاتخفى على مهنيي قطاع الإرشاد السياحي في مراكش. ولعل المسؤولة الأولى عن تمادي الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين لجهة مراكش آسفي في تغولها و احتكارها للسوق وممارساتها غير الشرعية هي وزارة السياحة التي بالرغم من عدم توفرها على آليات الرقابة المالية على جمعيات الإرشاد السياحي، لأن ذلك لا يدخل في مجال اختصاصاتها، تلزم المرشدين السياحيين المعتمدين بضرورة الانخراط في جمعية واحدة في كل جهة مما يفسح المجال لمكاتب الجمعيات، في غياب أي حسيب أو رقيب أوضمائر مهنية أوكفاءات تدبيرية و تسييرية، لتحصيل واجبات الانخراط بصفة إجبارية و تعسفية ودون تقديم تقارير مالية دورية لتبرير النفقات وفقا لمقتضيات قوانينها الأساسية، وحتى إن كلفت نفسها عناء ذلك -في أغلب الحالات بعد رضوخها لضغوطات ومطالب المنخرطين- فالتقارير التي يتم عرضها خلال الجموع -سواء كانت عادية أو استثنائية- مفبركة ولا تمت بثاثا للواقع بصلة ناهيك عن الأجواء المشحونة التي غالبا ما تطبع تلك الجموع من بلطجة وقمع وتكميم أفواه كل من سولت لهم أنفسهم انتقاد سياسة المكاتب المسيرة أو المطالبة بتقارير مالية دقيقة. والأسئلة المشروعة التي تطرح نفسها بإلحاح هي ما الذي أوقع وزارة السياحة في هذا « التواطؤ » مع الجمعيات الجهوية للإرشاد السياحي والذي يؤكده وجوب الإدلاء بشهادة الانخراط فيها كواحدة من الوثائق المطلوبة كما سبقت الإشارة إليه ؟ وهل تندرج إجبارية الانخراط في جمعية جهوية ما في صلاحيات وزارة السياحة علما أن ظروف وملابسات تشكيل أو إعادة هيكلة تلك الجمعيات غالبا ما تكون غير قانونية، وبالتالي لا تحظى بثقة المرشدين السياحيين المعتمدين ولا بدعمهم ناهيك عن الانخراط فيها عن طواعية ؟ ثم أليس تدخل ذات الوزارة في هذا الشأن منافي لمقتضيات ظهير الحريات العامة والدستور ؟ غض الطرف من لذن وزارة السياحة عن هكذا تجاوزات وخروقات صادمة مرده لا ريب إلى سياستها التي تروم تدجين تمثيليات الإرشاد السياحي برمتها مما يمكن الوزارة من سَن وتمرير مراسيم وقوانين مجحفة ومضادة لمصالح مهنة كانت بالأمس القريب على وشك تحقيق قفزة نوعية إبان العمل بمقتضيات القانون 96-30 الذي شِيءَ له أن يُقبَر ويُستبدل بالقانون 12-05 خدمة لأجندات سياسية أغرقت مهنة الإرشاد السياحي بما أسموه عبثا « ذوي الخبرة الميدانية ».

والجدير بالذكر أن الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين لجهة مراكش آسفي على سبيل المثال عمدت إلى استغلال حملة الوثائق لإجبار المرشدين السياحيين على تأدية واجبات الانخراط (600 درهما سنويا) تحت طائلة إلغاء اعتماداتهم. هذا ونشرت إعلانين في هذا الصدد عنونتهما على التوالي ب « تجديد مزاولة مهنة المرشد السياحي » و « تجديد وثائق عمل المرشدين السياحيين » في خطوة لترهيب مهنيي القطاع الذين أثار الإعلانان في أوساطهم موجة من الهلع والترقب ليهبوا من كل حدب وصوب لطلب شهادة الانخراط في الجمعية تفاديا لأي إلغاء لاعتماداتهم بالرغم من كون هذه الأخيرة دائمة وليست مؤقتة. وتجدر الإشارة إلى أن رفع اللبس عن هذا الأمر اقتضى تنظيم سلسلة من الوقفات الاحتجاجية للحيلولة دون المساس بحق من حقوق المرشد السياحي المكتسبة. هي إذا وثيقة مثيرة للجدل يستنكر المرشدون السياحيون إدراجها ضمن الوثائق المطلوبة ليس لتجديد وثائق عملهم كما تم الترويج لذلك لغرض في نفس يعقوب، بل فقط للتأكد، حسب تصريح مسؤول بالوزارة الوصية، من أهليتهم للاستمرار في المهنة مما يبرر المطالبة بشهادة طبية وشهادة حسن السيرة اللتان لا يرى مهنيو القطاع مانعا في الإدلاء بهما. ولعل ما يزيد في الطين بلة هما شهادتان أخريان، الأولى يجب تحميلها من الموقع الإلكتروني للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتسمى « شهادة الانتظام في تأدية واجبات الاشتراك » بالرغم من المشاكل التي يواجهها العديد من المرشدين السياحيين مع هذه المؤسسة، والثانية يتوجب على كل مرشد سياحي طبعها بعد استكمال دورة تدريبية عبر الأنترنيت على أحد المواقع الإلكترونية المتخصصة أقل ما يقال في حقها أنها عديمة الجدوى وتنم عن فشل وزارة السياحة في إعداد برنامج واقعي وفعال « للتكوين » يستهدف بالأخص الدُّفَع الجديدة من المرشدين السياحيين ويراعي خصوصيات مهنة الإرشاد السياحي التي تتسم بعدم تجانس تركيبتها وتباين مصادرها والهوة السحيقة بين مستوياتها الدراسية (دكتوراة، دبلوم الدراسات العليا، دبلوم المعهد العالي للسياحة، إجازة، دبلوم الدراسات الجامعية العامة، باكلوريا، مستوى الثانوي أو الإعدادي أو الابتدائي ثم من لم يلتحقوا قط بصفوف الدراسة). فهل يعقل أن يطالب مرشد سياحي -ولو كان متعلما- بالخضوع لتكوين افتراضي إن لم يكن مستأنسا بتقنيات المعلوميات أو على الأقل قادرا على استعمال الحاسوب ؟ ثم هل يستساغ خضوع كل المرشدين السياحيين لنفس التكوين الضامر والبدائي بالنظر إلى التباينات الهيكلية التي سبق ذكرها علما أن ضمنهم مرشدون سياحيون ذوو كفاءات عالية تغنيهم عن أي تكوين بل تخول لهم كذلك إمكانية إعداد برامج تكوينية لفائدة زملائهم والإشراف على تنفيذها بما يتماشى مع متطلباتهم واحتياجاتهم ومستوياتهم الدراسية المختلفة ؟ أم هل ألِفَ لوبي الفساد في وزارة السياحة تبديد الأموال الطائلة في تكوينات بدائية لا تسمن ولا تغني من جوع وتستخف من كفاءات وقدرات وتحط من قيمة من أعطاهم الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه لقب « السفراء ». والوضع على ما هو عليه، بادرت الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين لجهة مراكش آسفي إلى بيع خدماتها لكل مرشد يرغب في الحصول على شهادة التكوين الافتراضي الرقمي دون الخضوع له وهو ما أثار غضب واستياء المهنيين، وهو الموضوع الذي تناوله موقع إخباري إلكتروني معروف. فهل هكذا تصورت وزارة السياحة مجريات « التكوين عن بعد » الذي يعيد إلى الأذهان الفشل الذريع الذي مني به سابقه ولو كان حضوريا سنة 2016 ؟

وبما أن الفوضى العارمة التي تعيشها مهنة الإرشاد السياحي في مراكش على وجه الخصوص تستدعي دق ناقوس الخطر بإلحاح شديد أكثر مما مضى بالنظر إلى أهميتها كقطب سياحي عالمي يتأثر لا محالة برداءة الخدمات التي يقدمها بعض المحسوبين على الإرشاد السياحي ممن تسبب القانون رقم 12-05 في نزوحهم واسستقرارهم في المدينة الحمراء. ظاهرة الترحال هذه -التي نتج عنها اختلال توازن العرض والطلب في الجهات السياحية والتي لطالما نبهنا في مناسبات عديدة السيد المهدي طالب المدير السابق لمديرية التقنين والتطوير والجودة بوزارة السياحة إلى عواقبها الوخيمة في غياب نص تنظيمي- تزيد من وطأتها ممارسات غير شريفة وأخرى غير قانونية تستلزم تطبيق الفصل 381 من القانون الجنائي في حق مرتكبيها من قبيل :

● المنافسة غير الشريفة عن طريق تحطيم أثمنة الزيارات والجولات السياحية؛

● الانصياع لأوامر وتعليمات لوبي البازارات الذي أحكم قبضته ليس فقط على الإرشاد السياحي بل حتى على وكالات الأسفار ودور الضيافة والفنادق المصنفة؛

● تقديم خدمات إرشاد سياحي احتيالية اصطلح على تسميتها ب « الجولة المجانية » تنتهي باستدراج الضحايا إلى المعشبات والبازارات من أجل الحصول على عمولة كبديل عن الأجرة التي تصون كرامة المرشد السياحي؛

● تنامي ظاهرة « الفوكيد » خصوصا بعد فسح وزارة السياحة المجال لمن أسمتهم ب « ذوي الخبرة الميدانية » لولوج مهنة الإرشاد السياحي وفقا للمادة 31 من القانون المثير للجدل، علما أنه بالرغم من انصرام الأجل الذي تم تمديده عنوة من طرف الحكومة السابقة لا زال « الفوكيد » يقترفون جريمة انتحال الصفة بل وينظمون وقفات احتجاجية بصفة منتظمة أمام مندوبية وزارة السياحة للمطالبة بإدماجهم في مهنة الإرشاد السياحي أسوة برفاقهم؛

● جريمة انتحال الصفة المذكورة أعلاه لم تعد مقتصرة على المواطنين المغاربة بل تشمل حتى الأجانب من جنسيات مختلفة من مسيري دور الضيافة والمحلات التجارية و المختبئين خلف ستار الاستثمار والمقيمين بالمغرب سواء بصفة رسمية أو مؤقتة والمهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول جنوب الصحراء ومرافقي الوفود الأجنبية خصوصا القادمة منها من بعض الدول كالصين وإسرائيل والبرازيل وبولونيا على سبيل المثال لا الحصر ناهيك عن المعلومات المضللة والزائفة التي يعطونها للسياح.

والأمر على ما هو عليه، ومراكش مقبلة على احتضان العديد من التظاهرات الدولية التي تستدعي تسخير كل الطاقات والتشمير عن ساعد الجد لإنجاحها، نتساءل عن مهام مندوب وزارة السياحة إن لم يدخل في خانتها ما يلي :

● تفعيل آليات المراقبة المستمرة بمعية الشرطة السياحية؛

● خلق خلية للإنصات والتشاور مع المرشدين السياحيين لجس نبض مهنتهم والتزود بمعطيات ستشكل لا محالة أرضية لخارطة طريق واقعية وفعالة؛

● تزويد المصالح الوزارية المعنية بتقارير عن فوضوية قطاع الإرشاد السياحي والوقوف على أسبابها؛

● اقتراح التدابير والحلول الناجعة لإخراج مهنة الإرشاد السياحي من عنق الزجاجة ورد الاعتبار إليها بما يضمن ويصون كرامة ممتهنيها ويحفزهم على بذل المزيد من الجهود للتعريف بما يزخر به المغرب من مقومات ومؤهلات سياحية وثقافية وحضارية وتاريخية في إطار الإسهام الفعلي و الفعال في الترويج له وتعزيز موقعه كوجهة سياحية عالمية رائدة.

فهل فعلا وزارة السياحة، بصفتها وصية على قطاع حيوي وحساس كالإرشاد السياحي، على دراية بكل المشاكل التنظيمية والهيكلية التي يتخبط فيها وتعيق نموه و تطوره بما يتماشى مع متطلبات السوق السياحية ؟ وهل هناك استراتيجية شمولية لرد الاعتبار لهذه المهنة التي لطالما عانت ولا تزال من العشوائية وتطفل وتكالب الدخلاء عليها في تحدي سافر للقانون ؟ ومتى ستتم صياغة قانون أو على الأقل تعديل القانون الحالي بما يحقق عدالة حقيقية ويعيد حقا تموقع مهنة الإرشاد السياحي كحلقة أساسية في سلسلة القيم السياحية ؟ ثم متى ستتكافل جهود كل الوزارات المعنية (وزارة السياحة ووزارة الداخلية ووزارة العدل) للتصدي لكل المظاهر المشينة والمسيئة ليس فقط لهذه المهنة بل للسياحة في المغرب ؟ أسئلة وأخرى لا يسعنا إلا طرحها راجين أن تلقى آذانا صاغية وأن يتقبلها المعنيون بالأمر بصدر رحب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Laisser un commentaire

اخر الأخبار :