
في خطوة تعكس التزاما مؤسساتيا بروح الدستور وضمان سموه على باقي القوانين قرر رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي إحالة مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02 على المحكمة الدستورية وذلك على الرغم من مصادقة مجلس المستشارين عليه يوم أمس
هذا القرار جاء تتويجا لسجال قانوني وحقوقي واسع أثارته بعض المواد الواردة في المشروع والتي اعتبرها عدد من المهنيين والحقوقيين مسا بحقوق التقاضي ومتناقضة مع مقتضيات الدستور خاصة ما يتعلق بمبدأ المساواة واستقلالية الأحكام القضائية وضمانات المحاكمة العادلة
من أبرز المواد التي فجرت الجدل المادة 17 التي تتيح للنيابة العامة الطعن في الأحكام القضائية دون التقيد بأي أجل وهو ما اعتبره مهنيون تهديدا لأمن واستقرار الأحكام النهائية وضربا لمبدأ المساواة بين أطراف الدعوى في تعارض مع الفصل 126 من الدستور الذي ينص على إلزامية الأحكام النهائية للجميع
كما أثارت المادة 383 استياء واسعا في صفوف المحامين بعدما قيدت حق الطعن بالنقض في القضايا المدنية بالمبلغ المالي واشترطت ألا يقل عن ثمانين ألف درهم وهو ما اعتبر تضييقا على المتقاضين من ذوي الدخل المحدود ومخالفة لمبدأ المساواة أمام العدالة
أما المادة المتعلقة بالسماح لأشخاص غير المحامين بممارسة مهام الدفاع فقد خلفت جدلا حادا في الأوساط المهنية حيث رآها كثيرون تمهيدا لضرب مهنة المحاماة وشرعنة السمسرة القضائية بشكل يتناقض مع أسس الأمن القانوني وضوابط المحاكمة العادلة
قرار الإحالة على المحكمة الدستورية في هذا السياق اعتبره متابعون تمرينا دستوريا مفيدا يجسد وعيا سياسيا وقانونيا بضرورة احترام التسلسل القانوني وترسيخ ثقافة الرقابة القبلية على دستورية القوانين حماية لحقوق المواطنين وضمانا للتوازن بين المؤسسات
الأنظار تتجه الآن إلى المحكمة الدستورية باعتبارها الجهة الوحيدة المخولة للنظر في مدى مطابقة هذه المواد لأحكام الدستور في خطوة قد تسهم في تهدئة الجدل القانوني والسياسي وفتح المجال أمام مراجعة الاختلالات المحتملة بما يضمن انسجام مشروع المسطرة المدنية مع روح الدستور ومبادئ العدالة
قرار رئيس مجلس النواب وإن جاء بعد المصادقة النهائية في الغرفة الثانية إلا أنه يعيد التأكيد على أن البناء الديمقراطي في المغرب يقوم على التفاعل بين المؤسسات وعلى ضرورة جعل القوانين منسجمة مع القيم الدستورية في دولة الحق والقانون







