مدى دستورية فرض جواز التلقيح للولوج للمرافق العامة والخاصة وحرية التنقل بين المدن؟
1816 مشاهدة
أثر بلاغ الحكومة الصادر بتاريخ 18 أكتوبر 2021 بفرض جواز التلقيح كوثيقة معتمدة من طرف السلطات الصحية لتنقل الأشخاص بين المدن وولوج الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمتاجر والمقاهي والمطاعم والفنادق والحمامات والقاعات الرياضية في اطار التدابير الاحترازية الجديدة نقاشا دستوريا وقانونيا جدير بالمناقشة والدراسة حول مشروعيته .
ومما لاشك فيه فان البلاغ يستند الى ما تتيحه المادة الثالثة من المرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية التي تنص على أنه « بالرغم من جميع الاحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل تقوم الحكومة خلال فترة اعلان الطوارئ الصحية باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية او إدارية او بواسطة مناشير وبلاغات من اجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم .
لا تحول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين »
وبالتالي لا يمكن القول من الناحية القانونية ان هذا البلاغ موضوع الدراسة يجب ان يستند الى نص قانوني او مرسوم جديد مادام ان المشرع ترك للحكومة حرية ونطاق هامش التحرك بالوسائل القانونية التي تختارها دون معقب عليها لان المرسوم بقانون الطوارئ الصحية يعلو على كافة الاحكام التشريعية والتنظيمية الأخرى.
ومن المهم الإشارة أن هذا الموضوع يثير إشكاليات دستورية وقانونية هامة تتعلق بضمان التوازن والتناسب بين مبدأ وجوب حماية الصحة الفردية والجماعية من خلال التلقيح ضد كوفيد ومبدأ آخر لا يقل أهمية يتعلق بحرية التلقيح وبالحقوق الأساسية للفرد بحماية كرامته وحرية ضميره وحرمة وسلامة جسمه ،اذ ان التنازع مبناه المفاضلة بين التلقيح الاجباري والتلقيح الاختياري ،أي بين الحقوق الفردية « المصالح الخاصة « والحقوق الجماعية « المصالح الجماعية « .
واذا كان القانون لا يفرض مسألة التلقيح الاجباري لحدود اليوم ،فهل يجوز فرض تدابير إدارية او تنظيمية تقيد ممارسة بعض الحقوق والحريات بضرورة اجراء التلقيح والحصول على جواز التلقيح ،كالمنع من التنقل بين المدن وولوج المقرات العامة والخاصة ووسائل النقل العمومية؟
قد يعتقد البعض ان مثل هذه القيود تشكل انتهاكا لمبدأ حرية التلقيح وفرض التوائي وناعم للتلقيح الاجباري بغير سند من القانون ؟لكن من وجهة نظرنا نعتبر ان الامر لا يشكل أي تضاد بين الامرين او المسألتين ،ولا غبار حول دستوريته او شرعيته ،ففرض القيود بشكل نسبي لا بشكل مطلق، لا يعني بتاتا فرض اجبارية التلقيح بل نوع من المرونة من داخل المبدأين بشكل يمكن من التوازن والتناسب بين الصحة الفردية والجماعية وضمان الحقوق الأساسية للفرد بحماية كرامته وحرية ضميره وحرمة وسلامة جسمه ،فالشخص الذي يرفض فكرة التلقيح حماية لشخصه لا يمكن ان نقبل بان تصل تلك الحرية للمساس بالصحة العامة ،فحريته تنتهي حينما تبدأ حرية الاخرين ،فلا يمكن المخاطرة بصحة جميع المواطنين بدافع انانيات وحسابات شخصية .
ولقد صاغ نفس الفكرة احد الفقهاء الفرنسيين بقوله » أولئك الذين ، باسم الحرية ، لا يرغبون في الخضوع لأي فحوصات ، سيتمكنون من البقاء في المنزل ، لأن الأشخاص الذين يعانون من حساسية حزام الأمان لهم الحرية في عدم ركوب السيارة.سيكون لدينا الحرية لاستعادة حرية الحركة وحرية حبس أنفسنا باسم الحريات. »
وهذا اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي أن المشرع لم ينتهك المتطلبات الدستورية لحماية الصحة من خلال فرض التزامات التلقيح، وبالتالي يمكن للمشرع « تحديد سياسة التطعيم من أجل حماية الصحة الفردية والجماعية » ، تمامًا كما يمكنه « تعديل الأحكام المتعلقة بسياسة التطعيم هذه لمراعاة تطور البيانات العلمية والطبية والوبائية ». (Dec. رقم 2015-458 QPC بتاريخ 20 مارس 2015 ،لاسيما وان هذا المجلس مستقر على الزامية التلقيح واجباريته ضد « الأمراض الخطيرة والمعدية للغاية أو تلك التي لم يشتبه في استئصالها ».
كما اقر مجلس الدولة الفرنسي أن « هذه الأحكام لها تأثير لتقويض مبادئ حرمة وسلامة جسم الإنسان التي يتذرع بها المتقدمون ، [لكن] يتم تنفيذها بهدف ضمان حماية الصحة ، (…) وتتناسب مع هذا الهدف (…) لذلك ، عدم تجاهل المبدأ الدستوري المتمثل في الحفاظ على كرامة الإنسان (ولا) حرية الضمير « . للقيام بذلك ، يأخذ في الاعتبار خطورة الأمراض وفعالية هذه اللقاحات وضرورة جعلها إلزامية من أجل تحقيق تغطية تحصين مرضية لجميع السكان.
وفي هذا الاطار اعتبرت محكمة النقض المغربية انه « لما كان التلقيح الذي خضع له الضحية تلقيح إجباري، يهدف إلى حماية الصحة العامة من الأوبئة، ولا يطلب من الملقح أو ولي أمره – إذا كان قاصرا- القبول طواعية بالمخاطر المترتبة عن عملية التلقيح، فإن أساس تعويض من تضرر من هذه العملية يكون هو التضامن بين أفراد المجتمع في تحمل الأخطار الاجتماعية بصرف النظر عن قيام الخطأ من عدمه. »
قرار محكمة النقض تحت عدد 236 الصادر بتاريخ 11/04/2013 في الملف الاداري عدد 742/4/2/2012
وصفوة القول ان المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية نصت على أنه « في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي. في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي ».
ولقد قيد المرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية الحكومة بعدم اصدار تدابير احترازية تتنافى وضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين ،وفرض جواز التلقيح لا يتعارض مع ذلك لانه لا يلغي الحقوق بل يقيد الاستفادة منه وهو مسألة مشروعة ،وتظل إمكانية استفادة غير الملحقين واردة منها بتوكيل من يتقدم للمرافق العمومية او الخاصة باسمه لمباشرتها نيابة عنه .
وعليه يمكن القول ان الاطار المسموح به دوليا او على الصعيد الوطني قانونيا في ممارسة الحقوق والحريات خلال حالة الطوارئ الصحية تقيدت به الحكومة في بلاغها الأخير بفرضها جواز التلقيح للولوج للمرافق العمومية والخاصة بتقييد الولوج لا منع الاستفادة او تعطيل الحقوق المترتبة عن ذلك.