في الذكرى ال20 لتفجيرات برجي التجارة العالمية في نيويورك، الحلقة3: محمد عطا الأمير محاور لبق وزياد الجراح مجتهد متفوق ومروان الشحي طيب بشوش
1754 مشاهدة
تستأذن هيئة تحرير مؤسسة مراكش الإخبارية التي تبث موقع مراكش7 الإخباري جريدة العلم والزميل عبد الواحد الطالبي بمناسبة الذكرى العشرين ليوم نيويورك الدامي الذي شهد تفجير برجي التجارة العالمية وأودى بحياة أكثر من 4 آلاف شخص بريء وكان للحادث ما بعده من تطورات وأحداث على مستوى العالم ماتزال تداعياته قائمة إلى الآن ومازالت كثير من الأسئلة تثار حوله لا تجد لها جوابا
وليس لمراكش7 في إعادة نشر هذا الحوار المشوق بالسرد المثير من أرشيف صحيفة العلم على حلقات يومية، هدف ينكأ جراح ما مضى قبل عقدين من الزمن، ولا لها غاية من الاسترجاع سوى الانخراط في أجواء التضامن العالمي ضد الإرهاب نشدانا للسلم والأمن العالميين
في الذكرى ال20 لتفجيرات برجي التجارة العالمية في نيويورك
هذه تفاصيل محاكمة هامبورغ
جلسات صريحة مع امزوضي تكشف لأول مرة تفاصيل أحلام صغيرة وبطولة كبيرة
تنقلها مراكش الإخبارية عن أرشيف الزميلة جريدة العلم وتعيد نشرها في حلقات
لمزوضي،عنوانُ قصة شاب فقَأَتْ شمسُ الغرب عينيه اللألاءتين بماء متجمد كالجليد، وسرقتْ منه أيامُ الشَّمال حلمَه البسيط بساطة الأطفال حين يلعبون ووزعته بين قصاصات الجرائد وصكوك الاتهام، ورمت به إلى الظلام يسير ولا يعرف إلى أين.
قصةُ بطل داهمته البطولةُ في معركة حرب شرسة ضد الإرهاب لم يكن أبدا طرفا فيها ولا معنيا بها وساقه أثناء حمي وطيسها واستعارِ أُوارها قدرٌ محتوم إلى غياهب السجون وحكمَ عليه ألا يكون إلا بطلا بالصبر ومجاهدة النفس على تحمل البلوى ضد طاغوت كونفوشيوسية مزعومة لا يرى الحاكم بأمرها الإرهاب إلا في كل ذي لحية بسحنة عربية يؤدي فرائض الصوم والصلاة .
عاش المزوضي لا يرفع ناظريه عن آيات في مصحف أو موضوع في كتاب أو درس في دفتر أو مقرر؛ ولا يبرح حجر أمه أو يدلف خارج بيت أسرته إلا ليتلقفه حضن جده أو ليرتع في حقول مزوضة ضاحية مسقط رأسه على بعد 85 كيلومترا إلى الجنوب، وعندما خطا أطولَ، رسم خارطة الطريق في هجرة العلم والتحصيل نحو ألمانيا وتوقف بهامبورغ مسرح أحداث مفترضة ليوم أسودَ دامٍ في أمريكا دشن لعهد جديد في تاريخ الإنسانية بالحروب والتقتيل والتذبيح والهتك والانتهاك، وكان المزوضي أحد ضحاياها وواحدا ممن أثثوا مشهدا ساخرا لمطاردة دَغْلِ لحية، شخصياتُه أبطال من لحم ودم همْ أجهزةُ أمنٍ ومخابرات وهيئةُ حكم ٍيلهثون ولا يُدْركون كَدونْ كيشوت يحارب طواحين الهواء، والمزوضي بقامة قصيرة وجسم مكتنز معتدل ماثلا في قفص الاتهام هادئا واثقا يمسِّح بلحيته موضوع صك الاتهام.
من مراكش إلى هامبورغ رحلة محفوفة بالذكريات والمغامرات لطفل مغربي دلول مغمور وسط دروب المدينة العتيقة، موثَّقٍ بأصول تربية محافظة نمطية رسختها قيم الأسرة التقليدية والمدرسة الوطنية، يَفِعَ ولما يكدْ حتى طَبقَتْ شهرتُه آفاق الدنيا تشغل الناسَ أخبارُهُ مغربياً على صفحات الجرائد وفي كل وسائل الإعلام الدولية والتقارير الأمنية إرهابيٌّ خطيرٌ مطلوبٌ رأسُه على مقصلة سياف جال حواشينا من الشرق الأدنى إلى الشرق الأقصى مرورا بالشرق الأوسط والمغرب العربي يجدع الأنوف أو يقطع الرؤوس.
يعود المزوضي مكلوما بجراحات لا التئام لها إلى مراكش، ويشرَدُ في رحلة مسافتها مساحةَ العالم متأملا يناجي نفسه؛ هو بين أهله وليس معهم، لم تستطع مشاعر التضامن وأجواء الدفء التي دثرته بها الأسرة أن تستلَّهُ من عمق ذاكرة موشومة يسترجع منها تفاصيل حياة الهوان وجزئيات المعاناة والمأساة في صمت ناطق التقطت العلم كل حواره الداخلي وتنقله إلى قرائها ببساطة التعبير وبراءة الإحساس الذي انفجر منه، تأكيدا لموقف حاسم أن المغاربة الذين نشأوا على أسس التربية الوطنية في البيت والمدرسة بقيم التسامح والتعايش والاعتزاز بالهوية الدينية والقومية لا يمكنهم أبدا أن يكونوا إرهابيين أو مناصرين للعنف.
لســت إرهابيــا أنـا فقــط مغربــي
لا أنكر علاقتي بمنفذي التفجيرات:
محمد عطا الأمير محاور لبق وزياد الجراح مجتهد متفوق ومروان الشحي طيب بشوش
السياســة قـذرة والحــرب نجاســة
الحلقة الثالثة
انتظار أحر من جمر النار
تسجلت في مارس 1997 بالمعهد التقني العالي في هامبورغ، وكنت قضيت في جامعتها سنة ونصف. التعليم في معهد متخصص ليس كالتعليم في الجامعة، في المعهد التقني يكتسب الطالب عمليا في الدروس التطبيقية مهارات تقنية تعزز الجانب النظري الذي يتلقاه. وقد اخترت هامبورغ للفرص المتوفرة فيها للعمل بالنسبة للطلبة، ولأن سياقات الظروف التي وجدتني فيها بألمانيا قادتني إليها ينتظرني قدري المُوَفَّى الذي حكمت الأيام بالمثول عنده والخضوع له.
قصدت هامبورغ من مونستر شمال دورتموند، وكنت في مونستر طالبا في الأقسام التحضيرية المُؤهِلَة لولوج الجامعات الألمانية، وكان صديقي يوسف الجعبري طالبا فيها و سبقني إليها بعدما كنا سويا في دورتموند.
دلل يوسف الجعبري كثيرا من الصعوبات في وجهي، ووفر لي استقبالا حارا لدى قدومي إلى ألمانيا، وتعرفت من خلاله على شباب مغاربة ومنهم مراكشيون وأبناء الحي، و بفضله لم أشعر في الأيام الأولى بالغربة؛ دعا زملاءه وبعض أصدقائنا المشتَرَكين لأمسيةٍ ليلةَ اليوم الثاني لوصولي واجتمعنا نرتشف كؤوس الشاي المغربي ونزدرد الحلوى ونتذوق الزيتون يتلذذ بعضنا طعمه المراكشي. في ألمانيا بل في كل العالم للطلبة طقوسهم لإدماج الوافدين الجدد في الحياة الجديدة، ومساعدتهم على التأقلم مع ظروفها.
عندما كنت تهيأت للسفر إلى ألمانيا، كانت والدتي أعدت من كل أصناف الحلوى المغربية أطيبها، وزودتني برطل ومن أنواع الزيتون بمثله خصوصا تِزْبيبينْتْ، وتحمَّلْتُ في عز الصيف بملابس كثيرة شتوية دافئة تحسبا لطقس الشمال وصقيع جليده واتقاء شر البرد الذي لم تكن تجنبني من نزلاته الشديدة التي تكاد تودي بعمري غير احتياطات أمي وحرصها على إلباسي ملابس الصوف، وتسخين أجسام أبنائها الغضة بالأكل المتبَّلِ والوجبات التقليدية.
بلغ متاعي وزنا يساوي وزني وعليَّ أنْ أحملَه، وكان مقرَّراً أن ينتظرني يوسف الجعبري في المطار فتخلف، تعذر عليه المجيء وتعذر عليَّ أن أبرح المكان، كل شيء هنا في دوسلدورف مختلف الوجوه والقامات والمعاملة أيضا، تفرَّستُ بعض الملامح وميزت جنسيات عربية ومغاربة، كان على متن الطائرة التي سافرت على متنها عبر مدينة وجدة من الدارالبيضاء كثير من عمالنا في الخارج، كانوا بُلْقاً وعيونهم زرق يشبهون الألمان، توجهت إلى طفلة رفيقة الرحلة كانت بانتظارها أمها أو أختها، سألتها عن محطة القطار في المدينة وأجابتني بتاريفيت، فهمتني ولكنها لا تتقن غير لغتها الأم واللغة الألمانية، تواصلنا وفي محطة القطار اتصلت بيوسف، رن الهاتف ولم يجب.
لا يمكن للإنسان أن يكون وحيدا، يجب أن يكون مع الآخرين، يتحدث، يتغلب على الخوف، يقاوم الضجر. الهاتف ما يزال يرن ولا يجيب وأنا في محطة القطار بانتظار…
تطلعت إلى المدينة وأفقها البعيد، كان الجو رطبا نديا، والهواء ناعما لذيذا طلََقَ انقباضَ نفْسي وشَجَنَها، ووسط الزحام وصخب الأصوات التي ربما لا أسمعها غير وحدي، وقف علي شبح وجاءني صوت:
– ألست عبد الغني؟ تنتظر الجعبري؟
كان شابا مغربيا وصديقته مغربية أيضا، اصطحباني إلى يوسف في دورتموند بواسطة الترام، أضواء وراء النافذة تتراءى خلف ضباب رمادي والأشياء تجري مثل الريح، وبصري تأسره الخضرة في كل مكان، جنان وحدائق وأفنان أشجار زاهية، المسافة بين دوسلدورف ودرتموند كأنها ملعب غولف.
أيام ليست متشابهة
ثلاثة أيام في دورتموند، في اليوم الرابع انطلقت دروس اللغة الألمانية، وطيلة شهرين وأنا أثابر وأعاند، كان علي أن أتأهل جيدا لامتحان القبول في الأقسام التحضيرية، تعودت على نظام الحياة كما تفرضه الظروف الجديدة على الطلبة القادمين من الجنوب، وحددت أسلوبا خاصا للعيش يروم التوسط والاعتدال، لأني أشفق أن يضطر والدي لإمدادي بما أقدر أن أوفره بقليل من الترشيد، فيكفي الأسرة أنها تحملت أول الأمر كل مصاريف السفر والإقامة.
انسابت الحياة في هذه الفترة هادئة ناعمة وكنت من حين إلى حين أتصل بوالدتي وأسرتي أُطَمْئِنُهم على حالي وأطْمَئِنُّ على أحوالهم، أسأل عن الأهل والجيران، وأشتاق للبلد وامزوضة.
احتجت بعد شهرين إلى مزيد من اللغة، رصيدي من الألمانية أعجزني عن إقناع الأقسام التحضيرية لقبولي. اجتزت في بوخوم مباراة الولوج ولم أوفق، كانت نتائجي قريبة من المستوى المطلوب فشجعني الألمان بدروس مجانية ترفع مستواي.
رحلة يومية بين دورتموند وبوخوم، أسكن الأولى وأدرس في الثانية، وأقطع يوميا مسافة نصف ساعة بالقطار السريع.
نجحت، ولحقت بيوسف الجعبري كظله في مونستر، أقمت في مأوى الطلبة لمدة أسبوع ثم قطنت الحي الجامعي أعيش الحياة الطلابية بهمومها التي شكلت مواضيع للنقاش وفتحت آفاق الحوار على صداقات تأسست بين أجناس وثقافات مختلفة سيكون لها ما بعدها في ما لا صلة لعلاقاتها بموضوع ما سيأتي. صار لي أصدقاء ألمان ومن جنسيات أخرى.
في صيف العام 1995 تجيبني عدد من الجامعات الألمانية بقبول التسجيل فيها وأختار هامبورغ، انتظرت الرد أزيد من ثمانية شهور بعد تخليص السنة التحضيرية. منير المتصدق هو أيضا اختار هامبورغ.
يتبع….