ألان دولون حياة أيقونة السينما الفرنسية بمراكش

1897 مشاهدة

ألان دولون حياة أيقونة السينما الفرنسية بمراكش

   ألان دولون، أيقونة السينما الفرنسية، عشق مراكش، وأقام فيها لما يناهز عقدين من الزمن، دافع بقوة عن قضية الصحراء المغربية، وعرف في الشاشة الفضية بوسامته وشخصيته الكاريزمية، لكن خلال مساره السينمائي الحافل، أطلقت عليه عدة ألقاب، عبر مختلف بقاع العالم. فتارة، يلقب بساحر النساء أو ساموراي الربيع، وتارة أخرى، يسمى الفهد أو الملاك الشرير. ومهما يكن، ورغم اختلاف وتنوع التوصيفات، التي أطلقت عليه، يبقى دولون ظاهرة سينمائية عصية على الإحاطة.

مسار حافل

   ولد ألان دولون، يوم 08 نونبر 1935 ببلدة سو بمرتفعات السين، ضواحي باريس، عاش حياة مضطربة، جراء انفصال والديه، وهو حدث صغير لا يتجاوز عمره أربع سنوات. فكفلته أسرة أخرى، ما أحدث شرخا في نفسيته، وساهم في فشله الدراسي.

   وفي سنة 1949، مثل في الفيلم القصير « الاختطاف »، ليلتحق بعد ذلك، بالجيش الفرنسي، ويشارك في حرب الهند الصينية سنة 1954، ضمن فرقة المظليين.

   وبعد أن حطت هذه الحرب أوزارها، انخرط، مرة أخرى، في عالم التمثيل، من خلال أداء أدوار محورية بعدة أفلام متميزة، بدءا بفيلم « عندما تتدخل المرأة » سنة 1957، ومرورا بأفلام « روكو وإخوته » سنة 1960، و »الساموراي » سنة 1967، و »بورسالينو » سنة 1970، و »السيد كلاين » سنة 1976، و »حب سوان » سنة 1984، و »النهار والليل » سنة 1997، وانتهاء بفيلم « الممثلون » سنة 2000.

   مثل دولون للمسرح والتليفزيون، لكن عرف أكثر في المجال السينمائي، حيث يتوفر على مسار حافل، مارس فيه إلى جانب التمثيل، كلا من الإنتاج والإخراج السينمائي، ما جعله يحصل على عدة جوائز وأوسمة، من أهمها: جائزة سيزار لأفضل ممثل سنة 1985 بفرنسا، وجائزة الدب الفخري الذهبية ببرلين سنة 1995، وجائزة النجمة الذهبية لمهرجان مراكش السينمائي الدولي سنة 2003، إضافة إلى جائزة سعفة الشرف بمهرجان كان سنة 2019. كما حصل على وسام جوقة الشرف الفرنسي سنة 1991، ووسام الاستحقاق الوطني لفرنسا سنة 1995، علاوة على الوسام العلوي المغربي برتبة قائد سنة 2003.

   وقد كانت حياة هذا الممثل المتفرد موضوع عدة مونوغرافيات ودراسات مرجعية، من طرف ثلة من الباحثين والكتاب من جنسيات مختلفة، نذكر من بينهم: دينيتزا بانتشيفا وهنري-جون سيرفات، وروبيرتو شيزي وباتريس لوكونت، وفانسون كيفي وستيفان دوليفي، وجون-مارك باريسيس وباتيست فينيول، إضافة إلى بيرنارد فيولي ولوران كالينون. وفي هذا الإطار، ونظرا لكون حياة هذا الهرم السينمائي مثيرة للجدل ويكتنفها الكثير من الغموض، فقد صرح، ذات مرة: « إن قصة حياتي جد مستحيلة لدرجة أنه يصعب على أي صحفي كتابتها ».

   وخلال سنة 2019، أصيب دولون بجلطة دماغية، ما جعله يتبنى الموت الرحيم، الذي يعتبر، بالنسبة للمرضى الميؤوس من شفائهم، خلاصا من المعاناة والألم. والآن، يعيش هذا الفنان القدير خريف العمر، مع ما يرافقه من وهن ومرض دون أن يفارق ابتسامته العريضة، متنقلا بين مقري سكناه بسويسرا وفرنسا.

رياض الزاهية ملتقى النخبة

   لقد عشق دولون صخب وبهجة مراكش الساحرة، وأحب أكلاتها المحلية وأهازيجها الشعبية، ما جعله ينسج علاقات صداقة مع مجموعة من سكانها الطيبين، ويقتني سكنا فاخرا بها يدعى رياض الزاهية، يوجد بحي سيدي ميمون، قرب ساحة جامع الفنا. وقد اشترى هذه التحفة المعمارية من الثري الأمريكي بول كيتي سنة 1980، حيث قضى فيها أوقاتا ماتعة من حياته، رفقة زوجته الممثلة الفرنسية ميراي دارك، التي كانت، هي الأخرى، تكن حبا صادقا وعميقا للمغرب، حسب قول الروائي المغربي الطاهر بن جلون.

   إن هذا الرياض يبدو مثل قصر من قصور ألف ليلة وليلة، ويعتبر تحفة رائعة في مجال البناء والديكور والأثاث، إذ يتوفر على مسبح وحديقة عجيبة، ما جعله يغدو مرفأ للسكينة والإمتاع لمالكيه، ويبسط سطوة سحره على ضيوفه من الشخصيات العالمية الكبيرة، من أمثال الممثل والمخرج الأمريكي مارلون براندو، والمغنية والممثلة الإنجليزية ماريان فيتفول، ومصمم الأزياء الفرنسي إيف سان لوران، والروائي الأمريكي ترومان كابوتي، ورجل الأعمال الفرنسي بيير بيرجي، علاوة على المغني الإنجليزي ميك جاكر، ومواطنه الموسيقي بريان جونز، من مؤسسي فرقة « الرولينغ ستونز » الشهيرة.

   ونظرا لرونق وتميز هذه المعلمة العمرانية، وتواريها عن الأنظار بحي تاريخي وعريق، كان ضيوفها من المجتمع المخملي، يلقبونها ب « قصر المتع »، حيث يمكن للزائر أن ينعم بمباهج وأطايب الحياة، بعيدا عن صخب المدينة الذي لا ينقطع.

   لكن دولون، ولأسباب شخصية، ما لبث أن باع هذا الرياض التحفة، سنة 1998، للفيلسوف الفرنسي برنارد هنري ليفي، رفقة زوجته الفنانة أرييل دومباسل.

   ورغم رحيل هذا الممثل الأسطوري عن المدينة الحمراء، منذ سنوات، لا زالت ذاكرة عدد من سكان هذه المدينة حبلى بالذكريات الحية والجميلة عنه، حيث يذكر بعض الكتبيين الذين كانوا يؤثثون فضاء ساحة جامع الفنا أن دولون كان يتردد، دوما، على هذه الساحة لاقتناء الكتب والمجلات، والتجوال بين حلقات الفرجة بها.

 

الزاهية في الإبداع الأدبي

   لقد كان رياض الزاهية موضوع رواية باللغة الفرنسية، تحمل عنوان « أفضل ما كان لدينا » للروائي الفرنسي جون-بول إنثوفن، صادرة عن دار النشر « كراسي » سنة 2008. ومن أجل إتاحة الفرصة للجمهور العريض لقراءة هذه الرواية، تمت إعادة إصدارها، سنة 2010، ضمن سلسلة كتاب الجيب، التي تعتبر من السلسلات الأكثر مبيعا بفرنسا.

   وفي تعريفه بهذه الرواية، التي تعد من صنف السيرة الذاتية، يقول مؤلفها إنها تتحدث عن قصر الزاهية، الذي كان ضيفا محظوظا فيه، منذ ما يناهز عشر سنوات، والذي له تاريخ حافل، حيث تملكه العديد من المشاهير، واستضاف زوارا لامعين، موضحا أن هذه الرواية تستحضر اللغز الجميل الذي يحيط بالراوي، حينما التزم، منذ عقد من الزمن، بعبور باب هذا القصر، الذي يسميه قصر الفرح. وفي هذا الصدد، يقول المؤلف بأنه قد، مرت عشر سنوات، على أول دوار له بشرفة هذا المسكن، عبر من خلالها الخط الفاصل بين نهاية الشباب وبقية الحياة.

   أما ناشر هذا المتن الروائي، فيؤكد أن حبكته تدور حول مكان فريد هو قصر الزاهية، مضيفا أن هذا العمل الإبداعي تتخلله سلسلة من الاستجوابات، الموكلة إلى محقق غامض، والتي تعيد النظر في اضطراب كبير في الأحاسيس والمغامرات، ومبرزا أن من بين أبطال هذا الحكي السردي هناك الراوي المتأثر بمؤلفات الروائي الفرنسي ستندال وأفلام الممثل والمخرج الفرنسي موريس روني، ولويس، الفيلسوف الغني والمشهور، عشيق أريان، زوجته الحالمة.

دولون والصحراء المغربية

   يعتبر دولون من المدافعين الكبار عن مغربية الصحراء، ومن المحترمين لمقدساته وثوابته، حيث يدعو إلى ضرورة بذل كل الجهود، من أجل الإفراج عن المغاربة المحتجزين بمخيمات تندوف في جنوب غرب الجزائر، مشددا على وجوب مساعدة هؤلاء المغاربة، لاستعادة حريتهم، والالتحاق بالوطن الأم.

   كما أعرب، سنة 2003، عن نيته الصادقة في المجيء من بروكسيل، للمشاركة في قافلة السلام المتوجهة إلى الأقاليم الصحراوية، بهدف دعم مشروع الحكم الذاتي في هذه الأقاليم، غير أنه لم يتأت له ذلك، جراء تعرضه لوعكة صحية طارئة، منوها بمبادرة تنظيم هذه القافلة، التي ضمت العديد من المغاربة المقيمين بديار المهجر، والتي شاركت فيها، أيضا، شخصيات بارزة من مجموعة من البلدان الأوروبية، خاصة فرنسا وبلجيكا، إضافة إلى اللوكسمبورغ، ومؤكدا أن هذه المبادرة تكتسي أهمية قصوى، لكونها أتاحت الفرصة للمئات من الأشخاص للمجيء للمغرب، من أجل الدفاع عن قضية الصحراء، التي تحظى بالأولوية بهذا البلد.

 

   ومن خلال الفترة التي قضاها دولون بمراكش، ومواقفه الإيجابية من القضايا العليا للمغرب، يعتبر هذا الممثل القدير مواطنا مغربيا بالهوى والمواقف. ومن هنا يمكن القول إن الانتماء لبلد ما ليس هو جنسية وشهادة ميلاد فحسب، وإنما هو، أيضا، انتماء وجداني وفكري، فأينما استشعر المرء الدفء والبهجة والسكينة، فهناك الوطن.

 

اخر الأخبار :