مراكش بأي ذنب هُمشت؟

بينما تتجه الأضواء نحو مدن بعينها وتُغدَق عليها المشاريع الكبرى، تعيش مراكش واحدة من أسوأ مراحل التهميش التنموي في تاريخها الحديث عن مدينة تحمل في ذاكرتها مجداً حضارياً، وفي حاضرها حيوية شعبية واقتصادية وثقافية، لكنها اليوم تُقصى تدريجياً من خريطة الأولويات، وكأنها فقدت حقها الطبيعي في التطور والاهتمام.
من يتجول في أزقة مراكش يدرك سريعاً أن شيئاً ما ليس على ما يرام. أحياء كالمسيرة، المحاميد، الداوديات، ودوار العسكر تشكو من إنارة ضعيفة، وطرق مهترئة، ونقص حاد في المرافق الترفيهية، واختناق في الخدمات الصحية والتعليمية. المدينة التي أبهرت العالم بساحاتها وقصورها صارت اليوم تعاني في صمت، في ظل غياب تام للمشاريع المهيكلة والاستثمارات الحقيقية.
وفي خضم هذا الواقع، نُفاجأ بإعلان جهة الرباط سلا القنيطرة عن إنشاء مركز مؤتمرات من الطراز العالمي بميزانية تتجاوز 100 مليار سنتيم. خبرٌ يُفرح للبلاد من حيث المبدأ، لكنه يدمي قلب كل غيور على مراكش. لماذا تُمنح هذه الميزانيات الضخمة لمدن معينة فقط؟ ألم تكن مراكش وجهة المؤتمرات الدولية قبل سنوات قليلة فقط؟ أين هو التوازن المجالي الذي تتحدث عنه الدولة؟ كيف يُعقل أن تظل مراكش، بكل ما تمثله، خارج حسابات التنمية الكبرى؟
الأكثر إيلاماً من التهميش هو صمت من يُفترض أنهم حماة المدينة. أغلب المنتخبين الذين يمثلون مراكش في الجماعة أو البرلمان غائبون عن ساحة الترافع. لا مذكرات، لا أسئلة شفوية، لا ضغط سياسي، لا تقارير ميدانية… فقط صمت مُريب، كأن المدينة ليست أمانة في أعناقهم. لقد تحوّل كثير منهم إلى شهود على التراجع، لا فاعلين فيه أو رافضين له. وهذا الصمت، في حد ذاته، خيانة لثقة الناخبين، وخذلان لمدينة لا تستحق إلا الوفاء.
نحن لا نطلب المستحيل، بل فقط ما يليق بمكانة مراكش. نطالب بإدراج المدينة ضمن الأولويات الوطنية للمشاريع الكبرى، وبإطلاق مشاريع بنية تحتية تُعيد لها وجهها الحضاري، وبتشييد مركز مؤتمرات دولي يُعيد لها مكانتها في تنظيم التظاهرات العالمية، وبالتسريع في تطوير المرافق الصحية والتعليمية التي باتت لا تستجيب للحد الأدنى من كرامة العيش. نطالب أيضاً بدعم الأحياء الشعبية بمرافق ثقافية ورياضية تليق بساكنتها، وبمحاسبة كل مسؤول اختار الصمت أو التواطؤ مع هذا التراجع الممنهج.
إلى عمدة مراكش، إلى البرلمانيين الممثلين للمدينة، إلى كل من يتحمل مسؤولية القرار، نقول: مراكش ليست بخير، وأنتم مسؤولون. المدينة تحتاج من يقاتل من أجلها، لا من يتفرج على تراجعها. إن لم تكونوا في مستوى الأمانة، فافسحوا المجال لمن يملك الغيرة والقدرة. نحن أبناء هذه المدينة، وسنظل نرفع الصوت عالياً: كفى صمتاً، كفى تهميشاً، كفى خذلاناً.
مراكش لا تموت، لكنها تتعب. مدينة بتاريخها العريق وساكنتها الأبية لن تسمح أن تتحول إلى مجرد محطة موسمية للسياحة، بينما تُهمَّش في البنية والمرافق والخدمات. من هنا، من الأزقة الضيقة، من الأحياء الشعبية، من صوت المواطن البسيط، نكتب هذا المقال بمرارة الغيور وصدق الموجوع، ونقولها بلا تردد: من لا يدافع عن مراكش لا يستحق أن ينطق باسمها.