مشاهدة : 1080

حين أيقظت المستديرة تاريخ ليريدا ومراكش


                              

في زمن يهتز فيه العالم على إيقاعات التكنولوجيا الحديثة وترتعد مواقع التواصل الاجتماعي على هذه الإيقاعات المتجددة وتعلو في هذه المنابر الحديثة أخبارا وأحاديث وابتكارات واختراعات متنوعة.

في هذا الزمن الذي يتقوى فيه التفاعل الافتراضي ويتلاشى فيه الترابط الاجتماعي الأصيل، وتكاد تتحول فيه الشخوص إلى مجرد أشباح و ملامح حولت منظومات القيم الدينية والإنسانية إلى طقوس وأوهام.

في ظل هذه التوازنات المختلة اختار شباب حي كاسطور – الحي الحسني – بمراكش كسر هذه التداخلات المتنوعة التي يبدو فيها انعدام الأفعال وردود الأفعال طبيعيا وأرادوا لها التطبيق ورفض كل أشكال الاستكانة و الإدغان.

بهذه النظرة الفعلية اليقينية وإيمانهم القوي بواجب العرفان ورد الاعتبار في زمن البلاهة والنسيان لمن يستحقه وعلى أعناقهم لازالت ملامحه تتطاير هنا وهناك أينما حلوا وارتحلوا وهذا ليس بغريب على أبناء مدينة سبعة رجال قاطبة المعروفة بكرمها وشهامة رجالها، وهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

هم شباب فرقهم الزمان و البحث عن الذات، رفضوا الخضوع والاستسلام لقدر غامض ومستقبل مجهول، خرجوا وهاجروا إلى الضفة الأخرى في لقمة العيش الكريمة وضمان مستقبل قار و مزدهر. يتشابهون في كل شيء والتمايز بينهم منعدم. متشابهون في العواطف والمشاعر والماضي بكل محطاته من الطفولة والجيران والحومة والدرب والملعب وفرقه الرياضية والمدرسة الابتدائية والثانوية وصولا إلى الجامعة لمن تخطى أبوابها.

بهذه الحمولة الزمنية والترابطية الحميمية تجمع هؤلاء الشباب من مختلف الدول والمدن الأوربية يحملون حضارة بلادهم وتراثها الجمالي في أبهى حلله، لتتعانق وإحدى المدن الإسبانية التاريخية في الشمال الشرقي بإقليم كاطالانيا، إنها مدينة ليريدا، المقاطعة ذات 231 بلدية والتي كانت بالعهد الإسلامي مدينة عامرة وتتبع لمدينة سرقسطة حينها، وكان عهد ازدهارها في عهد بني هود إلى أن سقطت في يد الأفرنجة سنة 641 ه / 1249 م.

وكأن التاريخ يعانق بعضه، كأن التاريخ العربي الإسلامي يحن لماضيه بل ويرثيه بمرثية أندلسية عربية معاصرة على الزمن الجميل زمن الوصل والرخاء، وكأن هؤلاء الشباب يطاردونه في الزمان والمكان على الأقل في زمن الاغتراب وما يعانونه من مضايقات على المستوى العملي و الإنساني…

في هذا الزخم التاريخي والإنساني عبر أصداء القارة العجوز وحلمهم في إحياء ذكريات طفولتهم في وطنهم الأم، اجتمعوا هناك في مدينة ليريدا لكن بطعم خاص وبشكل يختزل الإنسان في عمقه الإنساني من خلال صلة الرحم وربط جسور المحبة والعلاقات الإنسانية الأخوية التي كانت تربطهم، و خلخلة الزمان وما يجري فيه مند الماضي، والنبش في مخزون الذاكرة الكاسطورية بحلوها ومرها وبنجاحاتها وإخفاقاتها، خصوصا في جانبها الرياضي وتحديدا لعبة كرة القدم، معشوقتهم المدللة.

وكما جمعتهم في أرض سبعة رجال هاهي اليوم تلفهم في أرض الرضي كما يحبون أن يسموها أهل ليريدا، ويتحول بذلك الزمان والمكان إلى قوى ضاغطة على أفكار ومخيلات هؤلاء الشباب، وبدءوا يقتفوا آثار تلك المعشوقة ومن كان يدللها لهم ويراودهم على حبها ومداواة ذاك العشق بكل قوانينه وأدبياته وأخلاقه وقيمه النبيلة.

لم يكن ذاك الشخص سوى أحد رجالات حي كاسطور و أبناءه القدماء، كرس حياته لخدمة فتية وشبان وشباب الحي، تملكه عشق المستديرة هو الآخر منذ نعومة أظافره وصابر وكابد ذاك العشق في ساحات حي كاسطور وملعبه القديم عبر بطولات فرق الأحياء ثم بعض الفرق الشرفية بجميع أقسامها الشرفية التي جاب معها معظم ملاعب مدينة مراكش وبعض الملاعب الوطنية، في إطار البطولة الوطنية لكرة القدم محققا بذلك عدة ألقاب وبطولات محلية و إقليمية، إلى أن وافته المنية في 16 دجنبر من سنة 2017.

ستون سنة كرسها المرحوم عبد اللطيف رواح لخدمة الحي وتلقين هؤلاء الشباب وغيرهم أبجديات كرة القدم تأطيرا و رياضيا وأخلاقيا … هذه الأخلاق التي أينعت وأثمرت ثمار الامتنان ورد الاعتبار في زمن النسيان والملهاة وتفتت الأخلاق، وكان الرد قويا من هناك في تجمعهم داك – ليريدا – حيث كان درء الصدع وجبر الشظايا وكانت المفاجأة قوية مذوية عندما أقاموا هناك معسكرا رياضيا تحت إشراف وفي ضيافة  أحد الفاعلين الجمعويين المغاربة ذو الأصول المراكشية الكاسطورية السيد عمر شرح، رئيس الجمعية الثقافية العربية أطلس، و بتنسيق مع جمعية نوسطالجيا ليريدا، نظموا ذكرى المرحوم رواح التي توجت بمباراة في كرة القدم مع فريق جمعية نوسطالجيا، في مباراة حضرها بعض جمهور المدينة وآخرون من مختلف الجاليات المقيمة هناك اختتمت بحفل استقبال على شرف أعضاء الفريقين وبعض من الشخصيات المدعوة من أطر الجمعيتين وأطر مؤسسة البنك الشعبي وبعض الشخصيات من المدينة.

الفكرة نالت إعجاب الجمهور الليريدي ومن حضر، واستحسنها كل متتبعي الشأن المحلي الليريدي وبعض أعين عدسات كاميرا المواقع الإخبارية من البلدين وعبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وخلقت إشعاعا خصوصا في الأوساط الجمعوية التي تناقلت الفكرة والتجربة في بعض المدن الكاطلونية وطبقوها مع نظيراتها في المغرب، خصوصا في مدينة العرائش التي كرمت أحد رجالاتها بنفس الطريقة الكاسطورية، وهكذا كبرت الفكرة وكبر معها طموح وآمال هؤلاء الشباب وانفتحت شهيتهم لمشروع متكامل يتم نقله إلى أرض سبعة رجال و بالضبط إلى معقلهم الأصلي و محراب معشوقتهم المستديرة، إلى حي كاسطور، حيث سطروا ووقعوا على أهم صفحات تاريخهم المجيد.

وعليه ضربوا تاريخ صيف 2019 كموعد لتكريم روح المرحوم عبد اللطيف رواح داخل حومته وبين أحضان أسرته وأصدقائه الأوفياء. وشاءت الأقدار أن يكون حفل التكريم هذا في ملعب الحي القديم الجديد، الذي عرف هو الآخر جملة تغييرات على مستوى أرضيته ذات العشب الاصطناعي وبعض المرافق الرياضية الأخرى بالإضافة إلى جماليته ذات الطبيعة الخضراء لمختلف جوانبه و كأنه عد لأجل هذا الحفل، الذي تولى الإشراف عليه أحد المبادرين من أولئك الشباب وبتنسيق مع أصدقاء المرحوم وتعاون مع جمعية الوصال والمواطنة.

وكانت تلك الشرارة الثانية التي فدفتها ليريدا بشظايا حارقة نزلت بردا وسلاما على الحي وأهله وناثرت على صفوة رجالاته رذاذ التكريمات لبعض الوجوه الرياضية من أصدقاء المرحوم الذين أبلوا البلاء الحسن داخل الحي وخارجه على مختلف المجالات الرياضية والتفافية والفنية والإعلامية.

بالإضافة إلى تكريم الأستاذ ناجم فؤاد عبد اللطيف صاحب كتاب " من ذكريات حي كاسطور الكروية " الذي يؤرخ لمسار اللعبة الشعبية كرة القدم داخل الحي برجالاتها وأبطالها وبطولاتهم وساحاتها الرياضية وجمهورها الرياضي النبيل، على امتداد أربع عقود من القرن الماضي، والذي خلف إشعاعا وصدى طيبا لدى الأوساط الرياضية بالمدينة.

كما تم تنظيم دوري مصغر في كرة القدم بمشاركة عدة فرق من داخل وخارج الحي، كان معظم لاعبيها من أصدقاء المرحوم، أيضا شهد الحفل ألعابا ترفيهية ومفاجآت للصغار.

كل هذا تحت أهازيج من التراث الشعبي للدقة المراكشية أتثها ببعض "التقيتيقات" الشعبية، أعطت للحفل طابعا مراكشيا صرفا.

وعلى هامش الحفل البهيج تم توزيع التكريمات والشواهد التقديرية على مختلف الأطر المكرمة والإعلان عن المدرسة الرياضية لكرة القدم للصغار التي سيشرف عليها الإطارين المقتدرين بوجمعة قرصان وبن جواد ميلود، المعروفين في الأوساط الرياضية الكاسطورية والمراكشية على العموم.

كل هذا تحت أنظار جمهور غفير من مختلف الفئات والأجناس تفاعل بشكل كبير وتلقائي مع مختلف أطباق هذا الحفل التكريمي البهيج الذي نشطه وربط بين فقراته المنشط المقتدر عزيز أبو الصواب، الذي أضاف للحفل رونقا خاصا جعل الحضور يعيش الماضي بالحاضر من خلال الجمع بين روح المرحومين، الأول في روح الفقيد عبد اللطيف رواح والثاني في روح  أخيه الفنان محمد أبو الصواب رحمه الله.

واختتمت الأمسية بحفل شاي على شرف المكرمين والشخصيات المدعوة، على رأسهم رئيس مقاطعة مراكش المنارة و نوابه، ومديرة دار الثفافة بالحي الحسني وعضو عن اللجنة المركزية للتحكيم بالجامعة المغربية لكرة القدم ورئيس لجنة التحكيم وأمين مال عصبة الجنوب والمدير الجهوي للجنة التحكيم بعصبة الجنوب ورئيس مصلحة الشؤون الثقافية بمقاطعة مراكش المنارة والمدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بالمضيق، وبعض الفنانين والأطر الصحافية ومختلف الشخصيات المدعوة التي ضربت موعدا على اللقاء في النسخة الثانية إن شاء الله.

 

3 commentaires sur “حين أيقظت المستديرة تاريخ ليريدا ومراكش

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

اخر الأخبار :