عبد اللطيف البياتي في رحلة الوداع


مشاهدة : 514

انتقل الى عفو الله صباح الاربعاء 25 ابريل الجاري المبدع الكبير والاديب الاستاذ عبد اللطيف البياتي بعد صراع طويل مع المرض، وقد ترك فقد آثارا بليغة في قلوب العديد من احبائه ورفقته الطيبة من الاصدقاء وعموم معارفه في مختلف انحاء المغرب، وقد تم تشييع جثمانه الطاهر في موكي جنائزي مهيب بحي الرياض بمدينة الرباط.                                                                                                    

ولد الفنان عبد اللطيف البياتي السرغيني بمدينة قلعة السراغنة،التي تبعد عن مدينة مراكش بحو ثمانين كيلومتر،غير ان مسقط القلب والوجدان قد كان بمدينة مراكش، اصيب رحمه الله بكف بصره وهو دون العاشرة من عمره، فعاش طفولة صعبة للغاية’ فقد تولت والدته تربيته بعد انفصالها عن والده، فكان حلمها ان يواصل الطفل تعليمه ، كما كان حلم الطفل ان يتعلم فن الموسيقى التي كانت منذ صباه تملأ كيانه وتسعد نفسه الحزينة، وبعد ان اتم دراسته انخرط في سلك التربية والتعليم،وبمدينة اسفي تم تعيينه استاذا باحدى مؤسساتها التعليمية، وفي ذات الوقت كان يتعلم الموسيقى.                                                                            

وبرغم انخراطه في سلك الوظيفة العمومية، الا ان ميولاته الى عالم الفن كانت لديه اقوى من كل هاجس، هكذا،ومن شاطئ سيدي بوزيد بدأ الاستاذ عبد اللطيف البياتي مشواره الفني، وذلك عندما اصطحبه معه رفيقه (السيد عبد الرحمان المطرح) لحضور حفل كانت قد نظمته شركة الحبوب لفائدة مستخدميها، فسعد عبد اللطيف بحضوره هذا الحفل الفني الساهر، وقد أخذ بلبه الجوقة الموسيقية التي كانت ترافق مطربا مغربيا مغمورا يدعى عبد القادر الحكيم وهو يغني اغنية للموسيقار فريد الاطرش بعنوان ( خليها على الله …. مشيها ويا الله)، فبلغ الطرب بعبد اللطيف مبلغه، فتأثر حتى البكاء، وقد كانت هذه الاغنية الجميلة، كما جاء في سيرته الذاتية المطبوعة، (….كما لو كانت فألي ولسان حالي، والمغني هو قصدي ومرادي، تفاءلت باسمه المركب من قدرة تسخرها مشيئة الله لحكمة لا يعلمها الا هو)، وفي هذه الليلة قرر عبد اللطيف البياتي ان يستغل هذه الفرصة ليتحدث الى رئيس الفرقة الموسيقية الذي هو ذات الوقت مطربها عبد القادر الحكيم،فقد تقدم اليه عبد اللطيف في جراته المعهودة وحياه في ادب ورقة بعد ان عرفه بنفسه، وساله:( هل اطمع سيدي في ان تعلمني الموسيقى؟؟ فاجابه: ذكرتني باخي الكفيف رحمه الله عبد الواحد الحكيم الذي كان بدوره فنانا مشهورا في مدينة اسفي، فهو الذي علمني اصول الموسيقى وقواعد الغناء، فكنت ارى مواقع انامله على الاوتار في ذراع العود، اما انا فلا ادري إن كنت قادرا على تعليم مكفوف لا يرى من الآلة ما ارى)، فاحس البياتي من جواب الرجل وكأن آماله ستتبدد، وانتابه غير قليل من الحزن، وفي مساء الغد،كانت المفاجأة السعيدة عندما وجد الفنان عبد القادر الحكيم يزوره في بيته، ويقول له:( لا اخفي عليك رؤيا رايتها أمس ياولدي، لقد زارني أخي المرحوم، وأوصاني بك قائلا:علم المكفوف فهو أمانة بين يديك)، وهكذا فقد حدد عبد اللطيف يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع موعدا ليتعلم الموسيقى والغناء، وبعد أربع أشهر من الدراسة استطاع عبد اللطيف أن يكمل السلم الموسيقي عزفا على آلة العود، ثم اخذ معلمه الفنان عبد القادر الحكيم يلقي به عمدا وسط الجوق الموسيقي في مختلف الحفلات الموسيقية، فكان مرة يضع في يده آلة إيقاع، ومرة أخرى آلة وترية كالعود، هكذا وبعد أن أتقن عبد اللطيف مبادئ العزف، اصبح عضوا في هذه الجوقة الموسيقية.

وفي العام 1958 فتحت مدرسة المكفوفين بمدينة مراكش ابوابها، فانتقل عبد اللطيف البياتي من مدينة اسفي حيث كانت المدرسة والفن، الى مدينة مراكش حيث انخرط في سلك تعليم المكفوفين بطريقة (برايل) دون ان يقطع صلته بمدينة اسفي التي ظل مرتبطا بها فنيا، فكان خلال هذه الفترة من حياته يتنقل بين المدينتين، فيقيم اربعة ايام بمراكش، وثلاثة ايام في اسفي.       

  لقد احب عبد اللطيف البياتي مدينة مراكش، فكانت بالنسبة له مسقط القلب والعقل، وفي هذه المدينة كان يراوده باستمرار خاطر قوي يلح عليه ويقول له:( اخرج ياعبد اللطيف، اقتحم بمواهبك المجتمع، واحمل آلتك الموسيقية، واجعل من اوتارها جسورا بين قلبك وعقلك، وعقول وقلوب الناس من حولك، انها الواصلة بينك وبين مبتغاك في عزة وكرامة وحب واحترام)، وفي غمرة هذا الحماس الصادق، عكف عبد اللطيف البياتي على عوده، ومن اجل تقوية رصيده بدأ باقتحام الجمعيات الادبية ليسهم معها في اقامة الحفلات والسهرات، وكان هدفه من ذلك ان ينقش اسمه في لائحة الخضم المتنوع من الموسيقيين افرادا واجواقا بعاصمة ابن تاشفين، وخلال هذه الفترة قد احيى عبد اللطيف البياتي او حفل فني له، وكان حفلا نسويا بحي (القصبة) بالمدينة العتيقة، حيث شارك بعوده ضمن جوقة موسيقية كان كل عضواتها من النساء،وكن عازفات ماهرات تتلمذن على أيدي كبار الفنانين المغاربة والمشارقة، وكانت من بينهن سيدة تعزف بمهارة نادرة على آلة الكمان اسمها ( لالة الكحلة)، وسيدة اخرى كانت تعزف بنفس المهارة على آلة العود اسمها ( سعد السعود)، وقد اتخذته هذه الاخيرة صديقا، فكانت ترعاه وتعتني بهز تهتم له، وقد تالق الفنان عبد اللطيف البياتي في اول حفل له بمدينة مراكش، ليصبح بعد ذلك منأشهر الفنانين في مجال اغاني المنوعات بصنفيها الشرقي والمغربي، وبدأت العروض تنهال عليه، وبدأت الاسرالمراكشية تتنافس في دعوته لإحياء افراحها واعراسها، حتى اصبح بعد ذلك مطرب النبلاء والاسر الوجيهة، وفي هذا قال فيه الشاعر المراكشي حسن الهزميري:                                                                   إذا لم تكن بعرسي نغمة     تشنف اسماع الحضور وتقارع                                                                   فليس بعرس ما اقمت وإنمــــــــا      مناسبة فيها تنق الضفـــادع                                                       بعبد اللطيف نستعيد شبـــــابنا        وتقضى لنا اوطارنا والنوازع                        هذا وكثيرة هي المحطات الوضيئة التي تزخر بها حياة هذا المبدع العصامي والاديب الالمعي الاستاذ عبد اللطيف البياتي، والتي يزخر بها كتابه ( الليالي ) الذي يوثق لسيرته الذاتية.

                  

5 commentaires sur “عبد اللطيف البياتي في رحلة الوداع

  1. 702433 460302Good read, I just passed this onto a colleague who was doing a bit research on that. And he just bought me lunch since I located it for him smile So let me rephrase that: Thank you for lunch! 846505

  2. 402003 361210Does your web site have a contact page? Im having trouble locating it but, Id like to send you an e-mail. Ive got some suggestions for your blog you might be interested in hearing. Either way, great weblog and I look forward to seeing it develop over time. 792111

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

اخر الأخبار :