نعيمة الغواتي…. أسطورة الجمباز… التي لن ينساها المغاربة
4263 مشاهدة
الكتابة عنها ليس من أجل التعريف ببطلة مغربية رفعت راية بلدها في محافل دولية عدة، لأن أرشيفها كاف للتعريف بها وبإنجازاتها، ولا لأجل انتقاد المسؤولين عن قطاع الشباب والرياضة الذين أهملوها في عز حاجتها إليهم، رغم ما قدمت من أجل بلدها، لان ذلك تعودناه من مسؤولينا، كما أنها لم تكن تنوي استجداء اهتمام اي مسؤول لان حبها لوطنها كان أكبر من ذلك.
كتابتي عنها في العدد هذا، وفي جريدة مراكش الإخبارية التي طالما كانت أكثر المهتمين بالمواهب والطاقات التي تزخر بها جهة مراكش اسفي، هو عيشي مع هاته البطلة تجربة مهمة، فقد عرفتها فتاة طيبة وجميلة، لا تتحدث كثيرا، لكنها تقول اشياء كثيرة مع كل حركة لها، وتتبعتها كسيدة مهما كبرت ستبقى شابة وعلما يفتخر به المغرب والمغاربة وعشاق رياضة الجمباز.
ضيفة عددنا هذا، هي اسطورة رياضة الجمباز، السيدة نعيمة الغواتي، بطلة العالم في رياضة الجمباز، التي تحدت الكثير من اجل الظفر بلقب البطولة ومن أجل البقاء على قيد الحياة.
البداية من الكنيسة التي كانت ملعبا للجمباز
قبل الكتابة عنها، نعود وإياكم بالزمن الى الوراء، وبالذات سنة 1992، حينها كان عمري 5 سنوات… أتذكر ذاك اليوم، لحظة ولوجي الى ملعب رياضة الجمباز، الذي كان فيما قبل كنيسة للنصارى، وذلك قبل ان يذهب مسؤولو المدينة الى اعادة طابعه التاريخي ككنيسة، وتخصيص ملعب جديد لممارسة هاته الرياضة.
مدينة اليوسفية المهوسة ساكنتها برياضة الجمباز ومختلف الرياضات الأخرى، لا يعقل ان تجد فيها بيتا يخلو من طفل يمارس احدى الرياضات سواء كان فقيرا او غنيا، فالكل هناك مهووس بالرياضة، حينها اقتحمت مجال الجمباز، وكتب لي ان اقف إلى جانب البطلة العالمية نعيمة الغواتي التي كانت هي من فئة الكبار، وانا وفتاة أخرى "ايمان اوقبيل" من فئة الصغار، وذلك من أجل المشاركة في بطولة وطنية لرياضة الجمباز.
الانطلاقة كانت من الكنيسة، والوقوف بجانب نعيمة الغواتي تحت اشراف المدربة القديرة كريمة النظيفي، كان بحد ذاته بطولة وشعور بقوة، وكأنما كان شيء من عظمة تلك البطلة يتطاير منها في السماء ليزودنا بالقوة الكافية من أجل المشي على دربها، فهي انسانة مليئة بالطاقة، إذ في كل حركة تجد اتقانا محكما لرياضة تحتاج العقل قبل مرونة الجسد، هذا ناهيك عما يتسم به قوامها الجميل.
نعيمة الغواتي التي لا زالت حديث كل ساكنة اليوسفية وعشاق رياضة الجمباز، رغم تواريها عن الانظار منذ سنوات، لا زال اسمها ساطعا، ولا زال يحمل بين حروفه سنوات المجد التي عاشتها مدينة اليوسفية مع ثلة من الابطال من طينة نعيمة الغواتي.
نعيمة أيقونة اليوسفية فازت بالعديد من الميداليات، وهي في عمر الزهور، لتتوج فيما بعدها كبطلة للعالم، وذلك قبل ان تغيب عن الانظار بعد حادث أليم حال دون استمرارها في اللعب فوق الاديم، بعد ان اصيبت بكسور خطيرة على مستوى رجليها وعمودها الفقري في حادث اصطدام بين السيارة التي كانت على متنها وسيارة اخرى بمخرج مدينة مراكش نحو اليوسفية.
مشوار حافل
اسطورة رياضة الجمباز، نعيمة الغواتي، رأت النور بمدينة اليوسفية سنة 1976، حيث رسمت لوحات تألقها وهي في سن صغيرة، اذ ظفرت بأول ميدالية ذهبية لها سنة 1985، ثم بلقب اصغر بطلة في الجمباز على صعيد البلدان العربية في الالعاب العربية التي اقيمت بمدينة الدار البيضاء في نفس السنة، والتي فازت فيها ايضا بمدالية فضية في المتوازي، اضافة الى مشاركتها في العديد من الدورات الدولية.
وفي سنة 1986، حازت نعيمة الغواتي على كأس أصغر لاعبة جمباز في البطولة التي اقيمة بموسكو، هذا الى جانب تتويجها بطلة عربية بألعاب البحر الابيض المتوسط التي اقيمت بسوريا سنة 1987.
مشوار نعيمة الغواتي حافل بالعديد من الإنجازات، حيث توجت مرة أخرى بفرنسا كبطلة عالمية في الجمباز، وذلك سنة 1988، هذا الى جانب تتويجها ببطولات اخرى على الصعيد الوطني والافريقي والدولي، وذلك الى ان اصيبت بكسر على مستوى قدمها في البطولة العربية للجمباز التي اقيمت بالعاصمة الاردنية عمان سنة 1999، حيث منعها الحادث من ان تستأنف لعبها لسنوات، الى حين ان قررت العوة من جديد، لكن الاقدار حالت دون ذلك.
….. حين حلت الفاجعة
حادث أليم حصل على مستوى الطريق الرابط بين اليوسفية ومدينة مراكش، وفاجعة حدت من أحلام وطموحات نعيمة الغواتي، وذلك بعد ان اصطدمت السيارة التي كانت على متنها رفقة الاب الذي كان يقود السيارة، والام، وشقيقتيها، حيث فارق الجميع الحياة، باستثناء نعيمة وفاطمة، اللتان بقيتا على قيد الحياة.
نعيمة، لم تصدم بإصابتها على مستوى عمودها الفقري ورجليها، بقدر الصدمة التي تلقتها بعد اكتشافها لمفارقة والديها وشقيقتها للحياة امام اعينها، فقد كانت الشاهد على وفاتهم، وهي من أغمض عيونهم، لتغيب عن الوعي بعدها لأيام.
صدمة ومحنة لم تتجاوزها بعد نعيمة الغواتي التي ولحد الآن تذرف الدموع كلما تذكرت الحادث الذي أخذ منها أعز ما تملك، والديها وشقيقتها سعيدة التي كانت ايضا مدربة بنادي اولمبيك اليوسفية للجمباز.
بين الحياة والموت…. ولادة جديدة
نعيمة الغواتي التي ظلت غير قادرة على التحدث لأيام بسبب فراقها لأعز ما تملك، لا زالت تتذكر جيدا اللحظات الاخيرة ما قبل الحادث، حين قررت عائلتها العودة الى مدينة اليوسفية بعد قضائها لإحدى العطل بمراكش، رفقة الاب الذي كان يقود السيارة، حيث وفي طريقه ذاك، استبدل الشريط الغنائي الذي كانت تستمع اليه العائلة بشريط قرآني، وكأنه كان يستعد للموت كشهيد، إذ وبعد بضع دقائق من ذلك، فارق الجميع الحياة في حادث سير أليم، باستثناء سعيدة واختها نعيمة التي قررت العودة الى الميدان من وراء محنتها تلك، لكن من بوابة اخرى.
فبعد الازمة التي عاشتها نعيمة، وخاصة تفاقم اوضاعها المادية وعدم وجود شخص يعيلها، قررت العودة للمشي من جديد والاعتماد على نفسها انطلاقا من الميدان الذي تألقت فيه لسنوات وصنعت به مجدا وتاريخا لن ينسى مهما مضى من أوقات.
ورغم أن الحادث كان أقوى من نعيمة، بعدم عدم تمكنها من اللعب من جديد بسبب الكسور التي اصيبت بها، قررت الفتاة ان تبلور التجربة التي اكتسبتها في الميدان، وان تعود اليه من بوابة مدربة للجمباز بأحد النوادي بمدينة الدار البيضاء، حيث يسطع هناك نجمها من جديد، مقدمة كل جهودها من أجل اعادة احياء رياضة الجمباز، عبر تنشئة جيل جديد من الأبطال رغم الأزمة التي تعرفها الساحة بسبب تهاون المسؤولين في اعادة الاعتبار لهذا النوع من الرياضات.