
توفيت الدبلوماسية المغربية حليمة الورزازي، يوم الأربعاء 14 ماي 2025 عن عمر ناهز 91 سنة، لتطوي بذلك صفحة إحدى أبرز النساء الإفريقيات في سلك الدبلوماسية الدولية ومن المدافعات البارزات عن حقوق الإنسان داخل منظومة الأمم المتحدة.
ولدت الراحلة بمدينة الدار البيضاء في 17 أبريل 1933، وواصلت تعليمها العالي بجامعة القاهرة حيث حصلت على الإجازة في الأدب سنة 1957، و بعد عودتها إلى المغرب التحقت بوزارة الشؤون الخارجية في 14 نوفمبر من نفس السنة، لتكون من أوائل المغربيات اللواتي انخرطن في هذا المجال، وبدأت مسيرتها المهنية كملحقة ثقافية في سفارة المغرب بواشنطن.
و شاركت الورزازي منذ سنة 1960 في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحديدا خلال دورتها الخامسة عشرة لتبدأ بذلك رحلة امتدت لأكثر من خمسين سنة في أروقة الأمم المتحدة، كانت فيها شاهدة وفاعلة في مسار إرساء منظومة حقوق الإنسان على المستوى الدولي وقد توج هذا المسار سنة 1966 باعتماد العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سياق عالمي متوتر بفعل الحرب الباردة ، غير أن الورزازي نجحت في بناء توافق دولي حول هذه النصوص، كما يروي الأستاذ محمد السعدي، من جامعة محمد الأول بوجدة.
واصلت الورزازي مسيرتها بخطى ثابتة، حيث تم انتخابها سنة 1973 خبيرة في اللجنة الفرعية لمناهضة التمييز وحماية الأقليات، كما كانت عضوة نشيطة في لجنة الأمم المتحدة لمناهضة الأبارتايد والتمييز العنصري لمدة قاربت عقدين، وخصصت جهودها لمناهضة العنصرية والدفاع عن المساواة، ومساندة قضايا البلدان النامية.
وكانت شخصية حليمة الورزازي هادئة ومؤثرة، حيث كانت تفضل الابتعاد عن الأضواء رغم حضورها البارز في المحافل الدولية، و وصفها الأستاذ السعدي بأنها كانت حاضرة في عمق المفاوضات والقرارات، رغم تواريها في الصور الرسمية، وتميزت أيضا بأناقتها التقليدية وارتدائها القفطان المغربي، مما جعلها شخصية معروفة في مقري الأمم المتحدة بنيويورك وجنيف.
و أسندت إلي الورزازي مهام رفيعة، من بينها رئاسة فريق العمل المكلف بصياغة مشروع الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري سنة 1965، كما شاركت في إعداد اتفاقيتي القضاء على التمييز ضد المرأة وحقوق الطفل، وفي سنة 1992 ترأست اللجنة التحضيرية لمؤتمر فيينا العالمي لحقوق الإنسان، حيث دافعت بقوة عن مواقف بلدان الجنوب وساهمت في تحقيق توافق دولي حول الوثيقة الختامية.
كما ظلت الورزازي طوال مسارها منخرطة بقوة في الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب، خاصة داخل هيئات الأمم المتحدة وفي سنة 1989، عينت مديرة للمنظمات الدولية بوزارة الخارجية والتعاون، وواصلت من هذا المنصب مهامها المتعددة داخل المنظومة الأممية وفي 1997 أصبحت نائبة لرئيس الدورة 49 للجنة الفرعية لمناهضة التمييز، ليتم انتخابها في مارس 2008 ضمن اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان بجنيف.
عاشت حليمة الورزازي تجربة إنسانية صعبة بعد فقدان زوجها عبد الرحمان عنقاي، الذي كان يشغل منصب مدير ديوان الملك محمد الخامس، إثر حادث سير مميت سنة 1959، في حين نجت هي من الحادث بأعجوبة كانت تتقن العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية وتنتمي إلى جيل من الخبراء القانونيين الأمميين ساهموا في تأسيس البنية القانونية الحديثة لحقوق الإنسان.
تركت خلفها رصيدا كبيرا داخل أرشيف الأمم المتحدة، يضم أزيد من 550 وثيقة و490 توصية وقرارا، و115 خطابا و19 تقريرا أساسيا ما يجعلها أكثر شخصية مغربية إنتاجا في التاريخ الأممي، وإحدى أبرز النساء الإفريقيات تأثيرا في مجال حقوق الإنسان على الصعيد العالمي.







