حكومة السيناريوهات ….
1040 مشاهدة
منذ ظهور جائحة كوفيد 19 بالمغرب وإعلان حالة الطوارئ الصحية وما رافقه من تدابير أمنية واجتماعية واقتصادية . لازالت الحكومة المغربية تعيش على مشاهد السيناريوهات وتعزف على أوتار مفقودة النغمة .لا لحن لها و لا ذوق . والسبب في ذلك جلي ظاهر للجميع . يتجلى في غياب التواصل في إطار مؤسساتي معروف وخاص بهذا المجال الحيوي والذي من خلاله يساير المواطن كل أطوار ومراحل الأزمة بمختلف مجرياتها وتقلباتها. ونتحدث هنا عن بلاغات تكذب بلاغات و خرجات تفند أخرى . اللهم بعض البلاغات الفضفاضة أو ندوات صحفية في غياب عنصر التفاعلية بين الأخذ والرد عبر أسئلة وأجوبة تشفي غليل الصحفيين و المواطنين على حد سواء .مما فتح الطريق وترك المجال واسعا لمرور وانتعاش وانتشار بعض الإشاعات والأخبار الزائفة من حين لآخر هنا وهناك . لتأتي الحكومة من بعيد وتقوم بالتصحيح أو التكذيب و التفنيد متناسية أن فراغها الإعلامي التواصلي هو سبب رواج وانتشار هذه الآفة الاجتماعية ( الإشاعات وزيف الأخبار). والحالة هذه تقتضي وتستوجب إقامة في مثل هذه الأزمة الوبائية التي يعيشها العالم بآسره وأثرها الوخيم على المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي . أن يكون العمل جماعيا وبكل وسائل الاتصال المتوفرة سواء الرسمية منها أو شبه الرسمية. وتعزيز حشد حضور المؤسسات عبر مختلف وسائل الاتصال الممكنة سمعية وبصرية وغيرها…وشرح كل خطوة والتماشي معها لحظة بلحظة وأحد القرار المناسب حسب كل لحظة من تلك اللحظات السارية – وما ليلة الهروب الكبرى – وما رافقها من اختناقات في الطرقات وحوادت سير دامية وتقطع السبل بالعديد من المواطنين في المحطات الطرقية إلا دليل على ذلك . وتشكيل لجان قارة وأخرى تابعة بشكل دائم لان الحالة الراهنة تستدعي حشد الطاقات والخبرات للتشاور والتحاور لإيجاد صيغ رزينة و مرنة لتجاوز الأزمة في إطار تشاركي جد موسع.
منذ بداية الأزمة الصحية التي تسبب فيها فيروس كورونا في مختلف أنحاء العالم سارعت الحكومات إلى بلورة مخططات مدروسة وواقعية. وذلك حسب قدرة كل دولة على حدة . وهنا مكمن الفرق والبون بينها وبين حكومتنا التي وضعت سيناريوهات محتملة تحاكي الأزمة وكأنها تستعد للظفر بإحدى المسابقات السينمائية بإحدى المهرجانات العالمية متفاعلا أو غير متفاعل يخرج لنا احد مخرجيها في شخص رئيسها معلنا عن أولوية هذا السيناريو وأسبقيته عن الأخر والاحتفاظ بالثاني في حالة إخفاق الأول والانتقال إلى المرحلة الثالثة في حالة فشلهما وعدم جدواهما في ظل عبثية عامل الوقت والزمان اللذان يعتبران حاسمين في مثل هذه الأزمات الصعبة والمعقدة .
وتوالت السيناريوهات الحكومية على امتداد ستة أشهر من هذه الجائحة وتوالت الإخفاقات والخروقات و الفروقات بين هذا السيناريو وذاك سواء على المستوى اللوجستيكي أو البنيات التحتية التي انكشفت طبيعتها وظهرت عيوبها المترسبة من زمان لكل خلق الله . إضافة إلى إزالة الستار عن الوضع الاجتماعي الذي انكشفت تجاعيد وجهه واللكمات والكدمات الضاربة في الفقر والفاقة والتهميش . وهشاشة الوضع الاجتماعي . أما على مستوى المنظومة الصحية فهشاشة أوضاعها المتردية كشفت عن ما هو أسوء في غياب التواصل حتى مع مختلف أجهزتها الإدارية و اللوجيستيكية وما عرفته مستشفيات مراكش مؤخرا من اكتظاظ وقلة المرافق والأسرة وغياب الأكسوجين والانهاك الكبير الذي عانت منه الأطر الطبية في غياب تام لوزارة الصحية والجهات المسئولة.. . وهذا كان متوقعا بالنظر للميزانية التي تخصص عادة لوزارتها إضافة إلى ما تعرفه من اختلالات و نقص في الموارد البشرية وتملص المصحات الخصوصية من مسئوليتها وعدم الانخراط في العمل التطوعي لمعظم المصحات وتعطل العديد من الخدمات الصحية الأخرى في أغلب المستشفيات فقط لخدمة جائحة كوفيد . مما أثر على خدمات العديد من المواطنين وتعطيل وتأخير خدماتهم الصحية ناهيك عن خروقات الدعم التي كشف عن العدد الهائل للطبقة المستفيدة والتي حصرتها الجهات المعنية في حوالي 24 مليون مغربي محتاج لهذا الدعم . وهنا لابد من التذكير في سبل وطرق تدبير هذه الجائحة التي أجبرت الحكومة على الاتجاه نحو مستنقع القروض من الخارج . من الاتحاد الأوروبي.و من صندوق النقد العربي و من البنك الإفريقي و من البنك العالمي و من فرنسا . و من المديرية التنفيذية للبنك الدولي و من صندوق النقد العربي و من الاتحاد الأوروبي لدعم بنيات التنمية . في ظرف شهرين أكثر من سبعة قروض وكان أحدى أسوء السيناريوهات للحكومة لمواجهة كوفيد 19 وماله من مضاعفات على الأجيال القادمة ورهن مستقبلها بكاهل المديونية الخارجية .
وأخيرا وليس بالأخير مادامت الأزمة قائمة وسيناريوهاتها متتابعة والحل ضبابي في زخم الأيام المتبقية من عمر الحكومة التي تحكمها آليات الباطرونا وهو آخر السيناريوهات التي جرف بتياره الكاسح والجاشع كل أماني وآمال الطبقة الكادحة التي ذهبت كل طموحاتها في مهب الريح.
في ظل هذه السيناريوهات المتداخلة مع جائحة كوفيد 19 التي طبعتها الارتجالية وضبابية البلاغات في ديباجتها و صياغتها وعدم اختيار توقيتها الصحيح أو التراجع عنها وتفنيد بعضها . مما يزيد في ضبابية الوضع . ويكون هامش الشائعات كبيرا و متاحا لكل من هب ودب. في وقت كان فيه المواطن بحاجة إلى اتصال وتواصل . إلى تفسير وشرح وتبسيط كل التفاصيل لآخر المستجدات وتطور الأوضاع وكذا الأهداف المحققة والتوقعات المنتظرة في سياق تدبيري بأولويات لمخططات المواجهة . مخططات تعد وتبنى حسب قدرة كل وزارة تحت إشراف إدارة الأزمات والمسؤولية . والحالة هاته تقتضي إظهار وتوضيح ما هو تدبيري وليس بالسيناريوهات ورمي اللوم الكبير على الشعب . كفى ما يحمله هذا الشعب وما تحمله من تعثرات الماضي. وما يحتاجه هذا الشعب الآن هو جودة التعليم و إعادة النظر في المناهج التعليمية و جودة الخدمات الصحية وتأهيلها وتوفيرها لجميع فئات المغاربة وهذه الخدمات العمومية هي الوحيدة التي تشكل شبكة الأمان الاجتماعي. وهو بحاجة إلى عدالة اجتماعية تراعي وتستجيب للمتغيرات والتقلبات الاقتصادية والاجتماعية.