عبد العالي بنشقرون:الحالة الوبائية التي تجتازها بلادنا تستدعي إرادة سياسية شجاعة لمحاربة الفساد

1753 مشاهدة

عبد العالي بنشقرون:الحالة الوبائية التي تجتازها بلادنا  تستدعي إرادة سياسية شجاعة لمحاربة الفساد

قال عبد العالي بنشقرون الباحث في التنمية البديلة والاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن المغرب سجل مع بداية الحجر الصحي قرارات إيجابية إلا أنه مع أيام عيد الأضحى تغيرت الأمور في الاتجاه المعاكس، وأشار المتحدث ذاته صاحب كتاب "مسار آخر للمغرب" إلى جانب الباحث نورالدين سعودي، أن رفع الحجر الصحي لم ترافقه استراتجية ناجعة، فدخل المجتمع برمته في أجواء من التشاؤم والتذمر والاحتجاج والخوف، مما ساهم في تعميق الفوارق الاجتماعية والفقر المتعدد الأبعاد،وأضاف عبد العالي بنشقرون الذي سبق له أن أدار ديوان وزارة التربية الوطنية والتعليم في عهد رفيقه الوزير عبد الله ساعفأن قانون المالية التعديلي أظهر انعدام إرادة التغيير الحقيقي، واصفا إياه بالعبث والاستهتار بمصلحة المواطن ويترجم اللامسؤولية في تدبير الأزمة…وتفاصيل أخرى من خلال الحوار التالي:

 

إلى أين يسير المغرب في ظرفية الوباء؟

 

ظهرت الجائحة في وقت يعاني فيه المغرب من البطالة وتعمق الفوارق وأزمة المدرسة العمومية والصحة العمومية وتفشي الفساد وسوء التدبير كما تدل عليه تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وأيضا أزمة المديونية، بحيث نستدين من أجل إرجاع الديون الفارطة وليس للاستثمار والتنمية، خاصة في البادية التي تعاني كثيرا من الأمية والفقر والهشاشة ومخلفات الجفاف.

وبغض النظر عن الفترة الأولى التي كانت هناك قرارات حازمة، نسبيا إيجابية أو مهمة، غالبا من طرف ملك البلاد، وذلك مثل إغلاق الحدود والحجر الصحي لفرض الإجراءات الاحترازية، واستعمال علاج الكلوروكين الذي أثار عالميا الكثير من الجدل، على أنه علاج ناجع، وأيضا إنشاء صندوق التضامن لمحاربة الوباء، والذي جمع 33 مليار درهم. كل هذه التدابير كانت مهمة أظهرت صورة جادة للبلاد، دوليا

 

لكن رفع الحجر لم يكن ناجحا، فكيف ترى هذا الأمر الذي أحدث تحولا خطيرا في الوضع؟

 

فعلا، رفع الحجر لم ترافقه استراتيجية متجددة،  خاصة في التواصل الهادف، استراتيجية تضمن استمرار الاحتراز وفي نفس الوقت العودة التدريجية إلى النشاط الاقتصادي حتى يسترجع الناس مصادر أرزاقهم. ولما اقترب عيد الأضحى، كان التساؤل حول ما إن كان سيتم إلغاء هذا العيد الديني، كما أغلقت المساجد قبلها، لتجنب التجمعات والاكتظاظ. هنا ترددت الدولة و لم تتخذ قرار المنع، فاحتك الألاف من الناس في الاسواق لبيع وشراء الاضحية، وارتفعت الاصابات بشكل مخيف .

من هنا بدأ مسلسل التدهور، لأن البنية الاستشفائية  أصلا هشة، وأعداد نساء ورجال الصحة غير كافية. فرغم الجهود المضنية المبذولة في المرحلة الأولى من طرف أبطال السترة البيضاء، فإنه سرعان ما تجاوزهم الوضع لما أصبحت الطاقة الاستيعابية للمستشفيات الرسمية والميزانية لا تستوعب أعداد المصابين، خاصة أن التجهيزات هزيلة كما أوضح العديد من الأطباء والممرضين في الفيديوهات المتداولة. في هذا السياق، دخل المجتمع برمته في أجواء من التشاؤم والتذمر والاحتجاج والخوف ساهمت المواقع الاجتماعية في التوضيح وحتى فضح سلوكيات غريبة وفظيعة مثل ما وقائع  في المستشفيات بمراكش او ملفات الفضائح التي برزت بخصوص الصفقات، أو حذف مبالغ التبرع لصندوق الوباء قبل أداء ضرائب الشركات، أو قصة أجهزة التنفس الاصطناعي التي اخترعها مهندسون مغاربة إلخ.. وهذه بعض من الأمور الخطيرة التي غيرت من مهمة البلاد قاطبة وعلى كل حال، أحبطت كثيرا من المعنويات، وأعادت موضوع الثقة بين الدولة والمجتمع محط النقاش والتداول

 

لو كنت في موقع القرار ولقد سبق لكم أن أدرتم ديوان وزارة التعليم..كيف يمكن أن يتصرف اليوم مسؤول بيده القرار لمواجهة الوضع المعقد، خاصة وانكم أصدرتم مؤخرا موقفا في موضوع البنك الدولي والعلاقة مع المؤسسات المالية الدولية؟

فعلا تعقيد كبير، لأن هناك تراكم الحرمانات، في التعليم و الصحة والسكن لفئات واسعة من المواطنين. حرمان أيضا في مجال الشغل بالنسبة للكثير، خاصة مع الوباء الذي حرم الملايين من الشغل. الهشاشة لها تاريخ إسمه الارتجال في التوجهات العامة، الاقتصادية والاجتماعية، وهي اختيارات غير تنموية أو بالأحرى تنمي مصالح ريعية لعدد محدود …مما عمق الفوارق الاجتماعية والفقر المتعدد الأبعاد، وهذه كلها أمور تتماشى مع تمنيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، التي تدعو للمزيد من الانفتاح ورفع يد الدولة عن الاقتصاد بما يعني التخلي عن القطاع العام، وتحرير الأسعار بما يترتب عليه من غلاء على حساب الفئات الواسعة من دوي الدخل المحدود والقطاع غير المهيكل ومواطني الهشاشة، إضافة إلى الاستدانة المتعمقة ورهن مستقبل البلاد والعباد .  

لكل ذلك فإن هذا الوضع يفترض تغيير المسار كلية من أجل مغرب آخر. وفي مقدمة ذلك تغيير موقع الدولة لتحمل مسؤولية إنقاذ البلد، واسترجاع قوة القطاع العام، خاصة في التعليم والصحة والسكن إضافة للمحاسبة على أي مهام يقوم بها من أسندت له في وظائف الدولة. وفي المجال الاقتصادي، يلزم وضع مخطط وطني شمولي للتنمية يُجيب على الحاجيات الحقيقية للمجتمع والاقتصاد، وخلافا لمنطق مجتمع الاستهلاك الفضيع وخلافا لبعض المشاريع الكبرى التي لم يحن وقتها.

 

لكن هذه كلها أهداف جميلة، فهل شروط المغرب تسمح بتحقيقها؟

 

سؤال مهم ويصعب الجواب عليه بالإيجاب. لسبب هو أن تأرجح الوضع الذي يعكس ميزان قوى ، لما تظهر فيه بعض الإيجابيات، سرعان ما يتم احتواؤها والالتفاف عليها، كما حدث في أجهزة التنفس الاصطناعي التي اخترعها مهندسون مغاربة والصفقات المخجلة التي أسالت مدادا كثيرا. ثم جاء قانون المالية التعديلي الذي أظهر انعدام إرادة التغيير الحقيقي، بحيث لم يدعم بند الصحة وتم تقليص بند التعليم، وهذا قمة العبث والاستهتار بمصلحة المواطن وصحته وهشاشته ويترجم اللامسؤولية في تدبير الأزمة.

فلو كان بيدنا القرار، لكان تغيير العديد من فرق العمل في مواقع المسؤولية والقرار، بمجموعة من الشرفاء الأكفاء، الذين برهنوا على تضحياتهم للوطن، وهم موجودون أيضا في بعض الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني والمهني والمهن الحرة، وعلى أساس ميثاق شرف من أجل العمل المبدع و لعدم خيانة الامانة والتدبير النزيه، والاستعداد للمحاسبة والمساءلة. وأيضا صياغة عقد اجتماعي عاجل بإعلان مبادئ مسار آخر للبلاد، يصوغ الأولويات للجواب على حاجيات المجتمع والاقتصاد، خاصة في الصحة والتعليم والشغل والسكن اللائق لمواطني الهشاشة. و في الميدان الاقتصادي وضع تصور لمخطط تنموي وطني يراجع مناهج التنمية في اتجاه بناء السيادة المغربية  والاكتفاء الذاتينسبيا وتدريجي(ا في الغذاء والدواء والطاقة، وفي اتجاه محو الفوارق. وفي نفس الوقت صياغة ميثاق زجر تجار الازمة، وفتح المجال  للمخطئين لإصلاح أنفسهم والمساهمة الفعلية في الانقاذ…على أن يساهم أصحاب المليارات في تطعيم "صندوق الوباء والتنمية البديلة"…لمواجهة نفقات التدبير وتمويل المشاريع الاجتماعية والتشغيل

يكثر الكلام في مجال الإجراءات الاحترازية عن جدالات من هنا وهناك، حول جدوائية الإجراءات والكمامة وتطورات الفيروس والحجر الخ…فهل منطقي الإبقاء على تغييب هذا النوع من النقاش على الساحة المغربية؟

 

 

في المجال الصحي دائما، يستحب عدم تغييب إشكالية الجدال العالمي حول جدوى الكمامة، وما يترتب عنها بحكم استنشاق ثاني أوكسيد الكربون وتأثير ذلك على الجسم. إذ لا يمكن أن يترك الموضوع خارج اهتمام الرأي العام الذي يتابعه على كل حال عبر الوسائط والمواقع. وأيضا استحضار تلك الدولة الأوروبية التي صرح رئيسها بطلب مؤسسة مالية عالمية بفرض الكمامة للحصول على قروض…وهذه أمور غريبة تدعو للتساؤل والحيطة، وأيضا تدعو لعدد من المراجعات

 

قبل نهاية الجزء الأول من هذا الحوار، وعلى أمل أن نتناول جوانب أخرى من تجربتك ذات الجوانب المختلفة لاحقا، ما الذي يمكن القيام به في سياق هذه الأحداث المتسارعة؟

 

الإشكالية المطروحة هي الإنقاذ…فرغم أن هناك بعض النقاط المضيئة التي لا يمكن إنكارها، وهنا لا ينبغي أن نكون متشائمين 1000%، فإن التغيير الجذري المطلوب، يفترض إرادة سياسية شجاعة، قمينة بتغيير المسار، واسترجاع الحماسة الوطنية لدى الشباب، وإعطاء المثال في كل شيء، ايجابا وسلبا، والانفتاح على المواطن البسيط في تواصل متجدد للانخراط الطوعي واستلهام المبادرات المبدعة، وفي نفس الوقت مواجهة الفساد لضمان جرعة الحماس والثقة، التي تشكل شرطا أساسيا للتغيير

اخر الأخبار :