
نظمت دار الشعر بمراكش بتنسيق مع كلية اللغة العربية بمراكش، يوم الجمعة 12 دجنبر الجاري بمدرج الشرقاوي إقبال، فعاليات الدورة الأولى من “ملتقى “الضاد” العربي” حول “اللغة العربية وتحديات الرقمنة”، ضمن برنامج الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية وضمن سعي حثيث من الدار بتنسيق مع شركاء وفاعلين في المجال الثقافي والإعلامي، إلى استقصاء قضايا راهنة مركزية تهم تحديات اللغة العربية اليوم، في ظل أسئلة التحولات التي يشهدها مجال التداول اللساني والمعلوماتي، والاقتراب من رهانات الرقمنة، بما أمست تطرحه من تحديات.
وشهد الملتقى، في دورته التأسيسية، مشاركة العديد من الباحثين: الباحث الدكتور أحمد شحلان، عميد الدراسات الشرقية وعضو أكاديمية المملكة المغربية، والدكتور أحمد قادم، عميد كلية اللغة العربية بمراكش، والدكتور أنس حسام النعيمي، الخبير في مركز الايسيسكو للغة العربية، إلى جانب الشاعرة أمينة المريني، التي تقاسمت مع الحضور جديد إبداعها الشعري، ضمن فقرة قراءات شعرية، في لحظة تناغم فيها السؤال النقدي مع النص الشعري.
وسعت مداخلات الباحثين إلى محاولة استقراء جزء من الأسئلة التي تواجهها اليوم اللغة العربية في مجال يشهد ثورة متواصلة، ويطرح تحديات على مستويات عدة. ومنذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، صادف إقرار الأمم المتحدة اعتماد اللغة العربية كإحدى اللغات الرسمية، يوم الثامن عشر من دجنبر، وهو ما شكل محطة أساسية للاحتفاء وطرح أسئلة تهم رهانات وجهود البحث العلمي لمواجهة تحديات الرقمنة، ومواكبة التطورات الحديثة في مجالات التكنولوجيا الحديثة.
وسعى الباحثون في الملتقى العلمي إلى ملامسة آليات قدرة اللغة العربية على ركوب تحديات الزمن الرقمي المتحول، وعيا بمرجعيات هذه اللغة، تاريخيا ولغويا. مقاربات تستشرف تشخيص التحديات، التقنية وتفريعاتها، قصد رصد أهم ملامح تناغم اللغة العربية مع الثورة التكنولوجية وفضاءات الرقمنة المتحولة، والوقوف على الجوانب التقنية والمنهجية والآليات الرقمية، والتي تجعل من اللغة العربية قادرة على الانخراط ومواجهة تحديات العصر.
ويسهم البعد المعجمي وعالم البرمجيات، في علاقة باللغة العربية، إلى الاقتراب أكثر من التحديات الراهنة. دور ووظيفة الرقمنة، من جهة، في تأثيرها على اللغة العربية، وسمات المحتوى الرقمي العربي، من جهة ثانية، على ضوء أهم التقنيات التكنولوجيا الحديثة اليوم، في جعل اللغة العربية قادرة على دخول غمار الرقمنة ومواجهة تحدياتها، خصوصا أن هذا التأثير المضاعف على اللغة قد أسهم في جعلها تواجه تحديا مضاعفا بل وباث يهدد وجودها، وقواعدها وأنماط صرامتها اللغوية والمعجمية والتركيبية، أمام الهيمنة المتواصلة ل”لغة الرقمنة”، وما تفرضه من “سلطة مضاعفة” على التواصل.
وسعى الملتقى العربي الأول، لدار الشعر بمراكش، في محاولته استقصاء التحديات التي تواجهها اللغة العربية أمام فضاءات الرقمنة، إلى تجاوز مبادئ تلك النظرة “المتعالية والمتوجسة”، والانتقال إلى لغة التفكيك والتحليل والتفكير العلمي في مواجهة التحديات الكبرى اليوم، واستجلاء الأبعاد الحقيقية لإيجاد السبل الكفيلة للانخراط في البيئة الجديدة لعالم الرقمنة الحديث.
وفي علاقة براهن الشعر اليوم، في ظل الفضاء الرقمي، كيف استطاع النص الشعري أن ينسج علاقاته الجديدة ومن خلالها بلاغته الخاصة، ضمن فضاء يسهم في “هدم” بنية اللغة و”نسق” النص في الأساس؟ وكيف استطاعت اللغة العربية، وهي الوسيط هنا على أفق النص الشعري، أن تشكل “سياجا” جماليا لحضور النص، ضمن احترام لبنيات اللغة ومرجعياتها، هوياتيا وفكريا..، وأيضا لترسيخ هذا الفهم الأعمق باللغة العربية وقدرتها على التفاعل ونسخ نسق التواصل الاجتماعي؟
ألا يشكل هذا الرهان تحديا آخر لمبادرة واعية قادرة على الانخراط في الفضاء الرقمي الحديث، وأيضا إبرازا لدور ووظيفة اللغة في تجلياتها الإبداعية والأدبية والجمالية عبر وسيط الشعر، أسمى “كائن حي” يمكنه التكيف تلقائيا في أي فضاء افتراضي؟
إن تعزيز حضور المحتوى العربي الرقمي، يبدأ من خلال إعادة نسج العلاقة اليوم بين ما تطرحه اللغة العربية، بثقلها الحضاري ومكوناتها اللغوية والمعجمية والتركيبية والنحوية، وهذا الفضاء الرقمي والذي أمسى قدريا وليس “آخر” يأتي من جبة “التهديد لكيان الأمة”، بل الانتقال الواعي للغة العربية في قدرتها على التكيف والتعايش والتناغم الرقمي، هو الرهان اليوم في التحول. وهكذا، تصبح الإرادة الجماعية اليوم، في القدرة على الانتقال باللغة العربية والمحافظة عليها، إلى تحديات الرقمنة اليوم، في ظل اتساع الهوة بين مؤشر وجود اللغة العربية وبين هذه “الهجنة” التي بدأت تصبح “بديلا” للتواصل عند الأجيال الجديدة.
الملتقى العربي حول اللغة العربية، محطة جديدة في برنامج دار الشعر بمراكش الثقافي والشعري، يتغيى تعزيز مكانة اللغة كفضاء للحوار، بمشاركة باحثين ومختصين، وأيضا تعزيز مكانتها في مجالات الرقمنة والتكنولوجيا الرقمية، وهو ما يجعل الملتقى فضاء علمي للبحث والتقصي والاستقراء في سبل تعزيز مكانة اللغة العربية وانتقالها إلى حيواتها المستقبلية، ومقاربة التحديات التي تواجهها خصوصا أمام زحف أساليب “الذكاء الاصطناعي” والترجمة والبرمجيات ومجالات الرقمنة.







