
حاوره: حبيل رشيد.
في المشهد الثقافي المغربي، يبرز اسم محمد العزوزي بوصفه واحداً من الأصوات الساردة التي تشتغل على التفاصيل المخبّأة خلف اليومي، وتمنح الهامش القدرة على الكلام. يكتب العزوزي بنَفَسٍ يزاوج بين حساسية التجربة وصرامة الوعي، فيجعل من النص مساحة للتساؤل أكثر مما هو مساحة للعرض. في هذا الحوار، نحاول الاقتراب من عالمه الإبداعي ورؤيته للكتابة وللإنسان.
س 1 : قبل أن ندخل في تفاصيل مسارك، كيف يقدّم محمد العزوزي نفسه للقارئ اليوم؟ ومن أين يبدأ هذا الشغف القديم بالكتابة؟
ج 1 : أفضل ما يقدم به الكاتب أو الشاعر نفسه هو الكتاب الذي يحمل بين أوراقه كل شيء عن الكاتب، حياته، وثقافته، ورؤيته وموهبته ، وهل فعلا الكاتب والشاعر مبدعا حقا أو متطفلا على الكتابة دخلها ذات نزوة فاستحلى نفاقها وصار يدبج الفذلكات الإنشائية.
بالنسبة لي لا أحب أن أتكلم عن نفسي أترك لما أكتبه أن يتحدث عني لأن إثقال النص بهوامش لا داع لها وتحج بالسير والألقاب والانتماءات يشوش على النص وعلى القارئ الذي قد يجد هذه الهوامش بلا قيمة أو قد يفهمها إذا كان قارئا محترفا على أنها تغطية على ضعف النص وضحالته ورداءته .
بالنسبة لبداياتي تعود إلى سنوات مبكرة من الطفولة من الدهشات التي كانت تثيرها في النفس مشاهد الطبيعة في كتامة التي كانت جنة كما أراها يتناسق في المشهد كل من الجبل والنهر والساقية والغابات بأشجارها المتنوعة قبل تكبر هذه الدهشات مع الاشتباك مع نصوص الكتاب المدرسي ورسومه التي كانت النافذة التي أطلت من خلالها على الرسم والنص والقراءة والتي دفعت ذاك الطفل الذي كنته إلى أن يحاول أن يقول شيئا من خلال الرسم وبعده الكتابة بعد امتلاك القليل من الأدوات الإنشائية لدخول معترك الكتابة ولو بطريقة بريئة لم أوفق في الرسم فكان الرغبة في البحث عن طريق أخر للتعبير عن تلك الأسئلة والرغبات في التعبير عن ما يعتمل في الذات بالكتابة بعد اكتشاف عالم الجريدة والمجلة الكتاب كقارئ أولا ولاحقا قارئ وكاتب في نفس الوقت .
س 2 : تُصنَّف أعمالك ضمن الكتابات التي تمنح التجربة الإنسانية أولوية في البناء السردي. كيف تشكّلت هذه الحساسية في كتاباتك؟ وهل تعتبرها خياراً فنياً أم ضرورة وجودية؟
ج 2 : أنا لا أرى هناك أولوية للسردي على الشعري أو الشعري على السردي بل أجد هذا التداخل والاشتباك صحي يجمع خطان متوازيين يجعلان من اللغة نهر يحافظ على حيويته وقدرته على الجريان ضمن أكثر من نص وأكثر من شكل أدبي ويمنح الكاتب أكثر من خيار ليقول ما يريد وبالشكل الذي يريد لأن ما يمكن قوله بالسرد قد لا يمكن أن يقال بالشعر أرى أن المبدع كلما كانت له خيارات كثيرة ليقول ما يريد أن يقوله كانت له القدرة على بناء جسور تواصلية أكثر فاعلية وأكثر متانة .
س 3 : صدر لك عدد من الإبداعـات التي أثارت اهتمام القرّاء والنقّاد. ما العمل الذي تعتبره مفصلياً في مسارك؟ وما التحوّل الذي أحدثه في رؤيتك للكتابة؟
ج 3 : الكتابة والإبداع في عمومهما كانا دائما جريانا نحو اللانهائي وبحث مستمر عن كتابة وإبداع ذلك النص الكامل والنهائي الذي لا يجب أن يكتب مهما كانت موهبة المبدع لأن التوقف عند كتاب واعتباره ذروة وصيغة مثلى يجب القياس عليها بالنسبة للكاتب والشاعر نفسه تجن للمبدع على نفسه وعلى نصه وقتل للشغف الكامن في ذاته بأن يبدع ويكتب أكثر في المستقبل بالنسبة لي نصوصي التي كتبتها أو نشرتها ما هي إلا سير ومعاودة السير نحو كتابة ذلك النص الخالد الذي قد أكتبه وقد لا أكتبه وبصيغة أخرى لا أن أكتبه لأن كتابة نص نهائي هو قتل للشغف والرغبة في الذات بأن تتجاوز دائما حالة السكينة والطمأنينة .
س 4 : كيف ترى العلاقة بين الكاتب والواقع؟ وهل تعتقد أنّ النص الأدبي يجب أن يكتفي بالاقتراح الجمالي، أم أنّ عليه أيضاً مسؤولية مساءلة الأسئلة الاجتماعية والثقافية في المغرب؟
ج 4 : كل كتابة وكل نص هو نتاج لتفاعل الكاتب مع واقعه بالضرورة مهما غرق في ذاتيته وقوقعته يبقى الاختلاف في درجة التفاعل ومدى تأثير هذا التفاعل، الجميل في الإبداع والفن هو أنه ينتج نصوص تتجاوز أحيانا حتى أصحابها وتغفر لهم حتى عن هفواتهم وسقطاتهم في مرحلة من مراحل حياتهم حيث تنكروا لواقعهم .
س 5 : في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا ويتراجع فيه حضور الكتاب الورقي، كيف تنظر إلى مستقبل القراءة؟ وهل ما زال الكاتب المغربي قادراً على الحفاظ على قارئ وفيّ لمشروعه الأدبي؟
ج 5 : أكثر كلمة مثيرة للسخرية في مجتمعاتنا هي كلمة القارئ هذا الكائن الافتراضي الذي يتحدث عنه الجميع حتى من لا يقرأ يتحدث عنه، نحن شعوب لا تقرأ ولم يعرف عنها في كل التاريخ أنها كانت تقرأ، القراءة فعل ارتبط كسلوك اجتماعي وممارسة يومية بالحداثة الغربية لأنها استطاعت بناء الإنسان المتحضر والإنسان الواعي واستطاعت أن تبني فضاء عام عقلاني وواعي ومنتج للمعنى .
بالنسبة للتكنولوجيا لا يمكن أن تقتل الكتاب الورقي بل يمكن أن تخدمه أكثر بأن تعرف به في كل بقاع العالم فالعالم مع الأنترنت ما هو إلا قرية صغيرة يتجاور الناس بكل انتماءاتهم وخلفياتهم الدينية والعرقية والطبقية .
أما كيف يحافظ الكاتب على قارئه الأمر يقع على الكاتب أكثر من القارئ أحيانا المشكل يكون في الكتاب وكاتبه أكثر مما يكون في القارئ، لأنه ليست كل الكتب المنشورة تستحق أن تقرأ وليس كل من نشر كتابا أو ديوانا شعريا فهو بالضرورة كاتبا وشاعرا لأن أول عامل لنجاح الكتاب هو احترام ذكاء القارئ بتقديم منتوج يحترم ذكاءه ويحترم معايير الكتابة ومقوماتها بعيدا عن التطفل والتفاهة والرداءة .
س 6 : ما المشاريع الإبداعية التي تعمل عليها حالياً أو تفكّر في خوضها مستقبلاً؟ وهل من نصّ جديد يعد به محمد العزوزي القرّاء قريباً؟ .
هناك الكثير من الأفكار التي تدور في الرأس سواء في موضوع الكتابة أو في موضوع النشر فقط أحاول أن أتدبر الأمر في علاقة مع الظروف أقصد بها ظروف النشر والتوزيع وطبعا ذلك في صلة مع ظروفي المادية لأنني أنا الناشر والموزع والبائع لكتبي بالدرجة الأولى .
بالنسبة لجديدي هذه السنة سنة 2026 لدي قيد الطبع كتابين، الأول عبارة مجموعة قصصية يجمع بين دفتيه قصص قصيرة وقصص قصيرة جدا والثاني كتاب عبارة عن نصوص شذرية .
وفي الأخير أشكرك السي رشيد على هذه الدعوة إلى الحوار .







