
ياسين مهما
مرة أخرى، يتأكد أن الوكالة الحضرية بمراكش خرجت عن دورها الأصلي، وأصبحت عقبة حقيقية أمام طالبي رخص البناء بالنسبة للمشاريع الصغرى بدل أن تكون أداة لتسهيل وتشجيع العمران القانوني؛ آخر حلقات هذا التمادي تجلى في قرار غريب ومثير للجدل صادر عن مدير الوكالة الحضرية نفسه، بعد أن أعطى تعليماته برفض عقود المحامين في ملفات طلب رخص البناء، مع إضافة ملاحظة مستفزة في الرفض “الإدلاء بعقد قانوني”، وكأن عقود المحامين غير قانونية.
المدير المذكور قرر من تلقاء نفسه، أن يجتهد اجتهادا شخصيا، ويفسر القانون كما يشاء، رغم غياب أي مذكرة وزارية ورغم عدم وجود أي نص تشريعي أو مرسوم يمنع اعتماد عقود المحامين، وما فعله لا يعدو أن يكون قفزا وتجاوزا خطيرا على القوانين المنظمة، خاصة القانون 39.08 في مادته الرابعة، والتي تقول “يجب أن تحرر تحت طائلة البطلان جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك.” وهو ما يؤكد أن المشرع أعطى اختصاصا واضحا للمحامي المقبول لدى محكمة النقض في تحرير العقود العقارية، هذا الاختصاص لا يمكن سحبه أو تقييده إلا بموجب قانون خاص، وهو ما تم الإشارة له من خلال عبارة “ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك” والتي تفيد مبدأين، أولهما عدم جواز تقييد هذا الحق إلا بنص تشريعي، وثانيها عدم كفاية المذكرات أو الدوريات أو القرارات الإدارية لتعديل هذا الحكم؛ والقاعدة تقول “لا اجتهاد مع وجود نص.”
ويبقى السؤال المحير، على ما اعتمد هذا المسؤول في اجتهاذه موضوع المقال؟، ربما اعتمد فقط على تصريح شفوي ذو طبيعة سياسية وإخبارية، ولا يحمل أي أثر قانوني لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، تحدث فيه عن توجه وزارته نحو تعديل حق المحامين في تحرير العقود العقارية؛ الوزير نفسه قال إن النص القانوني ما زال قيد الإعداد وأنه ألغى الحق في مشروع القانون، أي أنه لم يدخل حيز التنفيذ ولم يصدر في الجريدة الرسمية، ولم يمر حتى من المسار الدستوري لمسطرة التشريع المعمول بها. فهل قرر مدير الوكالة القفز على كل مراحل التشريع؟، وبأي سلطة يعلق العمل بقانون ما زال ساريا؟، وهل أصبح الدستور والبرلمان ووزارة العدل والمجلس الحكومي تفاصيل صغيرة أمام اجتهادات شخصية لهذا المسؤول الإداري؟ أم أن هذا الأخير نزع عن نفسه صفة مدير إدارة عمومية وارتدى عباءة المشرع؟.
خلاصة القول، إن ما قام به مدير الوكالة الحضرية بمراكش ليس خطأ إداريا، بل ضربا صارخا لقانون تبسيط المساطر الإدارية، وللدوريات الرسمية لوزيرة التعمير فاطمة الزهراء المنصوري، التي شددت مرارا على ضرورة تبسيط المساطر وليس تعقيدها والاعتداء على مصالح المواطنين المشروعة، خصوصا في العالم القروي.





