ذ عبد الإله التهاني يكتب، صحراوي في الدارالبيضاء :   ذكريات عن رجل إسمه محمد البريني …


مشاهدة : 342

ذ عبد الإله التهاني يكتب، صحراوي في الدارالبيضاء :   ذكريات عن رجل إسمه محمد البريني …

بقلم : عبدالاله التهاني

 

الصورة الاولى : الرجل والمبدأ

الحديث عن الاستاذ محمد البريني ، هو حديث عن سيرة مثقف مغربي ، زاوج بين احتراف الصحافة ، كاتبا ومدبرا وأستاذا مؤطرا لفريقه الصحفي، وبين الابداع الادبي ككاتب للقصة والرواية .
وهو أيضا حديث عن رجل ، قضى ردحا طويلا من حياته ومساره المهني ، يعمل ضمن المنظومة المعقدة للصحافة الحزبية، محاولا بكثير من الكد والجهد والمثابرة ، أن يضفي لمسة من المهنية والاحترافية على المنتوج الصحفي لجريدة حزب هو عضو فيه، وساعيا لان تكون الوجبة اليومية التي تقدمها للقارىء، مطعمة بغير قليل من التوابل ، التي تجعلها شيقة وجذابة، وجاذبة لاهتمامه المغربي .
من هنا نفهم حرصه الشديد  ، على عدم جعل الولاء للخط الحزبي ، مبررا للتفريط في المهنية ، وفي الطابع الاحترافي للممارسة الصحفية ، وهو أمر ظل يتمسك به ويراه ضروريا ، من أجل تقديم منتوج صحفي يستجيب لاهداف المحتوى السياسي بمعناه الحزبي، وفي ذات الوقت ، يفي بمتطلبات الأداء الصحفي ، المستند إلى القواعد المهنية الصارمة.
وشخصيا ، أرى أن إصرار محمد البريني على الوفاء لهذه المعادلة الصعبة ، هو أحد مميزات شخصيته المهنية وهويته الفكرية، وهو ما يفسر ماحققه من نجاحات  ، كصحفي وكمسؤول عن جريدة يومية وازنة . كما يفسر   أيضا ما عاشه الرجل من صعوبات ، انتهت بشكل تراجيدي في المرحلة الاولى من مساره الصحفي الحافل، حين اضطر إلى مغادرة جريدة حزبه  »  الاتحاد الاشتراكي »  ، بعد أن أدارها لمدة إثني عشر سنة، قادما إليها من صنوتها صحيفة « Libération ب »،وبوأها المرتبة الاولى في الانتشار والمبيعات ، وصنع رفقة طاقمه التحريري المقتدر  ، زمنها الذهبي بدون منازع .

■ الصورة الثانية : من ليبراسيون إلى الاتحاد الاشتراكي :

بدأت أسمع عن محمد البريني في وقت مبكر، وأنا ابن السابعة عشرة من عمري .
كان ذلك في العام 1976 ، حين بدأت أنشر نصوصي الشعرية الاولى في يومية    » المحرر  » ، بعد أن كنت قد نشرت أولى
محاولاتي الشعرية المبكرة في جريدة  » العلم « .
وأذكر أنني واظبت أيضا بحماس، وأنا دون سن العشرين ، على نشر مقالات ثقافية انطباعية ، وتغطيات موسعة لندوات أدبية وفكرية وسياسية، وذلك على أعمدة جريدة  « المحرر » ، التي كان الاستاذ محمد اليازغي قد أصبح مديرا لها، خلفا لمؤسسها الشهيد عمر بنجلون . وواصلت ذلك حتى عام 1981، قبل انتقالي للكتابة بانتظام،  في صحيفة « العلم » وملحقها الثقافي ، باحتضان كريم من الكاتب الالمعي المرحوم عبدالجبار السحيمي .
وقتها كان محمد البريني مسؤولا عن التحرير في جريدة « Libération » ، التي كانت تصدر بالفرنسية ، وتوجد مكاتبها في نفس البناية مع جريدة « المحرر » ، بزنقة « الجندي روش » في الدارالبيضاء .
كانت  » ليبراسيون »  امتدادا لشقيقتها الكبرى  » المحرر » ، وصوتا لحزب الاتحاد الاشتراكي باللغة الفرنسية . وفي هذه المرحلة ، كان صدورها يتم أسبوعيا ، قبل أن تصبح صحيفة يومية.

كان لمحمد البريني دور محوري ومركزي في Libération ، ومنذ ذلك الحين ، وما سيتلوه من حقب ، لم يكن يصلنا عن الرجل ، سوى كلام عن هيامه بالعمل دون كلل ، كأنه منذور للتضحية والإيثار .
بعدها ،  بدأت صورته تترسخ في أذهاننا ، باعتباره رجل الظل الذي يصنع في صمت ، ما يخرج إلى الاضواء .
وستكتمل هذه الصورة وتزداد وضوحا ولمعانا ، حين عين في مطلع الثمانينات ، بقرار من الزعيم المرحوم عبد الرحيم بوعبيد ، مديرا ليومية « الاتحاد الاشتراكي »، بعد إيقاف جريدة
« المحرر » عن الصدور ، جراء تصاعد التوتر السياسي بين الحزب والسلطات .

وطيلة فترة إشرافه على الجريدة الجديدة، تحقق لها نجاح مبهر ، وبكيفية غير مسبوقة ، حيث بلغت قمة انتشارها ، وتبوأت موقع الريادة في قائمة اليوميات المغربية ، سواء منها الصادرة بالعربية أوالفرنسية
واستمرت لسنوات،  تستأثر بالمرتبة الاولى ، من حيث حجم التوزيع ونسبة المبيعات، بفعل التوليفة التي اهتدى إليها محمد البريني بذكائه المهني ، ساعيا إلى الموازنة بين متطلبات الانضباط للخط السياسي للجريدة باعتبارها منبرا للحزب ، وبين شروط المهنية والاستقلالية التحريرية التي كان يدافع عنها ، ومعها الطريقة التي يراها أنسب ، من أجل تصريف الخط السياسي المذكور.
وهو هنا ، كان يصنع تميزه وتفرده بشجاعة ومسؤولية، رغم ما كان يحدث له بسبب ذلك، من متاعب وإكراهات واحتكاكات ، انتهت بالاستغناء عنه من إدارة الجريدة ، في منتصف التسعينات ، وهو حدث شكل ذروة العواصف التي جابهها، وتركت جرحا عميقا في نفسيته، كما شرح ذلك بتفصيل في كتابه  » الكهف والرقيم « ، حيث روى قصة تجربته الطويلة في صحيفة حزبه ، وكشف من وجهة نظره ، الظروف والخلفيات والسياقات التي أحاطت بمغادرته لها.

الصورة الثالثة : العبور في الازمنة الملتهبة :

باستحضار تفاصيل ذلك العبور الطويل لمحمد البريني، في أزمنة الصحافة الحزبية الملتهبة والمعقدة، أستطيع القول بأن الحديث عن تجربة هذا الرجل ، هو بالضرورة حديث تراجيدي ، وبالمعنى الاوسع ، هو خوض في المصير التراجيدي للمثقف الحزبي ، الذي غالبا ما ينتهي إلى نهايات حزينة ، وشبيهة أحيانا بالمأساة ، وأنا هنا أعني المثقف الحزبي المقتدر ،  الذي يصر على عدم التنازل عن أسلوبه في ممارسة قناعاته الحزبية ، وفي الدفاع عن استقلاليته وقيمه المهنية وشرفه الشخصي ، دون أن يكون ذلك تمردا على الخط المذهبي ، أو انزياحا متعمدا عن مقومات الخط السياسي ، الذي تعتمده المؤسسات الحزبية المقررة والمسؤولة.

ورغم أن البريني كان يعي جيدا، ما قد تثيره مواقفه المهنية، من صعوبات ومتاعب وتوترات مع أكثر من طرف ، إلا أنه كان يصر على ما يرى أنه عين الصواب، من زاوية النظر المهني الصرف ، دون أن يعني هذا أنه لم يكن إنسانيا توافقيا ، يبتدع الحلول لكل حالة ، لاسيما عندما يصطدم الاعتبار الحزبي بالمقتضى المهني ، أثناء الممارسة الصحفية ، وما أكثر ما كان يجد من مسالك وطرق ، لتصريف مواقف دقيقة في لحظات حرجة ، اجتازتها مسيرة السياسة في المغرب ، ذلك أن كل جريدة حزبية ، وبحكم طبيعتها وتعدد المتدخلين في عملها ، تكون مثل محطة القطار ، كل واحد يريد أن يعبر منها إلى وجهته وغايته ، ويستعمل لسانها بما يناسبه ويرضيه ،  سواء في التموقع ضمن حركية التدافع الجاري باستمرار داخل البيت الحزبي ، أو في توجيه الرسائل إلى هذه الجهة أو تلك.
ويزداد الامر حساسية في جريدة مملوكة لحزب، كان يمارس معارضة شرسة ، وعلى الجريدة أن تكون واجهته الرئيسية، لتصريف الرسائل السياسية الصاخبة.
في لهيب تلك النيران المشتعلة إذن ، عاش محمد البريني فصولا طويلة من تجربته الصحفية ، بين مد وجزر ، وخبر أطوارا وأنواعا من المناوشات والحروب
الصغيرة والكبيرة ، المستترة والمعلنة ، تماما كما عاش أجواء الفرح والاحتفاء بالنجاحات المهنية التي حققها ، ومعه طاقمه الصحفي المتميز،الذي ضم أسماء لامعة في العمل الصحفي والكتابة الادبية، وهو الذي كان يؤمن بعمل الفريق المتكامل ، ولا يتحمس أبدا للعمل الفردي المنعزل.

الصورة الرابعة :
الاباء والتواضع وعزة النفس :

ينضاف إلى هذا التوصيف لشخصية محمد البريني،  خاصية إنسانية ميزت طبعه ، وهي صفة الاباء والتواضع وعزة النفس ، تشربها منذ التنشئة المبكرة في ربوع منطقة زاكورة ، حيث سلم القيم مرتفع جدا ، كما يعد اعتداد الفرد بكرامته ، من ثوابث سلوك الانسان الصحراوي .
ومن يعرفون البريني عن قرب ، أو تتبعوا سيرته وأخباره ، من الذين عملوا أو تعاملوا معه ، يذكرون صلابته في الاضطلاع بمسؤولياته ، واستعداده للتضحية، واتصافه بخصلة الإيثار ونكران الذات  ، مع ميل إلى البساطة في السلوك والعيش واللباس .
ليس ثمة من شيىء ، يعلو عنده على ثقافة العمل ، والقيام بالواجب ، والوفاء بمتطلباته، في نفور شديد من كل مظاهر النجومية ،  التي عادة ما تنتقل عدواها ، إلى كل من يسطع نجمه في سماء الصحافة .
وهذا مايفسر أن البريني ، لم يكن يحجز لنفسه حيزا صغيرا أو كبيرا، في مساحة الجريدة التي يشرف عليها .
وكان قليلا ما يوقع ما يكتب ، لان شعوره كمسؤول أول عن الجريدة التي يديرها ، كان يؤثر في سلوكه وتصرفاته ، وبات همه اليومي في تأمين الإصدار الجيد للجريدة ، سابقا على أي اعتبار آخر .
وسنرى محمد البريني ، وهو يتحرر قليلا من عمل الظل ، بعد أن غادر جريدة « الاتحاد الاشتراكي  » ، وقاد مبادرة إنشاء جريدة  « الاحداث المغربية  » ، كمشروع حر ومتحرر من ضغوطات وإكراهات الصحافة الحزبية ، فأصبحنا نقرأ افتتاحياته في الصفحة الاولى موقعة باسمه ، وكان حريصا على ألا يكتبها سوى في لحظات سياسية مفصلية ، تتعلق بالوضع السياسي العام في البلاد ، أو بقضية الوحدة الترابية للمغرب،التي كان يتناولها ويحللها بأسلوب ومضمون ، على درجة من التميز  .
وهنا لا بد أن أفتح قوسا لاقول ، بأن هذا الصحراوي الأصيل  ، هو من أكثر الصحفيين في المغرب ، التحاما بملف قضية الصحراء المغربية ، والوحدة الترابية للمملكة  ، ومن أكثرهم صرامة في الدفاع عنها ، وعدم التفريط في أية جزئية
من الجزئيات المؤكدة والمثبّتة لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ، بحيث لا يعادل إيمانه العميق بمغربية الصحراء ، إلا تشبثه بقيم العدل والحريّة والفكر الديمقراطي ، ودفاعه الثابت عنها في كل مواقفه.

الصورة الخامسة :  سيرة بين الصحافة والأدب .

ولا يكتمل الحديث عن محمد البريني ، إلا بالتوقف عند صوررته كمثقف ذي قبعتين ، واحدة تضعه في طليعة النخبة الفاعلة بقوة في مسار الحركة الصحفية المغربية ، منذ مطلع سبعينات القرن الماضي ، صعودا نحو العقد الاول والثاني من القرن الواحد والعشرين ، فيما القبعة الثانية تعطيه حق الانتساب إلى المجال الأدبي ، وتحديدا إلى حقل الكتابة السردية بالفرنسية، حيث تحفظ له الخزانة المغربية ، إصداره لمجموعتين قصصيتين هما :  » سلاسل الماضي »    Les chaînes du passe  ، ثم « اللسان المقطوع « la langue coupée ، قبل أن يستتبعهما بروايته الوحيدة « المحاكمة  » .

ولايعكس ميله الى الكتابة القصصية باللغة الفرنسية ،  تفضيلا لها على اللغة العربية التي يكتب بها أيضا ، وإنما هو راجع أساسا إلى طبيعة تكوينه العالي ، حيث تخرج في شعبة اللغة الفرنسية وآدابها ،  من المركز الجهوي لتكوين الأساتذة ، لكن هذا لم يجعل منه أبدا ، صوتا محسوبا على التيار الفرنكفوني ، في الساحة الإعلامية والثقافية بالمغرب ،
وفِي ظني ، أنه لولا انشغاله الكلي بالصحافة التي ابتلعته مبكرا ، لكان قد تقدم في مساره الادبي ، ولتوالت إصداراته في مجال الكتابة القصصية والرواءية ، سواء بتعبيرها العربي أو الفرنسي . وليس ذلك غريبا على هذا الصحراوي، سليل بلدة زاكورة ، وهي الفضاء الذي يوفر أفقا واسعا للتأمل ، يسمح بتحرك الخيال ، ويوحي بكثير من الإلهام .

الصورة السادسة : قريبا من البريني .

تحت ضغط ظروف شخصية تحكمت في تحرير شهادتي هذه ، اضطررت إلى القفز على سياقات ومعطيات وأحداث ووقائع ، أحاطت بالتجربة الصحفية للاستاذ محمد البريني وأطرتها ، لذلك سأختم باستعراض بعض الانطباعات عن مرحلة زمنية ، أتيح لي خلالها أن أتعرف على المحتفى به عن قرب ، وأن أنسج معه جوا من المودة وحسن التواصل وتبادل الرأي ، حيث تزامن ذلك مع توقفي عن الاستمرار ، في مشروع دار للنشر كنت أسستها في مراكش، ومعها جريدة سياسة ثقافية أسبوعية ، كانت توزع في عموم جهات المغرب .
وأذكر أنني كنت زرت الاستاذ محمد البريني في مكتبه بالمقر الاول لجريدة  » الاحداث المغربية  » ، في شارع الزرقطوني بالدارالبيضاء  ، وهو في الأسابيع الاولى لإصدارها ، وسلمته جزءا من الارشيف الشخصي الذي كان بحوزتي من الصور الصحفية ، عربون دعم وتعاطف مع تجربته الجديدة٠

ورغم أن هذه المرحلة من حياتي ، جاءت إثر فترة صعبة اجتزتها في مساري المهني ، إلا أنها كانت مفيدة وغنية بالدروس ،  حافلة بصداقات عميقة ، وإن كنت لا أزعم أن صلاتي بالاستاذ محمد البريني ، بلغت حد الصداقة الحميمية ، إلا أنها كانت علاقة مطبوعة بكثير من الود والاحترام ،  والتعاطف والانسجام الفكري ، لاسيما بعد أن تركت منصبي في ديوان وزاري ، والتحقت سنة 1999، للعمل في إدارة الشركة العربية الافريقية للصحافة والنشر والتوزيع ( سبريس ) ، بمبادرة كريمة من رئيسها ومديرها العام الاستاذ محمد برادة ، الذي أوكل إليّ مهمة الإشراف على شؤون مؤسسة « سبريس  » ، في مدينة مراكش والمدن والمراكز الحضرية القريبة منها ، وكان عددها فيما أذكر  ، ثمانية أو يزيد قليلا .
وقد صادف تكليفي بهذه المسؤولية ، وجود جريدة « الاحداث المغربية » في عامها الاول ، أو مطلع عامها الثاني ،  حيث كان المحتفى به قد أشرف على تأسيسها ، مسنودا من شخصيات وازنة كانت تتعاطف معه ، وتثق في كفاءته ونزاهته ، وجمعته بها روابط تجاوزت المستوى الحزبي ، لتتخذ أبعادا إنسانية عميقة . أذكر من هذه الشخصيات :  الكاتب الصحفي والقيادي البارز المرحوم مصطفى القرشاوي ، والكاتب والشاعر الاستاذ عبدالرفيع جواهري ، والمحامي والقيادي والحقوقي البارز الاستاذ محمد كرم ، والكاتب الصحفي عبداللطيف جبرو ، والمهندس الاتحادي يوسف بنجلون ، والأستاذ السبتي ، ورجل الاعمال الاتحادي طارق القباج،  الذي كان وقتها يرأس بلدية أغادير ، وأسماء أخرى شكلت قاءمة المساهمين في رأسمال المقاولة ، التي ستصدر عنها جريدة « الاحداث المغربية  » ، بقيادة محمد البريني .

في هذه الفترة ، وأنا أشرف على إدارة مؤسسة « سبريس  » في مراكش ، توطدت صلتي بالمحتفى به .
وأذكر أنه كان كثير الاتصال بي بكيفية شبه يومية ، ليأخذ مني بنفسه ، مؤشرات حول خريطة التوزيع ونسب المبيعات المسجلة ، في كل المدن والمراكز الحضرية التي كان التوزيع الصحفي فيها ، يتم تحت مسؤوليتي.

وأذكر أن تواضعه الشديد ، كان يدفعه كي يستطلع رأيي في محتوى الجريدة ، مرحبا بأية اقتراحات تبدو لي مفيدة،  لاغناء وتطوير مضمونها.
وعلى الرغم من أن الجريدة كانت ماتزال في بداياتها،  إلا أنها باتت تحقق في كل يوم ، توسعا في الانتشار ، وارتفاعا في المبيعات .
وأتذكر فرحه وارتياحه الكبير ، وأنا أزف إليه يوميا ، حصيلة التصاعد المستمر في أرقام مبيعات صحيفته في مراكش والمدن المجاورة ، وكيف كان يتلقى تلك الأرقام بتأثر شديد ، وهو الذي مازال يحمل في مشاعره، آثار الجرح المعنوي الناتج عن مغادرته الاضطرارية لجريدة حزبه، بكيفية لم يقو على تحملها.
وحين غادرت مؤسسة « سبريس »،لأبدأ مسارا آخر، كمكلف بالإعلام والاتصال في عدد من الدواوين الوزارية ، بقي التواصل قائما بيننا ، وساهمت بكتابة بعض المواد في جريدة « الاحداث المغربية » ، كنت أفضل أن تنشر باسم مستعار ، ووافق هو على ذلك .
وبعد أن تشرفت بتعييني من طرف جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، مديرا للاتصال والعلاقات العامة بوزارة الاتصال في فبراير من سنة 2009، لم يخف سروره بهذا التعيين ، وبقي تواصلنا على تلك الحال من المودة والاحترام والتعاطف ، مع تبادل الرأي والمشورة ، في حدود ما كانت تسمح به مهامي وصلاحياتي في الوزارة .

ومازلت أحتفظ عن هذا الرجل ، في ذاكرتي وفِي مشاعري، بالصورة الطيبة التي رسخها بأخلاقه وخصاله ، في قلوب الأصدقاء والزملاء ، ولدى من خبروه عن قرب، صورة إنسان شهم وصادق ومتواضع ، قليل الكلام ، كثير العمل ..
ورغم شجاعته ، وصبره على المحن والشدائد ، إلا أن بداخله إنسانا يتأثر كثيرا ، وقد يبكي بعفوية وتلقاءية ، وهو يحكي عن مظلمة أوغدر أو خذلان .
وقد روى بنفسه ما جرى ، وكيف جرى .
وإني أحييه وأكبر فيه ، ما أعطى وما بذل من أجل مهنة الصحافة في وطنه ، رغم ما قد يكون هناك من رأي أو نظر أو نقد ، بشأن بعض اجتهاداته الصحفية .
و له اليوم أن يهنأ ويسعد بهذا التكريم ، من مؤسسة ثقافية كبيرة ووازنة  ، راسخة البنيان ، ومشعة المنار ، اسمها  » موسم أصيلة الثقافي  » ، برعاية وعناية من مؤسسها ورئيسها ، معالي الاستاذ محمد بن عيسى، الذي سيظل عمله ومنجزه الريادي ، مخلدا في الذاكرة الثقافية ،مغربيا وعربيا وعالميا ، لما أسداه ومازال يسديه للثقافة وأهلها، من جليل الاعمال.

2 commentaires sur “ذ عبد الإله التهاني يكتب، صحراوي في الدارالبيضاء :   ذكريات عن رجل إسمه محمد البريني …

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

اخر الأخبار :