الحاشية أهلُ الرجل وخاصّتُه وناحيتُه وظلُّه وبطانته”
1913 مشاهدة
بقلم ذ.العبدوني خياري محمد
الحاشية هي الفئة التي تحيط بالمسؤول وتساهم في توجيه قراراته ، لكن في عُرف العمل الإداري فإن الحاشية تأخذ مسميات وأوصاف أخرى كالمستشارين والمساعدين أو الفريق. انها “أهلُ الرجل وخاصّتُه وناحيتُه وظلُّه”. والرجل معروف، فهو الوزير أو الرئيس أو المدير او السيّد، أو مَن شابَهَ هؤلاء. لكن مَن هم الأهل؟ ومَن هم “الخاصة”؟ و”الناحية”؟ و”الظلّ”، ّ… في هذه المعادلة؟ المعلومون وغير المعلومين، المنظورون وغير المنظورين؟
للحاشية في “لسان العرب” تفسيراتٌ جمّة، من مثل: جانب الثوب. فماذا يعني “جانب الثوب” في هذه التسوية ، وماذا تعني الحشوة التي فيه؟ هل ستكون هذه الحشوة منتفخةً ومنفوخة، أم ستكون رقيقةً وخاليةً من العيوب ؟! و من المهمّ أيضا، أن نتعرّف إلى “الظلّ”. هل هو ظلّ الرجل، أي خياله، أم هو بديله؟ وأيّ دورٍ له؟ هذا “الظل” العظيم الذي سيكبر، مَن سيحجّمه في هذه المعمعة الرخيصة، ويعيده إلى قياسه الطبيعي؟وهل هو واجهة لجماعة ما يخدم مصالحها ويجمع لها تمويلاتها ضد مصلحة الوطن. فهذا المحيط هم ما يطلق عليهم البطانة، مثل المستشارين والنواب والمكلفين بمهمة والمديرين العامين وأشباه الصحفيين وأشباه النقابيين والأصدقاء من خارج المنشأة ، وحتى القهوجي الذي يقدم الشاي والقهوة والبخور، وأيضا الاجهزة الامنية التي من المفروض تقديم تقاريرها حول فساد المسؤول عوض التستر لحاجة في نفس المعني بالامرلقضاء مصالحه الشخصية. كل هؤلاء على تواصل مستمر مع المسؤول، ويدخلون عليه بخلوته ويطلعهم على أسراره وتوجهاته، فإمّا أن يكونوا بطانة صالحة تسعى إلى أن يقدموا له النصح والمشورة التي تراعي المصلحة العامة ، أو بطانة فاسدة تراعي مصالحها الخاصة والمنفعة الشخصية .
نستحضر صور الحاشية في دواوين الوزراء والرؤساء والمسؤولين، فلا نعثر إلاّ على وثائق الصفقات والخيانات والدسائس والانتقامات والسرقات وعمليات النهب المنظّمة، وحكايات الفضائح. ونسوق على سبيل الاستئناس أغنية النحلة شامة لناس الغيوان حيث تتطرق لهذا المفهوم بطريقة شعبية (في سنة 1985 اقترح الملك الراحل الحسن الثاني على مجموعة ناس الغيوان تأدية قطعة النحلة شامة و هي قصيدة زجلية من فن الملحون، وهي قصيدة قديمة تحكي قصة حوار بسيط و سطحي بين سلطان وملكة النحل وسأسوق لكم منها مقطعا واحدا: كلت ليها سباب طاعة جنودك–لا حيلة لاغش لا منكارا–كالت ما عندي وزير طماع يداري–أهل المال لو كانون كفارا–السلطان الطبيب و الراعي مضرور–ولا وزير يبلغ لخبارا.). وما دمنا في الافتراض، فسنطلب من “الرجل” الذي في القاموس، أن “يحجّم” “أهله وخاصّته وناحيته وظلّه”، أي أن يعيدهم إلى أحجامهم الطبيعية، ويرفع الحدّ بينه وبينهم، ويبقيهم عند هذا الحد (وهنا نتذكرقصة الضفدعة والبقرة للافونتين !)ّ. أما الرئيس العتيد فسنخاطبه بهذا الخطاب، من أوّل الطريق،لامن آخره: إيّاك والحاشية، ظاهرها وباطنها.
هناك مسؤول فاسد ليس بسبب حاشيته، ولكنه فاسد بطبعه، وقد جاء إلى سدة المسؤولية بنية فساد مبيتة!! و في نهاية المطاف سيتسلل الفاسد خفية من مكتبه ويغادر بدون وداع، لتلحقه أوراق أسراره الخاصة، بعد أن جمعت بليل مظلم من مكتبه، ووضعت عليها بقايا هداياه و”ميدالياته” الكاذبة ونضاله الزائف، بعد أن أسدل الستار على مرحلة مريرة من تاريخ المسؤول الفاسد وحاشيته المعينة. إذا كان المسؤول يريد أن يذكره التاريخ بالخير والاحترام والتقدير… لا أن يرميه بحجارةٍ من سجّيل، وان يترك بصمته الايجابية لا ان يمر باهثا شاحبا. لكن حربائية بعضهم قد تدفعهم لكي يضحوا ببعض حاشيتهم إن انكشفت سوأتهم وبان عوارهم، فيلصقون التهم بمكتبهم، لكي ينجوا بأنفسهم من الملاحقة والمتابعة والتحقيق إن كان ثمة ملاحقة وتحقيق! وليظهروا بصورة الملاك الطاهر، الوطني والمحب للشفافية إلى حين ثبتت التهم وتضج المنتديات بمفاسدهم وتجاوزاتهم الإدارية والمالية ومظالمهم لفريق من موظفيهم المستحقين لمصلحة آخرين من المقربين إليهم ، ويصدر قرار بإزاحة المسؤول بعد أن تكون عجلة الإنتاج والعمل توشك على التوقف. ان بعض المسؤولين الفاسدين حين وصولهم إلى مناصبهم يبدؤون في التخلص من الصالحين والعاملين بإخلاص، ومن يعتقدون أنهم سيقفون أمام مشروعاتهم وخططهم وأفكارهم البائسة. فقد تتحول المنشاة في عهد هذا الفاسد إلى مؤسسة عائلية خاصة، ليس بتأثير الحاشية فقط، بل من صنيع المسؤول الفاسد نفسه، فالمسؤول الصالح أو الطالح هو الذي يصنع حاشيته.
تتأثر قرارات ومواقف بعض المسؤولين بحاشيتهم. فهويُصر أن يكون الرأي منهم والقرار لهم،فهم يقدمون «الطُعم» إلى «المسؤول الجاهل» من أجل السيطرة على قراره و من أجل تمرير مصالحهم الشخصية، عبر تقديم تسهيلات مادية من المال العام، ثم السيطرة على قراراته وتوجيهاته. ان تصنيف الحاشية أو الأعوان لا يخرج عن أمرين وهما؛ “مفسدين” و”متقين”، وقد يصدر من المفسدين أعمال هدّامة، وقد يُشكلون طبقة سميكة تمنع الرأي الآخر من الوصول إليه، أو ينقلون كثيراً من الوقائع نقلاً قد يخالف الحقيقة، مما يعزل المسؤول عن واقعه، لتحقيق مصالحهم المتعددة.وهنا اتذكر واقعة مسؤول بمدينة مراكش بعد اقالته حيث صرح -j’étais mal entouré – أي أنه كان محاطا بطريقة سيئة لكن بعد فوات الأوان، وكانت قد كلفته منصبه. وهكذا تعمل تلك المجموعة الفاسدة على تقديم “طُعم” للمسؤول عند تعيينه أو تكليفه ، كأن تقدم له تسهيلات مالية من المال العام، فشخصية المسؤول هي التي تحدد نوعية البطانة؛ إما أن تكون صالحة أو فاسدة، فكلما كان المسؤول ذا شخصية قوية ومدركة، فلا أحد يتمكن من السيطرة عليه أو الإيقاع به في “دهاليز” الفساد، حيث يكون قادراً على التمييز بين الشخص الناصح الأمين والمنتفع الأناني، ويكون من الصعب التأثير عليه من أي كان، فذلك يكون أساس نجاحهه . وقد ورد في الحديث الشريف عن “أبي سعيد الخدري” رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلاّ كانت له بطانتان؛ بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى” -البخاري (ح 7198)
فخطورة تأثير الحاشية تكمن في حجب المسؤول عن التواصل مع الجمهور ومعرفة الحقائق، وقد تضلله وتدفعه إلى اتخاذ قرارات تخدم مصالحها الخاصة، وإيجاد بيئة من الفساد. فهذه الفئة تحوز ثقة المسؤول ويقدموا له تقارير غير واقعية، ويصوروا الأمور على أنها على ما يرام ولا توجد مشاكل، مما قد يؤدي إلى إقالة المسؤول أو تغييره، خاصة ً أن التأثير الحاصل من هذه البطانة الفاسدة هو جعل هذا المسؤول يتخبط في قراراته وتوجهاته، ويكون بعيدا كل البعد عن النزاهة والشفافية، وتغيب عنه العدالة والحس بالمسؤولية. فهم يعملون على تقريب من يرون إلى المسؤول وإبعاد من يرون فيه النزاهة والمصداقية، بل ويعملون على تشويه سمعته وتصيّد الأخطاء الصغيرة وتضخيمها، ليؤكدوا أن هذا الفرد أو ذاك لديه مشاكل وليس جديراً بتكليفه بمهام إضافية وتقريبه. ان بعض المسؤولين قد يستقطب أسماء ليس لهم في التخصص عير ولا نفير، بل إنه يأتي بأحدهم ويمنحه الخيط والمخيط ليدير الادارة على هواه، بحيث تتحول من أداة بث وعي إلى صرافة أو رقم حساب في البنك، وياتي بالثاني عديم الخبرة «يخبط» و”يلبط” في غير شغله وتخصصه.وهذه من أهم أسباب تخلف وتراجع مستوياتنا ا وانحدارنا وبالتالي احتلالنا وعن جدارة موقع القاع أوما تحته. لهذا وجب علينا تفعيل مبدأ إجبار المسؤول على تقديم استقالته في حالات الفشل وضعف الأداء،حتى نستطيع تدارك أنفسنا وتصحيح مسيرتنا والارتفاع بشأننا .