إسهام الخطاطين في تطوير الخط بمنطقة المغرب العربي
2024 مشاهدة
لقد استغل الخطاطون الأكفاء في الرقعة المغاربية وقتهم في فترات متوالية من الزمن، خاضوا خلالها غمار الإبداع والابتكار والتجديد في كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريطانيا. حيث توسعت قاعدة الخط العربي واتخذت منحى فنيا، وهو ما خدم بشكل جلي مصلحة الخط العربي، وجعل العديد من الخطاطين يمارسون إبداعاتهم وينتجون أعمالا خطية مؤطرة تأطيرا دقيقا حسب كل منطقة من المناطق المغاربية.
وقد عمل هؤلاء – كل من موقعه – على تطوير الأساليب الخطية بنوع من التلاقح ومن خلال التوظيف المحكم للخط العربي مجتهدين في بعث طرق فنية جديدة لتجويد الخط وإنتاجه في حلل فنية اتخذت مناحي جمالية متنوعة حسب توجه كل خطاط، وحسب طريقة الاستعمال، وحسب الموقع الجغرافي، وحسب الاختلاف في الاجتهادات. لكن الأهداف ظلت موحدة في كل الأقطار المغاربية، مما شكل لبنة إضافية متميزة في المشهد الخطي المغاربي، وشكل أيضا مجال سبق في عدد من التقنيات التي وظفها بعض الخطاطين المغاربيين في أعمالهم الخطية. وذلك ناتج عن فطريتهم في التفاعل مع المادة الخطية عموما، ما أسهم في تحقيق أنواع من الجمال في الخط بالمنطقة. وأسهم كذلك في تشكيل مساحة إبداعية غزيرة بالإنتاجات قوامها تكثيف مجال الخط بمجموعة من الجماليات وتوظيف عدد من الخصائص الفنية والتقنيات العالية، ونقل نبض الخطاط المغاربي إلى المشاهد، خاصة وأن عددا كبيرا من رواد الخط بمنطقة المغرب العربي قد جعلوا من التركيب الخطي بعدا فنيا يفتح مضامين النصوص على البصر، لأن تجاربهم قد أسهمت بشكل كبير في لفت النظر إلى المجال الإبداعي المدجج بتقنيات مغايرة للمألوف، وخارجة عن النمط المستهلك، مما جعل القراء ينظرون إلى الخط بالمنطقة المغاربية بشكل مختلف. وأسهمت كذلك في تقوية العلاقة بالخط بشكل واسع في كل الأرجاء المغاربية في نطاق الرؤية البصرية وعملية الاستيعاب بكل ما تحمله الخطابات البصرية وما تحتويه من أشكال خطية، وما تتوفر عليه من دينامية، ومن خطاب فني يؤكد تجليات الخطاب البصري المفعم بالتعابير الجمالية والأفكار الفنية المختلفة التي تضفي معنى جماليا على الخط في عمومه.
إن العمل المشترك في المنظومة الخطية بمنطقة المغرب العربي قد جعل الخطاطين المغاربيين مدركين لجملة من الحقائق التي تخص الخط بهذه المنطقة؛ منها التفاعل مع المادة التراثية العربية الإسلامية، والتجاوب مع الأسس الفنية المحلية الأصيلة، ومنها صياغة وضعية الحروف بالشكل الأمثل الذي يتلاءم مع خصوصيات المنطقة المغاربية، وكيفيات تشكلها، ومنها المحافظة على خصوصيات الوضع والشكل والوسائل، ومنها الحفاظ على أسلوب الكتابة المدورة، ومنها تكثيف العمل مع عمق المادة الخطية، وفق تنظيرات فنية وجمالية، مما كان له أثر بالغ الأهمية على هؤلاء المبدعين وعلى مختلف عمليات تدبير الفضاء الخطي بمنطقة المغرب العربي. بالإضافة إلى انفتاحهم على الجانب العلمي للتعمق أكثر في صلب المادة الخطية وفي خصوصيات الخط برصيده الثقافي والتاريخي، وفي رصيده الجمالي والفني، ما جعلهم يقدمون في كل حين منجزات خطية ذات جماليات فاتنة.
إن مجمل الخطاطين بمنطقة المغرب العربي الأفذاذ قد جعلوا صورة جمالية للخط، وجعلوه تمثيلا لمضامين روحية، وجعلوه كذلك علامة خاصة، تتحكم في التكوين الخطي، ومادة روحية وفنية تعمل وفق الفكر الذي يبرز في مواضيع معينة لبناء صرح جمالي يبين صور الحروف في أشكال مختلفة من الأعمال الخطية على مختلف المواد وبمختلف التقنيات. خاصة لما وجدوا في الحرف أداة للمطاوعة والتشكل. وقد عرفت مختلف الفترات بالمنطقة المغاربية تفاعلا قويا مع المادة الخطية لتنتج تجارب قويمة، انعطفت بأعمال الخطاطين بتنوعها الجمالي نحو الجودة العالية، فطوروا في الجماليات عبر التفنن الشكلي للحروف، واعتماد التدوير كأسّ مركزي في التكوين الخطي بالمنطقة. فأضحى الخط في قطر من أقطار المغرب العربي يعكس شكلا جماليا متفردا، ويعكس الواقع الفني الجمالي بالمنطقة كلها.