واحدة من نساء مراكش « القادات » بطبيعتهن، مقتحمة عقبات العيش بغير تكلف، مناضلة في دروب الحياة بدون تصنع، تشاغب الحياة ومجتمع الذكور دون تأفف، تنتزع يداها كل يوم لقمة كل ما يهمها فيها طابع الحلال من بين أنامل الرجال الذي يحتكرون حرفتها، تمد يديها بصيغة نسائية بين سواعد الرجال تصنع ما يصنعون وتعود بما يعودون.

« بهيجة » ابن مدينة البهجة، حيث المرأة بألف رجل ، والأنوثة مجبولة على الكد والجد، معجونة بماء « المعقول » و »الحداقة »، احترفت بهيجة حرفة تصنيع وصيانة قطع غيار الدراجات التي هي حكر على الرجال، واستطاعت أن تستمر بها خلال عقدين من الزمن وقد وضعت فيها قدما راسخة، حتى عجز عن مجاراتها بعض الرجال الذين دربتهم من ضعاف الهمة، والذين لا يشبهون أخاها الذي كان سببا في دخولها لهذه المهنة ومعلمها الأول والأخير .

رحل أخ بهيجة تاركا وراءه سيدة اختارت اللقمة الشاقة الحلال، في زمن الرخص والاستسهال، ومخلفا خلفه دموعا لم تجف على فراقه أخا ومعلما، وعرق لا ينضب من الجبين ما دام في الروح لهفة العيش الكريم القائم على العطاء قبل الأخذ، والاتكال على الساعد عوض التواكل على الغير، لتستمر بهيجة بمهارة في صنع قطع الغيار، التي يستحيل دونها سير المركبات، وتتمسك بالعمل الشريف وإن كان شاقا كخيار يستحيل دونه استمرار العيش بكرامة في الحياة.