هل غير الزلزال شيئا فينا!!

1719 مشاهدة

هل غير الزلزال شيئا فينا!!

بقلم : إدريس الاندلسي

شهد المغرب ككثير من بلاد العالم كوارث طبيعية كالزلازل والفيضانات والحروب والجائحات الصحية والمجاعات. ورغم هول وآثار هذه الكوارث استمرت الحياة على الأرض. تعاملت الشعوب ونخبها بخطابات متعددة ومختلفة ومتقاطعة مع الكوارث وكانت جل هذه الخطابات محكومة صياغتها بالأديان والايديولوجيات وقليلا من العلوم العقلية. وأستمر الحال على ما هو عليه خلال مراحل تاريخ البشرية الراهن.

كثيرة هي الصور التي غصت بها شبكات التواصل التي رددت خطابات غيبية رددت قبل قرون. مفاد هذه الأخيرة أن الزلزال والفيضان والجفاف وكافة الكوارث هي عقاب إلهي لمن زاغ عن توجيه ديني ولو كان غير متفق عليه. الأمر لا يتعلق بدين دون آخر. استمر الكذب والهراء على الشبكات للمقارنة بين هروب فرقة موسيقية بعد شعور اعضاءها بالزلزال وصمود خطيب في جمع في مسجد بعد الساعة الحادية عشر ليلا. التركيب مضبوط والكلام مسترسل ولو كان كذبا والأهم الآني هو تسجيل نقطة على الثقافة الموسيقية ولو في لحظة حدث جلل وذو آثار اجتماعية وإنسانية رهيبة. لا أظن أن إماما جليلا كان يؤم الصلاة كان سيأمر الناس بالبقاء في مسجد وقت زلزال مدمر.

قال خالقنا عز وجل، وهو من وهبنا الحياة والنعم والهواء وما تنبث الأرض ما مضمونه أن لا يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة. فبذل أن يأمر ذلك الخطيب بالمسجد في تلك الساعة، ولا نعرف إن كان حقا في مسجد، الناس بالخروج والاحتماء من الأذى، قال متعنتا، اجلسوا وانطقوا بالشهادة. هل هذا منطق يمكن أن ننسبه لدين يقدس حماية الأنفس والحياة. الزلزال ليس له ارتباط بالعقاب الإلهي. وماذا يقول هؤلاء عن الضحايا من الأطفال والرضع والقانتات الساجدات والمؤمنين الصابرين عن الظلم الاجتماعي والذاكرين ألله والذاكرات، هل العقاب يشملهم ويشملهن. الزلزال له علماؤه ولكنهم لا يعلمون متى سيقع . له آثاره وهذه يتم التعامل معها بكثير من التدابير في مجالات الإنقاذ وإعادة البناء واتباع مناهج البرمجة العلمية لتدبير الكوارث. الزلزال ليس عقابا وإلا لكان الفقير وساكن القرى الجبلية وسكان الدور الآيلة للسقوط والقاطنين قرب الوديان والبحار ومن يعيش في المناطق البركانية ومن يركبون البحر طلبا للرزق، لكان كل هؤلاء مذنبون عاثوا في الأرض فسادا فتم عقابهم. وماذا عمن يسكنون في البنايات الكبيرة والفخمة وفي القصور والفيلات التي تم بناؤها بتقنيات مضادة للزلازل ويخوتهم البحرية تواجه الإعصار والأمواج العاتية. هل العقاب الإلهي يقتصر على الفقراء. حاشا أن يكون ألله العادل معاقبا للفقراء دون الأغنياء. ولنقرا جيدا ما قاله الله تعالى عن الزلازل. تكلم عن الإنسان في كليته وربط الزلزال بنهاية العالم والحساب ” فمن يعمل مثقال ذرة… إلى آخر الآية “.

ويظل السؤال المتعلق بفعل الزلزال في تغيير طبائع البشر مطروحا. سجل العالم لمواطني المغرب ولأصدقائهم تعلقهم بثقافة التضامن. وهذا يمكن اعتباره، بكثير من التواضع، تحصيل حاصل. تقاسم الأكل وثقافة المواساة والتعبير عن العواطف النبيلة وغيرها من السلوكيات الإنسانية الجميلة ليست غريبة علينا. صحيح أننا تغيرنا، جزئيا، كمغاربة وتنكرنا لبعض العادات كتلك التي كانت تعتبر تشغيل مطبخ بيت يعيش حالة عزاء غير لائق. كانت الصحون الممتلئة بما تيسر من أكل تتقاطر على منزل الأسرة التي فقدت أحد اعضاءها وتعبر بالفعل عن المواساة. يومنا غير هذه العادة وحولها، في كثير من الأحيان، إلى ما يشبه مناسبة يتكلف بها أصحاب مهنة تنظيم الحفلات. وتصبح مناسبة حزينة محط تقييم مجتمعي بئيس عن نوعية الأكل الذي تم تقديمه ومن احيى الحفل من مشاهير قراءة القرآن وممتهني الانشاد الديني.

يجب أن يغير فينا الزلزال كثيرا من الأشياء وعلى رأسها ترسيخ ومأسسة أساليب التضامن ببلادنا. اكتشفنا أن لدينا الآلاف من المتطوعين والجمعيات التي فجرت طاقاتها لكي تقوم بدور وطني وإنساني. أذهلني، كما أذهل العالم أجمع، الإقبال على العطاء من طرف الفقير والغني. وأذهلني جيش بلادي وقوات الوقاية المدنية والدرك والأمن على علو كعبهم المهني والوطني ليرد على كل مشكك في قدرات أبناء ومؤسسات الوطن على مواجهة الأزمات. افرحني كثيرا كيف واجه القضاء والأمن من حاولوا أن يتاجروا بالزلزال ومن يمتهنون التسول والجريمة في خضم مواجهة مأساة إنسانية. تجار الأزمات يجب أن ينالوا الجزاء. ولنا في تدبير جائحة كورونا خير مثال.

غدا تبدأ مرحلة إعادة البناء والتأهيل وهنا يجب أن لا نتعامل مع هذا الورش الاستثنائي بالوسائل والسلوكات القديمة. نعرف ما يشوب نظام تدبير الصفقات العمومية ببلادنا وما هي نتائجه على جودة الإنجاز. مثال الغش الذي شاب إصلاح مدخل مقبرة الملوك السعديين بمراكش يجب أن يتم التعامل معه بكثير من الجدية في المحاسبة وقمع الغش بشدة. وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالعمل بجد في إعادة البناء واحترام كل ما يتعلق بتاريخ المنطقة المنكوبة ومعمارها وتقاليدها، ولذلك وجب على الإدارات ذات الاختصاص أن تعلم أن المواطنين وملكهم يعطون للمحاسبة أهمية مركزية.

نعم يجب أن يغير الزلزال مؤسساتنا الترابية وأن يكون مناسبة لكي يبتعد الكثير من المنتخبين، الممتهنين للسياسة التجارية ذات الأرباح الكبيرة، عن التدبير الترابي وكذلك رجال السلطة المتهاونين في تدبير ملف التعمير. ارتدادات الزلزال يجب أن يشعر بها كل مسؤول حكومي أو قضائي أو أمني أو منتخب كيفما كانت درجته. الارتدادات يجب أن تطيح برؤوس الفساد وليس بحائط ينهى حياة أسرة في جبل لم تصله طريق ولا ماء ولا كهرباء ولا مستشفى رغم ما تم تخصيصه من ميزانيات ضخمة منذ سنوات طويلة. إن لم يغيرنا الزلزال فلن نتغير أبدأ.

اخر الأخبار :