مظاهر فن العيش المغربي من خلال التأثير العبري
2758 مشاهدة
المغرب أيقونة لحوار الثقافات سلسلة يقدمها الزميل عبد الواحد الطالبي على حلقات يتناول في محطاتها الاولى موضوع : مظاهر فن العيش المغربي من خلال التأثير العبري
اليهود المغاربة في صميم الحضارة المغربية التي ميزت الشعب المغربي عن بقية الشعوب العربية
لم يستطع أي رافد من روافد الثقافة المغربية أن يؤثر في حضارة الشعب المغربي قدر تأثير الثقافة العبرية التي بصمت بقوة على كثير من مظاهر حياة الشعب المغربي وفنون عيشه قبل اتساع مساحة المثاقفة وهيمنة الحضارة الغربية.
كان للمغرب اتصال قديم بأقوام وشعوب وحضارات، بل سادت فيه منذ الأزل ديانات ومعتقدات وما يزال وفيا لتاريخه في القبول بالآخر وبالتعايش مع ثقافاته، متفاعلا ومنفعلا يؤهله في ذلك موقعه الجغرافي والصهرة الاثنية لشعبه.
غير أن الوجود اليهودي في المغرب مكن الهوية المغربية من مقومات أوسع في الثقافتين الأندلسية والمتوسطية إن في الفن أو الصناعات الحرفية والمعمار أو اللباس والمطبخ، أو في بعض العادات والطقوس التعبدية والاحتفالية وفي التجارة والبيع.
ووجد اليهود سواء الذين أدركهم الاسلام في المغرب أو الذين هاجروا اليه الهجرات المتتالية بعد سقوط الاندلس ثم خلال محنتهم مع النازية، ما استشعروا به الطمأنينة ليتخلصوا من وزر سنين العبور ويحطوا الرحال بما حملوا.
حمولة اليهود ما كانت ثقافة عبرية خالصة ولكنها، كانت مزيجا من ثقافات عدة صقلها اليهود بمهارة وحذق ليتعيشوا من ممارسة بعض فنونها وصنائعها في بلدان الاستقبال ومنها المغرب الذي شجع لدى اليهود المغاربة روح الابداع والابتكار والعمل والتفاعل أيضا، بقيم التعايش والتسامح التي بلغت أحيانا درجة الانصهار.
انصهرت الثقافة العبرية في الثقافة المغربية تلقائيا كما انصهر يهود ومسلمون في علاقات أسرية بالتزاوج والمصاهرة وإثر ذلك ارتد كثير من اليهود عن ملة موسى وكاد يُظَنُّ كثير من المسلمين للمخالطة والمعاشرة في (الملاح) أنهم يهود.
بدا تأثير الثقافة العبرية وبصمةُ اليهود المغاربة واضحا وقويا في عدد من مناحي الحياة التي ميزت الشعب المغربي في ثقافته وحضارته عن شعوب الجوار قليلا في الجزائر وتونس وببوْنٍ شاسع عن شعوب البلاد العربية من ليبيا الى الخليج.
المغاربة يلبسون بتنوع وتعدد ويأكلون بغنى وثراء، ويؤثتون بأناقة ورقي ويسكنون الرياض والقصور ويَشْدون بميازين الطبوع والصنائع طول أوقات الليل والنهار، يستمتعون في كل ذلك بفن العيش لأنهم ورثوا حضارة غرناطة ودمشق وبغداد وشرق المتوسط وصقلية ولأنهم حضنوا اليهود عندما نبذهم كل العالم.
المغرب أيقونة لحوار الثقافات، حضن كبير وزخم وفير لمظاهر ثقافية متعايشة ومتحدة ومنصهرة في وحدة حضارية أصبحت بلا لون أوجنس، غير أنها وفية لأصولها كما أقرها الدستور عربية اسلامية أمازيغية صحراوية حسانية إفريقية أندلسية عبرية متوسطية.
ويتجلى هذا التنوع والغنى الثقافي للحضارة المغربية في عدة مظاهر من فن العيش والطقوس والعادات وتقاليد الناس من خلال التأثير العبري لليهود المغاربة.
ومن خلال ذاكرة الناس والأشياء يبرز ثراء الثقافة المغربية في اللباس والمطبخ والصياغة والحلي والعادات والتقاليد وطقوس التعبد والتقرب والغناء والموسيقى، وفي الاحتفالات والمآثم والصنائع والحرف وفي السياسة والحكم… ما كان لليهود المغاربة فيه حضور وكان ذا اثر للفخار يُذكر.
يتبع …