لآلئ مراكشية في اليوم العالمي للمسرح
2610 مشاهدة
في 27 مارس من كل عام يحتفل المسرحيون ومعهم أصدقاؤهم في جميع أنحاء العالم بيوم المسرح العالمي ،ويتبادلون بهذه المناسبة التهاني سواء في قاعات المسرح وعلى خشبة وعبر وسائل التواصل الإجتماعي ويعبرون عن خواطرهم وتطلعاتهم إلى الإرتقاء بفن المسرح بوصفه واحدا من أعرق الفنون وأعظمها وأهم جزر المصداقية الإنسانية حيت يبعد جانبا كل شيء يفرق بين البشر،كما أنه يدعم كل ما هو مشترك بين الناس وكشف عن القلب الذي يشتركون فيه مما يجعله أفضل وسيط للسلام كما يقول المخرج الفرنسي جان لوي بارو .وهو المكان الذي يتأمل فيه الإنسان شرطه التاريخي و الوجودي معا كما يقول سعد الله ونوس . ويبقى 27 مارس يوما تاريخيا للمسرحين، ففيه تقام العديد من الفعاليات والاحتفالات لاستعراض واقع وتاريخ ودور أبو الفنون. ويعود الاحتفال بهذا اليوم للمرة الأولى في 27 مارس 1961 أثناء المؤتمر العالمي التاسع للمعهد الدولي للمسرح بمدينة فيينا وذلك باقتراح من رئيس المعهد آنذاك حيت كلف « المركزالفلندي » التابع للمعهد في العام الذي تلاه 1962 بتحديد يوما عالميا للمسرح أي يوم 27 مارس من كل عام.على أن تكون الأهداف المتوخاة من هذه الاحتفالية هو تعزيز هذا الشكل الفني في جميع أنحاء العالم .وزيادة الوعي بأهمية هذا الفن ،ودفع قادة الرأي إلى إدراك قيمته الفنية والجمالية وتقوية فكرة الاستمتاع بهذا الفن كهدف في حد ذاته. وبما أن المسرح ظل ملازما للإنسان واحتل مرتبة مهمة في حياة الشعوب على مر العصورو الأزمنة وعلى مسار كل الحضارات ،بهذه القناعة سوف لن نخوض في هذه البديهة ولا شرح أهدافه ولا تعدد أنواعه ولا حتى في تصنيف مدارسه على اختلاف اتجاهاتها وفلسفتها وألوانها بقدر ما نلامس مقاربة تسليط الضوء على أحدى الأجيال التي تأثرت بشكل كبير بهذا الفن الرفيع وأخذوا على عاتقهم رسالة المسرح بالتأثر والتأثير في مجال كان خصبا لإنتاج وإعادة الإنتاج مثل هذه الأصناف من المسرحيين وأقصد هنا بالمجال مدينة مراكش التي خلفت أجيالا كثيرة من رجالات المسرح من ممثلين و مخرجين وكتاب منذ خمسينات القرن الماضي أثروا الخزانة الأدبية المسرحية بغزارة إنتاجاتهم المسرحية من أمثال : عبد الواحد حسنين وعبد الجابر لوزير ومحمد بلقاس وعبد الله العمراني ومحمد حسن الجندي وفضيلة بنموسى وعبد الله فركوس وكبور الركيك وعبد الهادي ليتيم وأمينة أرشيش والمهدي الأزدي ومحمد شحيمة ومصطفى تاه تاه واللائحة طويلة من عمالقة المسرح . أما على صعيد الكتابة والإخراج فقد برز بشكل كبير الأب الروحي للمسرحيين مولاي عبد الواحد حسنين وعبد السلام الشرايبي وإبراهيم الهنائي مولاي الغالي الصقلي وعبد الهادي توهراش وعبد الله المصباحي و محمد شهرمان و عبد اللطيف الدشراوي ….وغيرهم من الكتاب والمخرجين والنقاد المسرحيين الذين بصموا على أعمال خالدة وستبقى عالقة في الذاكرة المغربية حيت لامست قلوب الجماهير وشاركتهم همومهم وأفراحهم ومعاناتهم وآمالهم وتطلعاتهم نحو الأفضل من خلال مسرحيات من قبيل « سيدي قدور العلمي » ومسرحية « عندي عندك » ومسرحية « مكسور الجناح » ومسرحية « عطيل بين الحلقة ولوطيل « ومسرحية » اللي عرفك ماخسرك » ومسرحية » الدار الكبيرة » والعديد من الأعمال الأخرى… وسط هذا الزخم الهائل والكبير من الأعمال ورموزها المقتدرين والتمازج الإنساني بحمولته الثقافية والفكرية التي حملها عباقرة الفن المسرحي المراكشي على عاتقهم طيلة عقود مضت وطال إشعاعهم الفني إلى خارج حدود الوطن ، خلال هذا الأوج الفني الزاهر برز جيل آخرفي أحد الأحياء الشعبية لمراكش واكب أيضا هذه الثورة الفنية بعدما أخد على عاتقه حمل هذا المشعل المتقد بلهيب العطاء والتضحية بعد تأثره الكبير بسلفه الذي ترك رصيدا هاما من الأعمال الفنية ، جعل منها أرضيته ومنطلقه التي اشتغل عليها وصقل مواهبه من خلالها . برز هذا الجيل على يد أحد قيدومي المسرح المراكشي حين التحاقه بحي كاسطور (الحي الحسني حاليا ) بمراكش ،هناك زرع أولى البذور المسرحية التي تفرع عنها الكثير من الأسماء من داخل الحي التي تأثرت بهذا الرجل تأثرها بالمسرح كهوية وكعمل فني له قدسيته وخصوصيته .وبعد رحيل هذا الرجل سطع نجم ثلة مهمة من أمثال مولاي عبد الواحد البشاري وإبراهيم الهنائي والمهدي حلباس و رشيد الشالي ومحمد مونين وحسن تايزوكت ومنير عبد القادر ونجيب عبد اللطيف وعبد الصادق التمار وجمال الكرمالي محمد بن حدادي وسعيد أبو خالد وأمينة طربيش وسعيدة اللغلاغ ونورة الطرومبالي ونزهة التمار وسميرة البشاري و ثريا الحرش وحسن مروي و نور الدين بن خديجة ومحمد العلالي وأبو جمال الحجاب وياسين عدنان ومصطفى الفاز، واللائحة طويلة لباقي أسماء الممثلين الذين تفانوا في العمل المسرحي و توجوا ونالوا جوائز مهمة في مهرجانات كبيرة وقد توزع هؤلاء الرواد المسرحيين بحي كاسطور على عدة أطياف كان أولها جمعية الأطلس للمسرح وهي النواة الأولى التي أسسها مولاي عبد الواحد حسنين ثم جمعية نادي الهواة للفن والتفافة التي تعد بمثابة الانطلاقة الرسمية للمسرح بذات الحي وترعرع فيها معظم هؤلاء الرواد وجمعية الحي المسرحي وجمعية الحياة المسرحية دون أن ننسى تجربة المسرح الجامعي الذي أتبث حضور شباب جامعي مسرحي واع ومشبع بفلسفة الحراك المسرحي ومدرك لما يحدث حوله من أحداث عربية ودولية، ليصنع رؤاه الفنية على خشبة المسرح من خلال العروض التي قدمت في مختلف المهرجانات الوطنية والدولية و وقوف نخبة من الشباب على خشبة المسرح وتحملهم المسؤولية التامة عن العمل المسرحي نصا وتمثيلا وإخراجا وديكورا و إضاءة . كل هذه الجمعيات سواء النواة « جمعية الأطلس للمسرح » آو »جمعية نادي الهواة للفن والثقافة »وما انشق عليها من جمعيات بذات الحي تركت رصيدا هاما وزاخرا من الأعمال المسرحية تعددت هي الأخرى أنماطها واتجاهاتها كل جمعية حسب كل جمعية أو كل كاتب على حدا . إضافة إلى عامل المرحلة أواخر السبعينات وإلى أواخر التسعينات من القرن الماضي الذي كان كل عمل فني يحاول التكيف معه ومسايرته ويواكب أيضا قضايا المرحلة بتقلباتها نسيما حينا وعاصفة أحينا أخرى (…) . ومن أهم أعمال رصيد تلك المرحلة : مسرحية « ماذا حدث للشيخ أحمد البيداري » ومسرحية » البراح » آو « المنادي » ومسرحية « بائع الدبس الفقير » ومسرحية « الرجل الطيب » ومسرحية « هنبقة الناقة وبشار الزندقة » ومسرحية » قنيونة في التليس « ومسرحية » الصرخة » ومسرحية « مطاطية الجدار الخامس » ومسرحية » الرجل الطيب » و مسرحية » ولادة في زمن الانكسار » ومسرحية « يا مد البحر متى تأتي » ومسرحية » دلال الورد » ومسرحية « سهرة مع أبي خليل قباني » ومسرحية « علاء الدين في القرن العشرين » …. إضافة إلى عدد كبير من أعمال أخرى. تبقى الإشارة في الأخير وبمناسبة اليوم العالمي للمسرح إلى أن رواد الحركة المسرحية في مراكش كما هي في حي كاسطور بمختلف توجهاتها وأطيافها كانت على دراية تامة بالأبعاد التاريخية والأهداف النبيلة والجمالية للفن المسرحي وتجسيد الحداثة الفكرية بتصور إبداعي ومسايرة التفاعلات الثقافية بالمحاكاة والتفاعل والاستلهام . هذه شذرات وومضات مراكشية وجب ألاحتفاء بها والتنويه بأعمالها في اليوم العالمي للمسرح أعطت الكثير من جهدها وصحتها ووقتها في سبيل إبقاء شعلة المسرح مضيئة وهاجة وسط منعطفات التعتيم والتهميش وضعف البنية التحتية لبعض المسارح وعدو الاعتناء بممتهني العمل المسرحي وإقبار كل المحاولات الجادة للنهوض بالعملية المسرحية بكاملها،وما عملية الدعم الأخيرة إلا حفاظا على المسرح سريريا خوفا عليه من الموت المؤجل وهو قلب بلا روح في غياب الدماء الحية التي تسري في شرايين المجتمع لتعيد له الحياة .