عملية ترميم هجينة تتسبب في القضاء على المعبر التاريخي « للمخازن الجماعية للحبوب بحي جنان العافية بمراكش
2627 مشاهدة
جريمة مكتملة الأركان في حق التراث المعماري لمدينة مراكش، ذاك هو التوصيف الذي ينطبق على المآل التراجيدي الذي آلت إليه البناية التاريخية لمخازن الحبوب الجماعية بحي جنان العافية، حيث عمدت مؤسسة العمران التي تشرف على ترميم هذه المعلمة المتفردة على الصعيد الوطني إلى هدم معبرها الرئيسي المؤدي إلى مخازن أرضية على شكل « مطامر »، وتذكر بعض الشواهد التاريخية في هذا الإطار أن ذلك المعبر كانت ترتاده قوافل الجمال محملة بالقمح والشعير من أجل تخزينه في تلك المخازن، تعرف في المناطق السهلية باسم « لمرس » وفي المناطق الجبلية ب »أكادير » « إيكودار ».
ويعود تاريخ بناء هذه البناية إلى القرن الثامن عشر ميلادي على يد السلطان العلوي « سيدي محمد ابن عبد الله » وكان قد أفرد لها القنصل الدنماركي Host ، الذي كان في الآن ذاته يشغل مهمة مستشار السلطان
العلوي (أفرد لها) حيزا مهما في سياق كتاب ضخم يؤرخ لفترة حكم السلطان سيدي محمد ابن عبد الله، حيث أشار إلى خصائصها المعمارية وأدوارها الوظيفية باعتبارها واحدة من أهم منجزات السلطان العلوي بالحاضرة المراكشية.
وتدخل عملية ترميم هذه المعلمة التي تشرف عليها مؤسسة العمران في إطار المشروع الملكي « مراكش الحاضرة المتجددة » ويرى بعض الخبراء في التراث المعماري – فضلوا عدم الإفصاح عن هويتهم- أنه تم الاخلال بمجموعة من المبادئ والمسلمات في عملية الترميم وذلك من خلال التوظيف المفرط للإسمنت، بالإضافة إلى أن هدم المعبر التاريخي للمخازن يتجاوز « الخطأ الترميمي » ليصبح « جريمة ترميمية » لأن الأشغال استهدفت القضاء على هذا المرفق وطمس هويته بشكل كامل، وهو ما تجرمه جميع المدارس العلمية في هذا المجال، مشيرين في السياق ذاته أن المخازن الجماعية للحبوب بحي بريمة بمراكش تقترب في أدوارها الوظيفية من مخازن « هري السواني » بمدينة مكناس المصنفة في قائمة التراث الوطني، إلا أن المخازن الجماعية للحبوب بمراكش تبقى متفردة على الصعيد الوطني ولا مثيل لها على مستوى « المطامر » والأقواس وبعض النقوش التي تم طمسها، وقد تحدث عنها بإسهاب الباحث الألماني Wilhelm Schroder تحت عنوان silo à grains de jnan Al Afiya.gravure sur cuivre.deuxiéme moitié du 18 e siècle
المآل التراجيدي الذي آلت إليه هذه البناية يسائل دور وزارة الثقافة وتقصير مصالحها ممثلة في « مفتشية المباني التاريخية و »المحافظة الجهوية للتراث الثقافي » اللتان لم تقوما بعملية تتبع أشغال عملية الترميم التي تدخل في مجال اختصاصهما، كما تتحمل الوزارة ذاتها مسؤولية الأضرار الجسيمة التي لحقت هذه المعلمة جراء عدم تقييدها في عداد « قائمة التراث الوطني » رغم النداءات المتكررة لمجموعة من الباحثين والجمعويين بالمدينة، وتمتد أصابع الاتهام بالتقصير كذلك حسب فاعلين جمعويين بحي جنان العافية إلى والي الجهة « قسي لحلو » الذي لم يقم منذ بداية الأشغال ولو بزيارة تفقدية واحدة رغم أنها تدخل ضمن مشاريع « مراكش الحاضرة المتجددة » التي أطلقها الملك محمد السادس، علما أن المسؤول السالف الذكر قام بمجموعة من الزيارات التفقدية لعدد من المشاريع ، غير أن ترميم المخازن الجماعية للحبوب لم تكن يوما ضمن أجندته.