حساب التمثيل القنصلي بمدن الصحراء المغربية في معادلة رابح- رابح
1883 مشاهدة
المغرب في تحد تاريخي للأقلية الانفصالية والجزائر أمام الفرصة الأخيرة
تتواصل التمثيلية القنصلية بأقاليم الصحراء المغربية للدول الشقيقة والصديقة والأخرى التي كانت الى وقت قريب لا تعترف للمغرب بسيادته الوطنية على هذه الأقاليم، لتؤكد المناعة الدبلوماسية للمغرب في معترك الصراع القانوني والسياسي وعلى جميع الأصعدة في المنظمات الدولية والجهوية والاقليمية وداخل مجلس الأمن لتثبيت الحقوق على الأرض في أفق تخويل سكان الصحراء حكما ذاتيا موسعا تحت الراية المغربية.
ثمرة الدبلوماسية الناعمة للملك محمد السادس
ولم يَتأتَّ فتحُ القنصليات بسبب المناخ الدولي والتحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا أو نتيجة ظرفية عابرة ولكنه، ثمرة جهود لدبلوماسية ناعمة أحياناً متشددةٍ أحياناً أخرى قادها الملك محمد السادس على أساس المرجعيات المؤطِّرة لسياسته في الداخل والخارج منذ توليه الحكم.
فقد مهَّد لكل ذلك، طيُّ ملفِ حقوق الإنسان لسنوات الجمر والرصاص وإنصاف الضحايا ومصالحتهم، وكذا الإصلاحاتُ المواكبة بتعديل الدستور ومراجعة القوانين التي استجابت لمطالب كثيرة رفعها سياسيون وحقوقيون، إضافة إلى توسيع هامش الحريات والتعبير المستمر عن الإرادة السياسية لتطوير الممارسة الديمقراطية من خلال استكمال بناء دولة المؤسسات وتطوير الأداء المؤسساتي وتجويده وجعله في خدمة التنمية.
ومكن العقد الأول للألفية الثالثة المغربَ على المستوى السياسي والحقوقي من ترميم جبهته الداخلية وطمس تناقضاتها في أفق المدى الذي وضعَهُ النظام نصْبَ توجهاته لإنهاء الصراع المفتعل في شمال أفريقيا بسبب التعنت الجزائري وتمسك جبهة (بوليساريو) الانفصالية بمشروع بائد لتقرير المصير أكدت الأمم المتحدة ومجلس الامن عدم قابليته ليكون ممارسة واقعية.
استثمار مربح للإنصاف والمصالحة في السياسة الخارجية
واستثمرتِ الدولة نتائج أجواء العهد الجديد في أعقاب تباشير إحداث القطيعة مع العهد السابق وما طبعه من تحكم الأشخاص على حساب المؤسسات، وأتاحت لها المقاربات الأمنية الجديدة والمفهوم الجديد للسلطة مساحات عريضة للتحرك على الواجهات الأخرى التي كانت موضع تشكيك في قدرة فريق الحكم الشاب على الصمود أمام تحدياتها ونجاحه تجاهها وفي مقدمة التحديات تأمين السلم الاجتماعي وضمان الاستقرار ومطالب الانفصال في جنوب المملكة.
وبعْد إذْ تصدتِ الدبلوماسية المغربية بحزم للّوبيات المناوئةِ لمصالح المغرب داخل البرلمان الأوربي وجعلت السياسةَ والاقتصادَ على كفتين متساويتين في علاقات متعادلة على قاعدة العرف الدبلوماسي للتعامل بالمثل لاسيما في مواجهة فرنسا الزبون التجاري الأول وقتئذ ثم إسبانيا بعد ذلك في عدد من الملفات التي كادت تعصف بسجل العلاقات الودية والتاريخية وحسن الجوار، تأكد بوضوح أن المغرب مسح من على جبينه وصمة عار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وتخلص من عقد وضعه الداخلي الموروث عن أوفقير والبصري.
كما استغلت الدولة في إطار استراتيجية أمنية محكمة ذات أهداف استباقية ضد الإرهاب والتطرف ومحاربة الجريمة العابرة للقارات، القلقَ المتنامي عبر العالم من التهديد الإرهابي للجماعات المتطرفة والتشدد الطائفي وانتشار الإسلاموفوبيا خصوصا في اعقاب الربيع العربي وموجة الصعود لإسلاميين الى الحكم في مصر وتونس وما صاحبه من مد شيعي متزايد في العراق واليمن والاضطراب في سوريا وليبيا.
دبلوماسية رابح- رابح طريق الحل في الصحراء
فاستطاع المغرب أن يجد لنفسه موقعه على طاولة التفاوض الدولي بين الكبار على مستقبل العالم في مجابهة ما يواجهه من رهانات سياسية واقتصادية وأمنية خصوصا، مؤهلا لذلك بوضعه الجديد كشريك استراتيجي للاتحاد الاوربي وشريك متميز لمجلس التعاون الخليجي واعتباره نموذجا بمنطقة (مينا) بالنسبة للإدارة الأمريكية الديمقراطية في البيت الأبيض في (حسن الإنصات لنبض الشارع وصوت الشعب) ومسايرة العولمة.
وزادت ثقة المغرب في وزنه المدعوم بشراكاته في الجانب الأمني وبوضعه الاقتصادي الذي عززه الاستقرار السياسي والإصلاحات المواكبة، والجولات الطائرة للملك محمد السادس لم تَستثْنِ بلدانا تدعم أنظمتها الإنفصال في الجنوب المغربي قادَتْهُ إلى اقاصي البلدان في آسيا وأمريكا اللاتينية ودول أفريقيا إمعانا في هذه الثقة التي بلغت شجاعتُها استعادةَ العضوية في المحفل القاري للاتحاد الافريقي الذي يعترف بكيان الانفصال جمهورية وهمية بين الدول الأعضاء.
غَلَّب المغرب مصالحَه الوطنيةَ على غيرها مما كان يؤثِّتُ هيبةَ الحكمِ وصولةَ السلطان في بلاده، ووظف الحسابات الاقتصادية في المعادلات السياسية بمنطق « win-win »حتى مع أقرب أشقائه وأصدقائه مؤْمنا أن المكاسب المربحة في السياسة والاقتصاد رهْنُ الاستثمار الجيد برأسمال القراءة الواقعية للراهن السياسي الدولي والظرفيةِ الاقتصادية العالمية ورصيدِ الدولة من حصة التنافس والسباق على الربح والمكسب.
إن مكاسب المغرب الدبلوماسيةَ من فتح تمثيليات قنصلية بمدينتي العيون والداخلة، لا يقل عن مكاسب الدول الأجنبية التي فتحت هذه القنصليات لاعتبارات كثيرة.
فلئن ربح المغرب الرهان الدبلوماسي على ترسيخ الاعتراف الدولي بسيادته على اقاليمه الجنوبية التي تطالب جبهة بوليساريو الانفصالية مدعومة من الجزائر باستقلال الصحراء عن وطنها الأم وتثبيت هذا الاعتراف بمزيد من التمثيل القنصلي الأجنبي في مدن الساقية الحمراء ووادي الذهب؛
التحدي التاريخي لأقلية الانفصال في الداخل
وجعَل بذلك في مهب الريح مطالب الجزائر وخصومِ الوحدة الترابية بتوسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الانسان في المنطقة، حين سمح لعيْن الرقيب الدبلوماسي من القارات الخمس بالمتابعة عن كثب لمشاهد الواقع اليومي المعيش في حياة الانسان الصحراوي المغربي بمدن العيون والداخلة وبوجدور وكلميم والسمارة وطنطان وغيرها في علاقة السكان بالسلطات العمومية وقوات الأمن وممثليهم في المجالس المنتخبة…
وستكون إثر ذلك كل الدول ذات التمثيلية القنصلية في الصحراء المغربية داخل المنتديات العالمية والمنظمات الدولية والمحافل الأممية في مواجهة مباشرة مع المغالطات والمزاعم التي يروج لها أعداء المغرب لدحضها وتفنيدها من منطلق انه ليس من رأى كمن سمع وقناصلة تلك الدول شهود عيان لواقع الدعة والاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في مدن الصحراء التي لا شك ستكون التقارير التي ترفعها القنصليات الى السفارات في الرباط ثم الى وزارات الخارجية لبلدانها التتويجَ الأمثلَ لضربات القفازة المغربية الناعمة تحت الحزام لكل خصم أفاك عدو لذوذ لوحدة المغرب وسيادته على كامل أراضيه من طنجة الى لكويرة؛
ولئن ربح المغرب أيضا معركة أخرى في سلسلة مكاسب الدولة من الرهان على الحرية والديمقراطية في تدعيم ركائز السياسة الداخلية لاحتواء جموح الشباب الصحراوي الذي يُصَرِّفُ مطالبَه الاجتماعيةَ الملحاحة والضاغطة والمتقاطعة مع العصبيات القبلية الى مواقف متعصبة متشنجة غاضبة تُفَسَّرُ بغير حقيقة منشإها أو أنها تتطور لأجل مصالح الفيئ والريع الى ابتزاز ومساومة يبلغ منتهاه إلى حد رفع راية الانفصال ويجد مقابلا له بالرعاية والاحتضان والدعاية لدى الخصوم في الجارة الشرقية.
إن المغرب بشجاعة فائقة وجرأة سياسية واثقة يجعل الصحراء عاصمة ديبلوماسية في تَحَدٍّ تاريخي للأقلية المشاغبة المتعاطفة أو الموالية في إطار قرابات عائلية أو انتماء قبلي أو صلة ايديولوجية ومعها مصلحة عينية مع جبهة الانفصال وقادتها المؤسسين أو الحاليين، أولئك الذين يتم توصيفهم في لغة الاعلام ب »انفصاليي الداخل »ههم في الوضعية الحالية أمام أسوار قنصليات العالم لا يحتاجون أبواقا ولا صوتا يَبَحّ أو تأشيرة سفر مع تذكرة طيران للاحتجاج كل مرة في دولة بنفس الأشخاص ونفس العدد ونفس الهويات أم سفارات المغرب وقنصلياته لتسمعَهُم عواصمُ جاءتهم الى حيث يسكنون تسمعُهم…
جاذبية المصالح الاقتصادية والتجارية والأمنية والاستثمارية
فلئن كان هذا مكسبٌ بالنسبة للمغرب، فالدول ذات التمثيل القنصلي في الصحراء المغربية ربحت كذلك، تقديرا لمستقبل العلاقات متعددة الأطراف ومتعددة المصالح الأفرو-لاثينية والعرب-لاثينية والتي بشرت بها القمم المنعقدة سابقا لقادة دول افريقيا وأمريكا اللاتينية وهذه الأخيرة وبلدان العالم العربي لاسيما في ظل المشروع المغربي ومخططه لإنشاء منصة بحرية تصديرية وتجارية على الأطلسي جنوب الداخلة.
إن الرهان الاقتصادي في التجارة الدولية على أفريقيا وأمريكا الجنوبية يجعل الجنوب المغربي نصب الاهتمام العالمي استحضارا للرؤية المتبصرة لجلالة الملك الذي يطمح إلى جعل المغرب ملتقى القارات كمركز مالي واقتصادي وتجاري لتبادل السلع والبضائع والانتاج وإعادة الانتاج وأيضا الاستثمار العالمي في قطاع اللوجستيك من خلال مشاريع ذات الاستقطاب الدولي كالميناء المتوسطي وميناء الناضور بني انصار وطنجة تيك والقطب المالي للدار البيضاء والمنطقة الصناعية في القنيطرة.
كما أن الموقع الجغرافي للمنطقة على المحيط في الضفة الشرقية لأمريكا جنوب المتوسط في أفريقيا شمال منطقة الساحل وجنوب الصحراء أقصى الطرف الغربي للشرق الأوسط الكبير وهي منطقة شاسعة غنية ملتهبة محط أطماع جيوسياسية ومرشحة لتوترات دائمة وتهديدات مستمرة من قوى الشر والجماعات المتطرفة والحركة الدؤوبة للجريمة المنظمة العابرة للقارات، يغري بالتواجد المبكر اليقظ المتوتب للانقضاض على الفرص التي يتيحها هذا الموقع إن على الصعيد الاستثماري في الموارد والثروات الطبيعية والاستفادة من الامتيازات المتاحة في المجال وإن على مستوى العمليات الأمنية الاستباقية في اطار التنسيق والتعاون المخابراتي للحد من المخاطر التي تهدد السلم العالمي؛
وتغري المنطقة أيضا بجاذبيتها التجارية كنقطة عبور مميزة لقوافل التجارة البرية بين القارات الثلاث تنفتح على القابلية لتكون منطقة تجارة دولية حرة أو « طريق الحرير »الأفريقية يتأقطب فيها التنافس الصناعي والتجاري الصيني الأمريكي الأوربي؛
ولن يكون الجانب الاجتماعي الإنساني أقلَّ أهمية من بين عناصر الجذب والاهتمام الدولي بالتواجد الدبلوماسي في الصحراء المغربية التي تتحرك فيها الأمواج الهائلة في مواسم الهجرة الى الشمال كما تتحرك كثبان الرمال مع سرعة الريح بلا نسائم البحر، فليس كالجراد يمكن للمغرب ان يقاومه برش المبيدات بواسطة الطائرات… إن التصدي للهجرة غير المنظمة يحتاج الى دعم دولي وإلى جهود متكاثفة متعاضدة من خلال دبلوماسية القرب التي يعززها الحضور القنصلي عند مفترق الطرق في الصحراء المغربية.
خيار الفرصة الأخيرة امام الجزائر وحلفائها
فالمغرب يمكنه أن يحمي أوربا والكناري وشمال أفريقيا والشرق الأوسط من الاجتياح المدمر على جميع الأصعدة بعض الوقت ولكن يستحيل عليه وحده ذلك دائما أبدا طوال الوقت.
ولعل هذا الإدراك تنبه إليه المجتمع الدولي بعدما استفاق من جرعة المخدر الإيديولجي الذي سرى مع دماء كثير من أنظمة العهود البائدة للحرب الباردة وصراع القطبين وتعبأت دول منه لإصلاح أخطاء الماضي في إطار مراجعة لسياساتها التي قد تخسر فيها مصالح تجارية ومنافع اقتصادية وأمنية أكثر مما تطمع فيه بمعاداة المغرب ومخاصمته.
وههو المغرب ماض في خطته التي ثبتت نجاعتها الدبلوماسية بمنهج الليونة والخطاب الهادئ المنسجم مع الشرعية في احترام تام لسيادة الدول والحقوق المشروعة للشعوب ضمن ميثاق الأمم المتحدة وتوصيات مجلس الأمن والمواثيق والعهود البينية التي تترتب عليها الالتزامات السياسية لحفظ السلام العالمي وكان ذلك ديدنه في قضية الصحراء مع خصوم وحدته وما يزال متمسكا بنبذ الخلاف مع الجزائر ومد جسور التعاون لبناء المغرب الكبير كيلا يتم توريث الأحقاد للأبناء والحفدة ودعوة المغرر بهم للعودة الى وطنهم الغفور الرحيم.
فهل تمد الجزائر يدها وتبادر مع الدراع المبسوطة للمغرب وحضنه المفتوح بالقواسم المشتركة بين الشعبين والبلدين لفتح قنصلية لتمثيليتها الدبلوماسية في الرباط بالعيون والداخلة وتنضم الى الإجماع الافريقي والعربي والدولي الذي يتسارع ليفتح قنصليات بمنطقة أحرى ان تكون الأولوية للاستفادة من مجالها ومنافعها وثرواتها للأشقاء والأصدقاء والأقربين بالجوار نشدانا للتكامل الاقتصادي العربي والمغاربي؟