الأندلسي يبكي لحال مراكش « اللهم عجل بالجزاء لكل من لم يخدم مدينة سبعة رجال بنية صافية »

1808 مشاهدة

الأندلسي يبكي لحال مراكش « اللهم عجل بالجزاء لكل من لم يخدم مدينة سبعة رجال بنية صافية »

لامني بعض الأصدقاء عن عدم الكتابة عن مدينة أحلامي ومولدي ودراستي إلى نهاية السلك الثانوي. سألتهم ما الخطب وماذا لحق بالحمراء من أذى والكل يتكلم عنها بكثير من الإثارة والعشق وصولا إلى الوله. وهنا وجدت نفسي وكأنني ذلك الذي فتح صندوق “باندورا”. قال أحد الأصدقاء لا تأتي إلى مراكش وتظل حبيس المناطق الجميلة أو تلك التي حظيت بالاهتمام وصورتها الكاميرات وعشقها أصحاب المال ونجوم الأعمال والسياحة والفن.

فهمت المعنى وترجلت من باب تاغزوت في شمال مراكش والنابعة من قلب الزاوية العباسية نسبة إلى الطود ورجل الإحسان والمتصوف الفاعل في واقع الفقر صاحب ” الحزب” بمفهومه كدعاء وتقرب إلى ألله تعالى. فتحت العين بكثير من الإنتباه وسرعان ما شعرت بضيق في التنفس. السيارات تجوب ما توفر من طرق ضيقة والدراجات النارية تخترق الازقة بعنف تاركة وراءها دخان وضجيج. طمأنينة التجوال في المدينة العتيقة تحولت إلى جحيم. من ” ديور الصابون” إلى سقاية ” شرب وشوف” تكاد لا تعير النظر إلى جمال النقش على الخشب وإلى العمل الكبير الذي حول ” الفنادق” الحرفية إلى شبه متاحف جميلة بفعل تمويلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبعض الاستثمارات الخاصة. تحاول المرور عبر الطريق الجانبية لضريح سيدي عبدالعزيز التباع أو تلك الزنقة المؤدية إلى سوق الجلد فتعيقك حركة الدراجات النارية والأصوات المنبعثة من منبهات الصوت. الأمر يستمر في الأسواق المتخصصة في النحاس والبلغة وصباغة الصوف والتي تحولت بفعل فاعل إلى متاجر تبيع نفس السلع كما حصل في كل الأحياء القديمة والتي تؤدي إلى ساحة الرحبة .

أما جوهرة السوق والتي كانت إلى ماض ليس بالبعيد علامة على أصالة تتدهور حاليا وهي سوق السمارين، فقد تأثرت هي كذلك بهجوم سلع بسيطة وربما ” صينية أو تركية” على منتوجات تقليدية اصيلة ذات جذور تاريخية. قبل عقود كان التجول في الأسواق بالنسبة للسياح ولسكان المدينة لحظات استمتاع واليوم أصبح الخوف من حادثة سير أو التعرض لتحرش أو لاعتداء شيئا شبه طبيعي. والأكثر من هذا أن الأحياء العتيقة لم تعد تلك الأحياء النظيفة التي تنبعث من روائح التوابل وأصناف البخور وما تسلل من روائح الطواجن والطنجيات من داخل المنازل. دخان منبعث من دراجات وازبال تتراكم وسلوكات لا تعير اهتماما لمبادئ تكلم عنها بن رشد الذي عاش في حي الزاوية ودفن بها قبل أن ينقل جثمانه إلى إسبانيا. هذا الفيلسوف كان يعتبر حق الإنسان في جمال الطبيعة وعطر الورود واجبا وتوفيره لازما.

بعد سنة 1977 أوكل أمر المدينة لمجالس توالت وتفرجت على تدهور بنيات المدينة العتيقة. وجاءت موجة الرياضات والمطاعم التقليدية وتوسعت المدينة ولم تنل المدينة إلا التوسع في العمران ونزوح آلاف باعوا أراضيهم ولم يحملوا معهم غير أموال ضاع الكثير منها في غياب تعليم وثقافة. هاجت ظاهرة ” الويكاند” في مراكش وتعدد الزوار منهم من استحسن الولوج إلى مراكز القمار ومنهم من حاول استغلال فرص الإستثمار في العقار ومنهم من قلد غيره في التغني بفرصة زيارة مدينة يؤمها المشاهير .

اليوم مراكش تنقصها بنيات اقتصادية لخلق صناعة وفلاحة وخدمات تخلق القيمة المضافة والشغل. مراكش تختنق كل شوارعها بالازدحام الكبير الذي يجعل القادم من الدار البيضاء يقطع بضع كيلومترات في ساعة أو ساعتين قبل الوصول إلى بيت أو فندق. مراكش أصبحت ضحية غياب نخبة تضم خبراء وذوي تجربة مهنية عالية والأمر ينطبق على جهة مراكش آسفي. منذ أكثر من عقدين وأغلب المسؤولين تصل ملفاتهم إلى القضاء ولا تعرف نهايتها القانونية لطول المساطر والتعقيدات المسطرية التي يجب أن يحلها إصلاح القانون الجنائي ومسطرته في قريب سياسي. قضايا كبيرة عرف بها التدبير الجماعي لأغلب من كانوا على رأس المدينة الحمراء. اللهم عجل بالجزاء لكل من لم يخدم مدينة سبعة رجال بنية صافية. لست من أصحاب احتراف الأدعية لكنني أجد كثيرا من الراحة النفسية في اللجوء الى ” الحكم العدل “.لا زالت قضايا تفويت أراضي وبنايات كازينو السعدي أمام القضاء ولا زال ملف مؤتمر المناخ العالمي وصفقاته أمام القضاء وهناك من رحل عن هذه الدنيا ودفنت معه قضايا ولا زال بعض النكرات إلى أمس قريب يتغنون بقدراتهم على الاغتناء السريع وهم لم يعرفوا للعمل المقاولاتي سبيلا ولا تجربة لهم في خلق الثروة والقيمة المضافة ومناصب الشغل. ولكنهم انتصروا علينا وعلمونا أن من اقترب من مصالحهم ستشهر في وجهه الورقة الحمراء. لكن الزمان كشاف والحق يظهر وينجلي كل غطاء عن كل ظلم.

من حسن الحظ ومن جميل الأعمال وجليلها ما يقوم به ملك البلاد لرد الاعتبار لمدينة هي الوحيدة التي كانت عاصمة لإمبراطوريتين مرابطية وموحدية واحتضنت أول جامعة في فضاءات مسجد بن يوسف ومدرسته والتي يحاول البعض أن يتجاهل تاريخها وسبقها في التعليم وتخريج العلماء. ولكننا اليوم نواجه أناس يكتفون بالتواجد لتدبير أمور يومية عادية ولا يحملون مشاريع إستراتيجية لمدينة يعرفها العالم. اهدتها الطبيعة جمالا وحمتها جبال الاطلس وجملتها واحات النخيل ولكن مسؤول اليوم لا زال يكتفي بالتفرج على تشوهات معمارية وآثار بيئية وانزلاقات تدبيرية. مراكش تحتاج انطلاقة ذات بعد إستراتيجي بعيد المدى. أما الباقي فهو مجرد تبادل أدوار بعد كل موعد أو استحقاق انتخابي.

اخر الأخبار :