يوميات مريضة بالسرطان (عن النظرة الدونية للمجتمع)
1077 مشاهدة
في مجتمعي أن تكوني عاهرة ارحم من أن تكوني مريضة سرطان، قد يستغرب البعض من كلامي هذا، لكن ستجد جل المريضات يحملن نفس هذا اليقين, برغم من أن العاهرة تكون قد اختارت العهر بإرادتها حتى لو كانت ضغوط المجتمع من اضطرتها إلى ذلك، فاختارت الحل الأسهل، اختارت النقود اليسيرة التي يسهل الحصول عليها، لكن رغم ذالك قد يسامحها المجتمع يعطيها فرصة أخرى لعيش حياة مع إنسان اختاره قلبها، غير أن مريضة السرطان تحرم من هذا الحق، وتحرم من شفاعة هذا المجتمع المريض.
سمعت مرة في أحد الأرياف مثلا شعبيا لم يستصغه عقلي ولا قلبي: "المرأة كيف الحمارة فنما مشات تخدم". استغربت جدا وانا في عمري الصغير، كيف لامراة أن ثمثل نفسها بالأتان؟ كيف لها أن تقارن بينها و بين أنثى الحمار و هي من جملها الخالق و عظمها بالعقل؟ لم ترقني تلك التشبيهات لكن مع الأسف الفتاة الصغيرة المراهقة كبرت لترى أن هذا ما يؤمن به هذا المجتمع الذي يضع نفسه ضمن خانة المجتمعات المتحضرة، لا أعلم ما الذي يجعله يحمل صفة المتحضر؟
في مجتمعنا هذا ترفضين فقط لأنك مريضة سرطان أو كنت مريضة سرطان، يكفي أن يزور هذا المرض جسدك يوما لتصبحي أحقر من العاهرة حتى لو كان الكل يعلم مدى طهرك، لكنك تصبحين قبيحة في عين مجتمع يؤمن بأن المرأة مجرد أتان طالما هي في صحة جيدة و قادرة على حمل أعباء أسرتها، فهي الزوجة والأم و الاخت الجيدة التي نحتاجها، لكن إن أصيبت بمرض ما انتفت الحاجة إليها فالأتان لم تعد سليمة وبالتالي لا يمكننا تقبلها بيننا، وإن تم القبول بها تحت مسميات أخلاقية ك"الواجب" فغالبا ما يتم ذلك على مضض وبتثاقل شديد.
ما ذنب فاطمة عندما تخير بين زواجها الحديث الذي لم يدم أكثر من سنتين و بين قرار العلاج؟ ليتخلى عنها بعد ذالك شبيه الرجال لما عاين بداية انتشار المرض في جسدها السليم، ذنبها الوحيد أنها مرضت و لا حق للأتان في المرض، وحتى لو تقبل هو مرضها كانت ستجد عدوا جديدا من بنات جنسها يحرضه للابتعاد عنها وهي عليلة، آسفة فاطمة كلما تذكرتك و تذكرت ابتسامتك ولهجتك الهوارية أتألم.
ما ذنب زبيدة تلك الفتاة المراهقة التي لم يكتمل ربيعها السابع عشرة أن يتركها خطيبها خلفه تتجرع مرارة مجتمع يرى فيها نصف امرأة، فقط لأن الله كتب لها أن تصاب بهذا الداء، ما الذنب في أن تتجرع مع مرارة الكيماوي مرارة أشد منه هي مرارة الخيانة خيانة شخص احبته و كانت ستربط حياتها به لولا سلطة المرض، ما ذنب خالتي امينة أن تترك زوجها وراءها من أجل العلاج لتجده قد تزوج بعد ثالث حصة من الكيماوي لتنتكس بعدها ويرفض جسدها الضعيف الاستجابة لعلاج الكيماوي، رغم أنك كنت تتصنعين القوة ورباطة الجأش أمامنا إلا أن عيونك كانت تحكي عن ذالك الجرح الذي سببته خيانة رجل تقاسمت وإياه أكثر من الثلاثين سنة، ليكشف عن معدنه الحقيقي مع أول انكسار لك و انت من عاشرته على الحلو و المر و لم تتذمري يوما من فقره وفاقته، آسفة خالتي ذنبك انك لم تعودي الأتان التي تربى على وجودها في المجتمع.
ما ذنب جمان في أن ترفض من أجل مرضها، ما ذنب عزيز أن يحارب من أجل الظفر بجمان، ما الداعي أن يشهر سيفه ليحارب العالم لا لشيء إلا لأنه أحب فتاة مرضت بسرطان، ما ذنبه إن كان يرى فتاته حتى في أبشع حالتها على أنها أجمل إمرأة على وجه البسيطة؟ ما ذنب جمان أن ترى فيه العاشق الولهان و ترى كيف يحارب هذا المجتمع فقط لأن حبيبته اصابها السرطان، آسفة جمان ولكن لم يكن من حقك أن تمرض و انت بنت هذا المجتمع الذي يقول عن نفسه متحضر، آسفة عزيز لأنك مضطر أن تحارب من أجل حبك، آسفة رانيا لأن من كان قلبه يخفق لك ذات يوم متمنيا أن تجودي عليه بنصف نظرة قد ابتعد فانت لم تعودي رانيا الجميلة بعد أن زار الكيماوي أوردتك، و لم تعد تتوفر فيك شروط الأتان المطلوبة. وكل أم تبعد ابنها عنك بدعوى أنه لن يستطيع معك صبرا حتى لو كانت هي أيضا تعرف الم المرض و ما يترتب عنه من آثار نفسية.
آسفة، حقا انا آسفة لأني ولدت في هذا المجتمع، انا حقا آسفة يا نفسي آسفة لأنك مضطرة أن تشاهدي كل هذه الأشياء، آسفة يا نفسي لأنك تعتبرين أتان، ولست آسفة يا مجتمعي، انا لست أتان، و لن اسمح لأحد بأن يعتبرني كذالك، آسفة يا أحبتي وعائلتي فأنا مريضة سرطان، و لم اعتبر يوما نفسي نصف امرأة بل أنا امرأة كاملة الأنوثة، و ليس الشعر أو الثدي من سيحددون انوثتي.