نحو فهم مغاير للإنسان والحياة أصدقاء الفلسفة يدشنون محاورات تمتد من الفضاء المدرسي إلى الفضاء العام بابن جرير…
1762 مشاهدة
عوّدَتنا الفلسفة على تجديد التفكير في ما يتقدّم إلينا على شكل "معرفة منتهية"، وفي ذلك بعضٌ من حيويتها. لم تألف الفلسفة أن تسائل "الغريب" فحسب، بل كان "المألوف" مادة خصبة لإعمال آلياتها فيه، وإيقافه على ما انتهى به، إلى ما هو عليه. بهذا المعنى، يمكن الحديث عن التجدد الدائم لسؤالي: الإنسان والحياة. ولأننا، نعتقد في امتلاكنا معرفة بخصوصهما، فإن أمر الحديث عن استعادتهما في مقامات التفكير يعدّ حدثًا جديرا بالاهتمام.
في هذا الإطار، شهدت ثانوية السلام التأهيلية وفضاء الأسرة بابن جرير، جلسات فكرية وحقوقية، تناول فيها المتدخلون والمتدخلات إشكالات الإنسان والحياة والحق في الفكر المعاصر، وذلك في سياق اليوم الفكريّ والحقوقيّ الذي نظّمه نادي التّربية على المواطنة وحقوق الإنسان بثانوية السلام التأهيلية وجمعية اتحاد أصدقاء الفلسفة يومه السبت 28 دجنبر 2019؛ حيث أصرّ أصدقاء الفكر والفلسفة على اختتام سنتهم بترجمة شغفهم المعرفيّ والفلسفيّ إلى "موائد تحاورية" توزّعت على موضوعي: "حقوق الإنسان في الفكر المعاصر: المسارات والمصائر"، و"حقوق الإنسان في العالم المعاصر: قراءات في تجارب وتقارير وطنية ودولية" في الفترة الصباحية، في حين دار النقاش مساء حول "المعنى والحياة" انطلاقا من كتاب "معنى الحياة" للكاتب والمترجم حسن الوفاء.
أكّدت كلمات الافتتاح التي تعاقب على إلقائها كل من: مدير المؤسسة عز الدين أولعيدي، وممثلة المديرية الإقليمية بالرحامنة، وممثل جمعية أمهات وآبَاء وأولياء تلامذة المؤسسة، بالإضَافة إلى رئيسة جمعية اتحاد أصدقاء الفلسفة، (أكدت) على استثنائية الحدث وأهميته في لحظة باتت تتهاوى فيها أعمدة المعنى في العالم المعاصر، كما ركز المتدخلون على التنبيه إلى جدوى تحويل المدرسة إلى مشتل للتفكير في مثل هذه القضايا، بغاية إشراك المتعلمين والمتعلمات وتعوديهم(هن) على حضور مثل هذه اللقاءات ذات الطابع الفلسفي والحقوقي، لما يمكن أن تعود به من فائدة على التشكيل المتكامل لشخصياتهم(هن).
وفي الجلستين معا، حرص المتدخلون والمساهمون في أشغالهما، على الإشارة إلى الأسس الفلسفية لحقوق الإنسان ذات الصلة بجغرافيات متعددة، وما يؤدي إليه الوعي بها إلى تأسيس لفكرة الحق، ووقوف على جملة من الإشكالات الحقيقية التي صارت اليوم على رأس جدول أعمال الفكر، من قبيل "الكونية والخصوصية"،و"الحرية والقانون"، والحق بين المدونات الحقوقية والقانونية والواقع الحي، زيادة على الإمكانات التي يتيحها التفكير المتعدد في "حقوق الإنسان" للتحرر من الفكر ذي البعد الواحد، والذي يأتينا بوصفه "لافكرا" متلبسا رداء الفكر".
كما تطرقت المداخلات إلى بعض الأسئلة الحارقة في مجال فكر حقوق الإنسان في العالم والمغرب، من قبيل: مشكلات البيئة، والحقوق العمالية، ومسألة الأقليات، علاوة على مدارسة الأخطار المحدقة بالإنسان في عالم تقوده مفاهيم: السوق، والمال، والاستهلاك إلى توسيع دائرة الخطر، وبالتالي تدْخل الفلسفة والفكر على الخطّ لتذكير الإنسان بمساراته، وما آلت إليه حاله، مع محاولة البحث عن منافذ أَملٍ، لتفادي الانسدادات الوجودية والحياتية التي وصل إليها الإنسان المعاصر.
انتقل الحاضرون مساء من الفضاء المدرسي إلى الفضاء العام، تأكيداً لاستمرارية النقاش، وامتداد "الخاص" في "العام"، عبر مواصلة حلقات الفكر والنظر، من ثانوية السلام التأهيلية إلى فضاء الأسرة؛ إذ كان الجميع على موعد مع "محادثة فلسفية" أسهم في إخراجها كل من الباحثين: عبد الرحيم البصري، وحسن الوفاء، استدرجا فيها جموع الحاضرين إلى لذة التفكير والسؤال في إشكالات المعنى، والحياة، والذات، والموت، من رونيه ديكارت إلى برتراند فيرجلي.
لم يغب عن بال هذه "المحاورة الفلسفية" الوقوف على مآلات "الكوجيتو" في الفكر المعاصر؛ حيث تمحور النقاش بالأساس حول "الأنا أفكر" وما أعقبها من تحولات رهيبة على مستوى علاقة الإنسان بنفسه وعلاقته بالعالم والطبيعة، مع الإشارة إلى "الاستقبالات اللافلسفية" لها في السياق العربيّ والإسلاميّ؛ وما تسبب فيه ذلك من نكوص في الوعي، بما للكوجيتو من أهمية في استوْلاد إنسان مغاير.
لقد أسست هذه "الشراكة الفلسفية" التي أدار فعالياتها باقتدار الأستاذ عبد الرحيم البصري، لتقليد فلسفي استعاد هذا الضرب من التفكير الحيّ؛ لا يكون فيه المحاوِر مجرد "تقنيُّ أسئلَة"، بل فاعلا رئيسا في بناء الفكر والمعرفة، والأمر نفسه بالنسبة إلى "الجمهور"، الذي شكّل بدوره في "حديث السبت" (بابن جرير) شريكا في إيقاظ العقل من سباته الشتويّ؛ وهو ما ظهر جليا من خلال التفاعل المباشر العميق للأستاذ حسن الوفاء مع ما طرح عليه من أسئلة توجهت إلى ما اهتجس به بحثه في كتاب: "معنى الحياة".
وهكذا كان، لتنتهي هذه "المباحثات الفلسفية" بحفل توقيع كتاب: "معنى الحياة"، مع كلمات أخيرة، جدّدت تأكيدها على مسيس حاجة الفضاء العام إلى مبادرات خلاقة، تجعل من التفكير سلوكا يوميا، وليس مجرد "مطلب شعاراتي" عابر على حدّ تعبير الأستاذ أشرف الزاوي، أحد صنّاع هذا الحدث الثقافي بابن جرير.