مشاهدة : 2082

حبّا في علي أمْ كرها في معاوية؟ 


 

هناك شيء مزعج في الصور التي تنشر هذه الأيام للزعيم الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي، مع اشخاص من مختلف المشارب والمآرب، لا يترددون في استغلالها على وسائل التواصل الاجتماعي للظهور والتباهي والتفاخر. الرجل -أطال الله في عمره- بلغ من العمر عتيا، وأصبح الوهن واضحا على جسده، ومع ذلك بتنا نراه في مناسبات عديدة، بعضها مبرر وبعضها يدعو الى التساؤل ان لم يكن يبعث على الشك والريبة. الشك مرده ان اليوسفي كان معروفا بانتقائه الدقيق للمناسبات التي يظهر فيها، منذ إنسحابه من الحياة السياسية إثر إبعاده من الوزارة الأولى عام 2002، ضدا على "المنهجية الديمقراطية"، تماما كما أُبعد عبد الاله بنكيران، في سياق مختلف، خمسة عشر عاما بعد ذلك.

بخلاف بنكيران، اختار اليوسفي عزلة أنيقة، جعلت منه شخصية استثنائية في تاريخ المغرب الحديث. غادر السياسة من باب ضيق ودخل التاريخ من باب واسع، لأنه صارم مع نفسه قبل الاخرين. أحسن من جسد القول المأثور: "الصمت حكمة". عندما يتكلم، يصنع الحدث. لم يكن يخرج للعلن الا في مناسبات كبيرة، مثل الذكرى الخمسين لاختطاف المهدي بن بركة، التي اختار ان ينظمها بنفسه عام 2015، او حينما اصدر مذكراته، وكان توقيعها مناسبة ليجمع حوله كل الطيف السياسي. اليوم بتنا نراه في مناسبات غريبة عجيبة، مع اشخاص يصعب ان نتخيله معهم ومع امثالهم، ايام كان في كامل لياقته السياسية وعنفوانه الجسدي. يستغلون صورته لأغراض سياسية أو لتلميع وجه قبيح او صناعة مجد زائف…

لا يسعنا الا ان نفرح بالاعتراف الذي حظى به اليوسفي من طرف الدولة. ان يطلق اسمه على شارع في طنجة وعلى فوج الضباط المتخرجين بمناسبة الذكرى العشرين لتربع الملك على العرش، وهو حي يرزق، مبادرة تستحق التصفيق. لكن ظهوره المتكرر في مناسبات أصغر من مقامه يدعو الى القلق. ماذا يفعل في ملعب كرة القدم مع اشخاص همهم الوحيد هو الانتخابات المقبلة؟  وكيف يزكي المكتب السياسي ل"الاتحاد الاشتراكي"، عن طريق استقباله في بيته، في الوقت الذي يوجد فيه معظم الاتحاديين الذين اخلصوا ل"القوات الشعبية" ولميراث عبد الرحمان اليوسفي خارج الحزب؟ مع احترامي لاعضاء المكتب السياسي الحالي، ومعظمهم أصدقائي، لكن الحق حق، ولا اتذكر انه قَبِل استقبال المكتب السياسي ل"الاتحاد" على عهد محمد اليازغي او عبد الواحد الراضي!

لنكن واضحين، من حق لشگر ورفاقه ان يزوروا عبد الرحمان اليوسفي كي يهنئوه أو يطمئنوا على صحته، بل من واجبهم ذلك، باعتبار ان الرجل كان في يوم ما ربان سفينة "الاتحاد"، رغم ان الفرق بين "اتحاد" اليوسفي و"اتحاد" لشكر هو الفرق بين محمد جسوس وبديعة الراضي. واذا كان من حقهم زيارة رئيس حكومة التناوب، فليس من حقهم أن يروّجوا تلك الصورة التي يتصدرها لشكر ويجلس فيها اليوسفي على طرف الكنبة، بشكل يوحي ان لا فرق بينه وبين الحبيب المالكي، الجالس بجانبه، وأن لا زعيم إلا  ادريس لشكر!

لقد سمعت التبريرات التي قدمها البعض لِتَبَوُّئِ لشكر صدر المجلس بدل صاحب الدار. مفادها، عموما، ان "اليوسفي تعوّد ان يجلس في ذلك المكان من الكنبة والصورة كانت عفوية مثل الزيارة، وهي لا تحتمل اي قراءة سياسية". اريد ان اصدق ذلك، لكنني اعرف ان "السياسة كلها بوليتيك"، كما كان يقول احد الاتحاديين القدامى ساخرا. وطالما سمعت ادريس لشكر نفسه يردد ان السياسة تمارس حتى في حركات الرأس والعينين. وأتذكر قصة طريفة في هذا المقام تستحق ان تروى. ذات يوم، عندما كان ادريس مستشارا في بلدية الرباط، التقيته مع اصدقاء من "الشبيبة الاتحادية"، ووجدناه حانقا على المستشارين الاتحاديين الذين معه. كان عمر البحراوي عمدة للمدينة وقتها والاتحاد يعارضه، وروى لنا بحسه المرح، أن بعض المستشارين الاتحاديين كانوا يهزون رؤوسهم على سبيل التأييد، عندما كان البحراوي يقدم حصيلته امام المجلس، مما جعله يصرخ فيهم ويستشيط غضبا: "آسيدي ملي يكون كيهضدر دير ليه "لا" براسك وخرّج فيه عينيك، السياسة راه كدّار بهزان الراس وتخراج العينين"… واعتقد ان كلامه صحيح، السياسة تمارس بكل شيء وفي كل شيء. لذلك بالضبط، يصعب الا نعطي للصورة إياها قراءة سياسية، مهما حسُنت النوايا وصَفَتِ القلوب! 

على كل حال، اليوسفي اكبر من هذه المناورات الصغيرة، وورثته الحقيقيون وابناء مدرسته هم من ينبغي ان يتصدوا لاستغلال صورته من أي كان. وإذا كانت زيارة لشكر ورفاقه بلا خلفيات سياسية، فعلا، اتساءل  لماذا لا يقومون بزيارة مماثلة الى بيت محمد اليازغي؟ الدور الذي لعبه الرجل في حزب "الاتحاد الاشتراكي"، منذ نشأته، لا يقل أهمية عن دور اليوسفي، إن لم يكن أكبر. التاريخ فقط لم ينصفه، لأنه أنهى مشواره السياسي في المكان الخطإ. نجا من طرد ملغوم وقضت عليه حقيبة فارغة. لكنه يبقى الوريث الحقيقي لعبد الرحيم بوعبيد، وأكبر من أخلصوا للخيار الاشتراكي الديمقراطي، حتى في أشد الفترات تذبذبا واضطرابا من حياة الحزب، وسيأتي وقت يضعه التاريخ في المكانة التي يستحق. لماذا لا يزوره أعضاء "المكتب السياسي" بشكل جماعي كما صنعوا مع اليوسفي؟ لماذا لا يلتقطون صورا معه؟ هل لان الدولة اليوم تحتفل باليوسفي ولا تعير اليازغي اي اهتمام؟ اليوسفي شخصية عظيمة، يستحق تمثالا في كل مدينة، مع ذلك اتمنى الا تكون المبالغة في الاحتفال به من طرف الدولة مجرد نكاية في شخص آخر، خلَفَه في المنصب، وأُبعد بطريقة مماثلة، لكنه مازال موجودا ونشيطا ومزعجا… نتمنى ان يكون تكريم اليوسفي "حبا في علي وليس كرها في معاوية!"

7 commentaires sur “حبّا في علي أمْ كرها في معاوية؟ 

  1. 274530 751083Thoughts speak within just around the web control console video clip games have stimulated pretty expert to own on microphone as well as , resemble the perfect tough guy to positively the mediocre ones. Basically fundamental troubles in picture gaming titles. Drug Recovery 928410

  2. Do you have a spam problem on this blog; I also am a blogger,
    and I was wondering your situation; we have developed some
    nice procedures and we are looking to exchange strategies with others, please
    shoot me an email if interested.

  3. Thanks , I’ve just been looking for information approximately
    this subject for a while and yours is the best I’ve found out till now.

    However, what concerning the bottom line?
    Are you positive in regards to the source?

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

اخر الأخبار :