هل تعكس الأعمال التلفزية الرمضانية هموم المغاربة وطموحاتهم !؟


مشاهدة : 362

 

جرت العادة كلما اقترب شهر رمضان المعظم إلا وهلت معه موجة كبيرة ومتنوعة من سلسلة وصلات إشهارية لخريطة عريضة من البرامج المتنوعة من المسلسلات والأفلام المحلية والعربية الكوميدية منها والدرامية وأخرى ترفيهية مسلية من كاميرا خفية بمختلف مسمياتها ومسرحيات . وكأن هذا الموسم سيكون أحسن من سابقيه في اعتراف ضمني بفشل ما سبقه من المواسم العجاف الماضية..

تعددت الأسباب، والموت واحد. تعددت البرامج، والمواويل واحدة. رغم كل المجهودات الداعمة ورصد الملايين من الدراهم لهذه الأعمال . إلا انه وللأسف يبقى الحال هو الحال وتبقى الاستفادة الكبرى لمجموعة من الشركات التي تدخل على الخط التجاري أكثر منه إبداعي وليس لها من المعايير الفنية سوى الواجهة الفنية للوحاتها الإشهارية الخاصة بها أو عند مدخل باب مقرها الرئيسي .

المشاهد المغربي بصفة عامة يجد نفسه بعد المشاهدة الطويلة زمنيا والثقيلة فنيا في وضع معقد جدا لأن الآلية الميكانيكية المتكررة في كل الإنتاجات تضعه داخل سجن التفاهات متضايقا تماما من تبخس الأعمال الفنية تبخسا وكأنه مفتعلا أو مصنعا بقوالب تشبه الضرب على الذقون ولا تشبه أو تلامس أية محاولة حقيقية من الرؤية الفنية للمشاكل الاجتماعية للإنسان المغربي أو قضاياه السياسية الوطنية الكبرى كما لا تتناول أي قضية من قضاياه ألاجتماعية والآنية كالحرية والتشغيل والتعليم والصحة والبيئة، كلها مواضيع تعد من الإنتظارات الشعبية الكبرى للمواطن المغربي.

و تبقى الأسباب وراء هذا التمييع إن صح التعبير كثيرة ومتنوعة وأحيانا مركبة بين ما هو مادي ولو بشكل أقل كما ذكرنا وما هو بشري في شقه التكويني الثفافي الفني الصرف على الخصوص.ومهما تراوحت الأسباب بين هذا وذاك يبقى المشاهد هو المتلقي للضربات الموجعة من البرامج الفضة والخشنة و السمجة الأخلاق، والتي تبعث أحيانا على الغثيان أو (الحموضة) حسب تعبير الفيسبوكيين .كل هذه المحصلات كانت مند بداية شهر رمضان في أيامه الأولى تأخذنا إلى نتيجة واحدة : الجميع يريد التجرد من أصله ويتبهرج بأصله الجديد ويستغل ذاك الأصل للإستهلاك. والعلة في ذلك أنها موضة لها سعر وقيمة في عالم العولمة الجديد . وهو ما سقط فيه سهوا أو عمدا العديد من الفاعلين في المنظومة الفنية. وبالنهاية يبقى المستهلك (المشاهد ) لا طعم له ولا ذوق ولا حول له ولا قوة فاتحا فاه شاردا بعدما سلبت منه حاسة الذوق الفني أو تصدأت بفعل ترسبات المواسم الماضية، أو ربما لم يعد يملكها أصلا. وهكذا أصبح هو الآخر يعيش بانفصام بين موروث ثقافي في حنين دائم إلى إحيائه وبين مستجدات عولمة لا يفهم منها المسكين سوى بريقها ورتوشاتها .

وعلى امتداد خريطة البرامج الرمضانية لهذه السنة من مسلسلات أو سيتكومات ( البهجة ثاني ) مرورا بالكاميرا الخفية بمختلف مسمياتها : كاميرا فاشي ومشيتي فيها إلى  أولاد عمي ونهاركم مبروك و سيليباطير والزعيمة ..والسؤال هنا ولو بشكل افتراضي: هل هذه الأعمال تعكس هموم المواطن وطموحاته؟ هل من الضروري أن نضحك على واقع يؤلمنا ؟ فكيف يتحقق هذا والحال أن يحاول القائمون على الإنتاج وصناعة السيتكوم ( البهجة ثاني نموذجا ) إلى أخدنا نحو شعبية المكان في تنميقة فنية مصطنعة و يقومون بنفس اللحظة بتشويه المشهد البصري بلحظات متضاربة حتى في  الزمان، فهل البهجة تلك تنطبق عليها الصورة التراثية لدروب البهجة الحقيقية ودكاكينها ومتاجرها التي يفوح منها عبق التاريخ ؟ ويشدك المكان من حيث لا تدري إلى ثرات الدكاكين ومعروضاتها المتنوعة وهكذا تكون الصورة متكاملة ومتعددة الأبعاد . مع احترامنا لخصوصيات وطرق تصوير السيتكوم . دون أن نغفل الهواتف النقالة التي نالت حصة الأسد من المشهد والحوار على حد سواء بغض النظر عن الشركة والقائمين على العمل الفني إلا أنه نال من الحوارات ما نالته الفريسة من الأسد وضاعت بذلك مساحات شاسعة لحوار مراكشي بهجاوي ذي فرجة وإفادة ذات قيمة مضافة، إضافة إلى الإقصاء الذي تعرض له العديد من الفنانين المراكشيين المتميزين " فربما : مطرب الحي لا يطرب " كانوا سيضيفون إضافات جديدة للعمل الفني على مستوى الوقع والحضور الوازن  كما هو مستوى الحوار بلهجتهم المراكشية المرحة مع احترامنا لجميع فنانينا المغاربة المقتدرين .

وبالمرور إلى تلكم لالة مولاتي الكاميرا الخفية في جديدها كاميرا فاشي أو مشيتي فيها. والحقيقة أن المشاهد البريء هو الذي مشى فيها إلى حالة الإستغباء و الإستضباع بعدما اتفق القائمون على هذه العملية مع الفنانين مقابل مبالغ مهمة إضافة إلى الاتفاق المسبق مع الفنان (الضحية) حول العقود وشروط السلامة والتأمينات، إضافة إلى إعادة بعض حلقات الموسم الماضي بوجوه فنية جديدة وبنفس السيناريو وكأنهم لم يكونوا مقيمين بالمغرب أو اعتمروا  الموسم الماضي ولله في خلقه شؤون. زد على ذلك سلسلة "حديدان" الذي أفسد شهرته الأولى باستمراره، وفيها استفرغ من جميع مقوماته كحكاية شعبية تراثية وكقيمة فنية حققت شهرة وأضاعتها بحلم مواضيعها التبخيسية البعيدة عن -تحديدانت- كما عهدناها .

أما الصنف الفني الآخر المتمثل في الدراما فليس له سوى غلظة الكلمة وتفخيم حرف الراء. أما المعنى الحقيقي للكلمة كعمل فني له شروطه ومقوماته من موضوع وسيناريو وموسيقى وممثلين وإخراج…فذلك مسعى بعيد كل البعد عن الإنتاج التلفزي، اللهم بعض الأعمال التي تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة، لامست نجوم الجودة والأخرى التي حاولت أو قاربت إحدى نجومها …

والملاحظ في هذه الأعمال الفنية الرمضانية  أيضا أنها حافظت على نفس تشكيلات الفنانين مما يدفع بالاعتقاد أن هناك علاقات حميمية  مصلحية أو نفعية إسترزاقية أو ذات شبهات متعددة …إضافة إلى المناداة على بعض الفنانين إما من باب الشفقة والرأفة على أوضاعهم المعيشية المزرية أو بسبب الوعكات الصحية التي تعرضوا لها سابقا و تم إدماجهم في دور هامشي بعمل فني لترقيع أحوالهم المادية ولو لفترة تحت ذريعة الالتفاتة الفنية. والحالة هذه أننا شهدنا في الأشهر الماضية مجموعة من فنانين وفنانات غدر بهم الدهر و تكالب عليهم المرض والفاقة وتواروا سريعا على إيقاعات حياة مزرية موسومة بالتهميش والغبن، بعضها وصل إلى الموت فقرا وقهرا بعدما تخلى الجميع عنهم وعلى رأسهم الجهة الوصية على القطاع . كالفنانة عائشة ماه ماه وعبد القادر مطاع ومصطفى تاه تاه وعبد الجبار لوزير وزهور السليماني وسلوى الجوهري وسعاد صابر ونور الدين بكر ومولاي أحمد العادلي ومليكة الخالدي  … واللائحة طويلة إلى آخرهم المرحوم عبد الله االعمراني الذي رحل في صمت شبه مذل ومخز لكل من تناساه وتناسى عطاءاته الفنية الكثيرة …أهكذا يكون التضامن الإنساني الإجتماعي ؟ أين هي الضمانات المهنية  ؟

ويزداد الطين بلة بعد انقضاء شهر الرحمة والغفران ليأفل معه شهر العسل وتغيب معها نجوم المحبة بين فنانينا وتتصاعد حمى الخرجات والتصريحات والأخرى المضادة في تراشقات يختلط فيها الحابل بالنابل من تحاملات و أقصاءات وتكالبات وتجاوزات وخروقات واتهامات مادية تتعلق باستخلاص الأجور والإمتيازات وتتعداها أحيانا إلى اتهامات أخلاقية ….فأين نحن من الأخلاقيات المهنية الشريفة ؟  

أمام هذا الواقع المقلق للمنظومة الفنية يشدنا الحنين أحيانا إلى ماضي البرامج الرمضانية من الزمن الجميل أيام كانت الأسرة تتحلق كلها حول التلفزة لمتابعة بعد طول انتظار سكيتش : بزيز و باز أو عبد الرءوف أو بلقاس وعبد الجبار لوزير أو العربي الدوغمي وحبيبة المذكوري او مصطفى الداسوكين ومصطفى الزعري أو محمد بن ابراهيم أو قشبال و زروال ومسرحيات : الحراز وسيدي قدور العلمي وشرح ملح وساعة مبروكة …وغيرها من الأعمال الخالدة .

بين هذا الزمن المتحرك وسط تيارات الحداثة و العولمة موضوعا وذاك الزمن المتأصل من جذور الأصالة المغربية النابغة من تربة باديتها الكريمة المعطاءة الكريمة إلى مدينتها وهمومها ومعانات ساكنتها اليومية .أقول بين هذا وذاك تبقى الأعمال الفنية وضحاياه في غرفة الإنعاش إلى إشعار آخر في انتظار لا أقول وصفة سحرية، فهذا أمر محال قد يأخذنا للبحث عن آنية الطبخ المضغوط (كوكوت مينوت) السريع الطهي، وهذا غير مستحب في مثل هذه القضايا الفنية الثقافية الكبرى ولكن سننتظر التشخيص الحقيقي للداء ووضع الأصبع في قلب الجرح دون ملامسته وذلك جوانبه برقة تشعره بالدفء و ألأمان، خصوصا أن المعيق لم يعد ماديا بل أضحى يتعلق بما هو ثقافي على مستوى الكتاب والسيناريست الذين لا يمتلكون الفهم السياسي الذي يغطي المجتمع المغربي وهمومه وقضاياه الكبرى التي يجب أن تناقش وتشخص وتشرّح،  والاعتراف بكرامة المشاهدين تستلزم من نقاد الفن التلفزي ومن نجوم النقد الفني عموما أن ينهضوا بواجبهم في نقد وإدانة كل الأعمال الفنية التلفزية التي لا تتطابق مع الضمير الفني ولا مع الضمير الإنساني المغربي القح عموما. و إن كانوا يمدحون المشاهد المغربي بالذكي فهذا أمر يشبه  " القُبلة من خلال ستار " ولن يحجب شمس التفاهات والهراءات والقهقهات إلى استضباع و استبلاد المشاهد .

وعليه فالنقاد مدعوون جميعا إلى نبذ أساليب المجاملة في جلساتهم الخاصة والعامة حول ما يشاهدونه في التلفزيون بل عليهم أن يقوموا بدورهم الوطني والإنساني في إدانة كل ما هو منحط ورديء. ودور النقد الموضوعي يجب أن لا يغيب وأن يساهم جميع المثقفين المغاربة في خلق مؤسسة النقد الفني التلفزي لتدافع عن ثقافة المشاهدين وعن كرامتهم وعن الذوق الفني السليم .

إننا بحاجة إلى صحوة ثقافية فنية كبرى تساهم فيها كل الأطراف المعنية أو ذات صلة من المدرسة مرورا بالثانوية إلى الجامعة بمساهمة المثقفين والنقاد وإشراك جميع المتدخلين وكذلك الوزارة الوصية على المشهد السمعي البصري.

 

4 commentaires sur “هل تعكس الأعمال التلفزية الرمضانية هموم المغاربة وطموحاتهم !؟

  1. 858649 866475Intriguing point of view. Im curious to feel what type of impact this would have globally? Sometimes individuals get slightly upset with global expansion. Ill be about soon to take a look at your response. 312114

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

اخر الأخبار :