التدين المغربي.. المقصد ومحاولات الاختراق
1036 مشاهدة
شاع الحديث في الزمن المعاصر، عن مصطلح التدين المغربي، وانتشرت معه محاولات سبر أغوار بنيته، والتقعيد للبناته، فمنهم من انطلق من الأسس المذهبية والعقدية والسلوكية، ومنهم من أسسه على ما يسمى بالتدين الشعبي، بتراكماته وتفاعلاته، وبعض ممارسته، التي تميل إلى الخرافة أكثر منها إلى تعاليم الدين الحنيف، وبينهم من يقصد به التقاليد والأعراف المجتمعية الموروثة، بصالحها وطالحها، وبعضهم حاول الانطلاق من هذا المفهوم لمحاولة تحريف النقاش عن سياقه والزيغ عن المحجة البيضاء.
فالمقصود بالتدين المغربي، هو ذلك النهج النبوي الذي تشبث به المغاربة، من مشارب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين تعاقبوا على حكم المغرب منذ الدولة الإدريسية، بصرف النظر عن بعض الانزلاقات التاريخية.
هذا النهج النبوي هو ما عبر عنه الحديث بالمحجة البيضاء، التي ما زاغ عنها إلا هالك، والتي تقوم على كتاب الله وسنة رسوله، فوجهت الأمة الإسلامية، حتى تكون أمة وسطا.
ودون العودة إلى التاريخ الإسلامي بحمولاته وأحداثه المعروفة، فقد لا تسعه هذه الأسطر، وما شاع فيه من الفتن والاحتقانات، التي خُطط لأغلبها خارج رقعة الإسلام، فكان لزاما على الأمصار أن تتشبث بوحدة مذهبية، تقيها حر وطيس الفرقة والزندقة، فتشبث المغاربة بالمذهب المالكي الذي يعمل عمل أهل مدينة رسول الله، وما ذاك إلا حبا واتباعا وتبركا بنبيهم.
فالتحديات المجتمعية الراهنة تفرض التشبث ، أكثر من أي وقت مضى، بالوحدة المذهبية والعقدية والسلوكية، خصوصا أمام الانتشار المرعب لوسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات، التي استعملها البعض لمحاولة الزيغ عن المحجة البيضاء، فقال بعضهم كلام حق أراد به الباطل، ولعب البعض الآخر دور الصالح المصلح، فكانت النتيجة أن تكونت مجموعات دينية داخل البلد الواحد، يكفر بعضها كل مختلف مع توجهه، رغم أنه لا يعدوى أن يكون اجتهادا بين الاجتهادات، بل وصل الحد إلى سفك دماء غيرهم من المسلمين.
فالتدين المغربي، الذي يسهر عليه أمير المؤمنين، هو ذلك النبراس الذي ينير عتمة التحديات، ويحفظ الحبل الممتد المتصل المترابط، بعمل أهل المدينة، ولعل هذا النموذج يواجه محاولات التفكيك والمهاجمة، فلا يبحث المشوشون عن أهل العلم لاستقطابهم، بل يبحثون عن شباب ضعيف التكوين قليل الإيمان، فيُقولبه حسب القالب الذي أريد له.
وفي رمضان تستغل بعض المجموعات الشاذة، اجتهاد المغاربة للطاعات، وتشمير سواعد الجد للتقرب من الله، حتى تُخرج مشاريعها الدعوية، وتحاول استقطاب أكبر عدد من الشباب التائه.. من تنظيم المصليات إلى محاولات اقتحام المساجد للاعتكافات، لتجد الشاب في السنة التي يليها، قد فهم المشروع وانخرط فيه، وأصبح يقوم بدور المستقطب الموجه.. فمقصدهم أبعد وأعمق من الدعوة والعبادة، إلى خدمة أجندة معينة، وقد يتعداها إلى التهلكة والفساد.
ولا يكتفي أولئك بنشر سمومهم، بل يحاربون أعمال الخير والصلاح، التي دأب عليها المغاربة، من سبحة وقراءة القرآن وحلق الذكر، وغير ذلك، يحرفون استعمال مفاهيم البدعة والمحدثة، ويجرونها إلى خدمة مشروعهم الفاسد وما دونهم هالك.
إن التطرف، بيمينه ويساره، هو فكرة، والفكرة لا تحارب إلا بفكرة.. وهو أيضا حرب، تستهدف تدين المغاربة، ويجب شن الحرب على الحرب حتى يدوم السلام وننتصر لفكرة المحجة البيضاء، وهي مسؤولية يتحملها، جميع مكونات المجتمع، وحتى لا يُتهم الإعلام بالغياب، كلما تحدث متحدث، ها نحن نبسط الإشكالية، ونفتح النقاش…!