المركب الثقافي الحي الحسني.. تواصل وانفتاح على المجتمع المدني
2976 مشاهدة
عندما نذكر الحي الحسني ب(دوار العسكر القديم) أو الحي المحمدي بمدينة مراكش، نذكر في ذات الوقت أحياء أخرى بنفس التسمية والحمولة بمدينة الدار البيضاء، وإحالة مشتركة تحيلنا على الذاكرة لتطالعنا العديد من المعطيات والأعلام والمعالم، والأحداث والوقائع التي لم يتم، حتى الآن، التوثيق إلا لأقلها من النادر القليل، ولا زالت الذاكرة تغري الباحث النهم بالغوص في الأعمق من أجل الكشف على مكامن الدرر والتحف النادرة، هذا محور له أهميته البالغة التي تقتضي منا أن نعود إليه في مقال قادم.
ونحن نتواجد بالحي الحسنــي ب(دوار العسكر القديم )بمدينة مراكش، وتحديدا بالمركب الثقافي، ونحن نتابع أطوار مسابقة لتجويد القرآن الكريم، هذا المركب الذي يعتبر أحد أبرز المرافق الثقافية بهذا الحي الذي عرف نموا ديموغرافيا ملحوظا، إلى جانب زحف عمراني ملحوظ، وقد أفرز هذا الوضع نسيجا جمعويا ظل يتميز به الحي الحسني، إلى جانب حضور العديد من الفاعلين في مختلف مجالات الإبداع والثقافة، غير أن ما يؤسف له حقا هو غياب المواكبة التنموية لقطاع الثقافة والإبداع وشؤون المجتمع المدني بمدينة مراكش بوجه عام، وبمنطقة الحي الحسني بوجه خاص، في هذا المنحى حاول مجلس مقاطعة المنارة أن يضع لبنات أولى للاهتمام بالمجتمع المدني بمختلف اهتمامات أنديته وجمعياته بمجالات الثقافة والرياضة والشؤون الاجتماعية، فأسس هذا المجلس لبعض المرافق التي جعلها موزعة في نطاقه الترابي، لتشمل تحديدا منطقتي المحاميد والحي الحسني باعتبارهما من الأحياء الكبرى في النطاق الترابي لمقاطعة المنارة، وقد استطاعت هذه البادرة، ولو إلى حد، أن توفر مقرات أمام الجمعيات التي باتت تعقد أنشطتها في تلكم المقرات التي يتصدرها المركب الثقافي الحي الحسني ب(دوار العسكر القديم)، هذا المرفق الذي فتح أبوابه أمام المجتمع المدني وساكنته عام 1995، وهو عبارة عن فضاء فسيح للغاية، يشتمل على العديد من القاعات المتعددة الاستعمالات، إلى جانب قاعة كبيرة للعروض المسرحية وإقامة الندوات والمحاضرات والملتقيات والدورات التكوينية، كما به مكتبة تتوفر على رصيد وثائقي هام للغاية، يختلف بين المؤلفات التاريخية والأدبية والعلمية والاجتماعية، إلى جانب مجموعة قيمة من دواوين شعراء مدينة مراكش، وتعرف هذه المكتبة توافد العديد من الرواد الذين يختلفون بين المهتمين من محبي المطالعة والطلبة الباحثين، ويشرف على تدبير شؤون هذه المكتبة طاقم إداري يحمل هم الكتاب في زمن تراجع فيه الفعل القرائي بشكل عام، إلى جانب قاعة خاصة بربات البيوت اللائي يحفظن القرآن الكريم، ويتلقين تكوينا في مجالات الصناعة التقليدية، وقاعة أخرى لازالت تحتفظ على فن التسفير يعمل بها إطار مختص، وهي من الحرف المنقرضة اليوم.
وتشرف على التسيير الإداري العام للمركب الثقافي الحي الحسني، تحت الإشراف المباشر لمجلس مقاطعة المنارة، الأستاذة الجليلة سناء الهداجي، إلى جانب رئاستها لمصلحة الشؤون الثقافية، ومن المؤكد أن هذه الازدواجية في المهام قد جعلت السيدة مديرة هذا المرفق تؤسس بالفعل لجسر من التواصل بين مكونات جمعيات المجتمع المدني باختلاف اهتماماتها، وبين مختلف الفاعلين في حقل الثقافة والإبداع، فاستطاعت بفعل هذا المخطط الحكيم أن تحقق إقبالا كبيرا على هذا المركب الثقافي من طرف الجمعيات والأندية والمهتمين بمختلف مجالات المعرفة والفنون، ليس فقط على مستوى الحي الحسني، بل على مستوى مدينة مراكش التي لازال مجتمعها المدني تمثله جمعياته، لازال يعاني من غياب مقرات لإقامة أنشطته ولقاءاته.
هذه باختصار أبرز المصالح التي يشتمل عليها المركب الثقافي الحي الحسني بمدينة مراكش، والتي تؤهله بالفعل لأن يعد ضمن المرافق التي تسهم في التأسيس لانفتاح عام على مختلف مكونات مجتمع منطقة الحي الحسني من جمعيات ومهتمين بالشأن الثقافي والإبداعي، فقط نتمنى لو أن مجلس مقاطعة المنارة يواصل اهتمامه بهذا المرفق الثقافي، وذلك بإعادة الحديقة المجاورة له حتى يتسع المجال من أجل إحداث نادي للفكر والثقافة والإبداع بهذا المركب، فمن المؤكد أن هذه البادرة ستكون إضافة هامة سترفع من قيمة هذا المرفق الثقافي، وتزيد من مؤهلاته ليسهم بفعالية في دعم بوادر التنمية الثقافية، وبالتالي سيسهم أيضا في جمع شتات مثقفي ومبدعي ومفكري الحي الحسني، وبالتالي في توحيد المخطط العملي الوجيه لدى جمعيات هذا الحي المراكشي العريق بساكنته: طفولة وشبابا ويافعين، بل ولماذا لا يتم التفكير في إحداث قاعة خاصة بكبار السن من المتقاعدين الذين يسكنهم هاجس الثقافة والفكر والإبداع؟؟؟ فإن للحياة بعد الستين نكهة خاصة يطبعها التجدد واستمرارية التطلع إلى الغد المشرق، في وطن يؤمن دوما أن الخلق والإبداع لا يخضع لمؤثرات الزمان وتقدم الأعمار.