محطة
1030 مشاهدة
. لفظني قطار الساعة الثالثة بعد الزوال في كورتريه،مدينة تلتحف الضباب وتصادق المطر وتضع مساحيق رصاصية تضفي عليها مسحة من الحزن وكثير من الجدية .
اقتعدت مكانا عند مدخل المحطة بحيث تفتح لي المدينة صدرها من خلال ساحة اسفلتية ممتدة خالية من البشر والشجر لان الفصل شتاء والبرد يلسع من تحت الاظافر ،ما يزينها ويزيد كابتي هي حبات المطر الناعم يدغدغ جسم المدينة .كل شيء موضوع بميزان شكل البنايات والاسقف وواجهات المحلات وتفرع الشوارع والازقة من هاته الساحة ،لا شيء يترك للصدفة ،فلقد مر ديكارت قبلي من هنا على راي صديقي الفيلسوف عبداللطيف.
عندما طال بي الجلوس فوق هذا المقعد الخشبي عند مدخل المحطة ،وعندما مسحت بعيني كل تفاصيل ما طالته عيناي من شكل العمارة وترتيبها ،بدات ابحث عن تفاصيل اخرى كان اظل باثا نظري نحو عشيقين يلتصقان ببعضهما في قبلة ابدية والناس تهرول كل الى مبتغاه دون ان تعير المشهد اهمية ،الا انا البدوي القادم من الجنوب حيث الفضول يقتلنا ونظرنا يمتد من الظاهر الى الخفي .وانا اكمل المشهد واعود بذاكرتي الى ضيعتنا وكيف كنت استرق النظر الى مينة حبي الاول ،بل كيف كنت اتلصص عليها عندما تستحم وامها تعنفها لفك ظفائرها ،تذكرت كل علاقاتي المراهقة ،علاقات كانت احيانا لا تتجاوز تبادل النظرات ممزوجة بابتسامة خجولة دليل الرضا .قلت الشرق شرق والغرب غرب .كم نحن بؤساء في هذا الشرق المغمس باهاتنا من السومريين الى امراء بني الاحمر وسقوط غرناطة .
وانا كذلك في شرودي جلست بجواري عجوز شمطاء تحدث نفسها بصوت مسموع ،افسدت علي اللحظة وضيعت علي متابعة القبلة الابدية ونوستالجيا الطفولة .احسست بها ثقيلة كالزمن العربي ،تصدر منها طاقة سلبية مع اكفهرار الطقس واللون الرصاصي يغطي كل العمارة هنا ،حالة تدفعك لطلب المساعدة النفسية من اخصاءي في الموضوع.طال انتظاري وتاخرت صديقتي في المجيء،ربما لم يكن الامر كذلك لو قامت العجوز من جواري ،فهي تزاحمني في نصيبي من الاكسجين .ولكي اداري ثقل الانتظار اخرجت مذكرتي وكتبت ما تقرؤون الان.