ذاكرة دوار عين البيضاء: من الأسطورة إلى الحداثة

تقع عين البيضاء في غرب مدينة مراكش على الطريق الرئيسية رقم 8، في اتجاه شيشاوة على بعد 60 كلم تقريبا. وهي تابعة لجماعة لمزوضية لجهة مراكش آسفي. يحدها شرقا دوار بولخراص وغربا دوار البطمة وجنوبا دوار المعصيرة وشمالا دوار الرحيلات، ويرجع سبب تسميتها بالعين البيضاء حسب بعض الروايات الشفهية: أن فيها عينا يخرج منها صبيب الماء و في غورها تربة بيضاء تستغل في العديد من الاستعمالات كصباغة الجدران الداخلية والخارجية كي تتكشف على بياضها مختلف الحشرات الضارة والسامة، كما تستغل هذه الصباغات أيضا لتزيين مداخل ومخارج البيوت في الأعياد و المناسبات الخاصة وغيرها على أشكال رسومات نباتية كشجرة النخيل المتفرعة الأغصان وزخارف أخرى متنوعة، وتستعمل العين أيضا لسقي أشجار الزيتون والرمان.
وقد نسجت وتشكلت حول هذه العين العديد من الأساطير والحكايات ظل يحيكها الأجداد والآباء لأبنائهم على مر السنين، ويحكى أنه كانت امرأة حسنة القوام ذات جمال فتان وشعر طويل شديد السواد تتحلى بقلادات وأساور من ذهب في عنقها تزين صدرها ومعصميها، تتمطى حصانا شديد البياض مرتدية فستانا أبيض اللون وعلى ظهرها سلهام تقليدي فاقع البياض أيضا، وشاءت الأقدار ذات مرة في جولة لها بالعين أن سقطت إحدى حلييها الذهبية في الماء حينما كانت منهمكة في ارتشاف شربة ماء، وما إن لمس ذلك الحلي الماء حتى بدأت العين بالدوران بشكل قوي سلب وجلب معه المرأة وابتلعتها المياه وغرقت الحسناء في قعر العين. وحسب الرواة من الآباء والأجداد فقد خلف هذا الحادث ذعرا كبيرا وسط أهالي الدوار تلته تحذيرات لجميع السكان خوفا عليهم من جاذبية عمق العين التي كان يتخللها أحياناً دوران قوي من شدة قوة المياه التي قد تتسبب في غرقهم.
ومع مرور الأيام بدأت العين تجف وتنقص من تدفق المياه تدريجيا حتى جفت نهائيا، ولم يبق لها أي صبيب. وحيث أن العين بجوارها مقبرة قديمة فقد رويت عنها أيضا عدة حكايات وأساطير قديمة، كسماع صوت المرأة القادم ليلا من المقبرة حينا أو من العين التي ابتلعت المرأة الحسناء حينا آخر، تلتها طقوس وعادات أخرى، كتحريم قطف فاكهة الشجرة المجاورة للعين التي تفوح منها روائح زكية عطرة لا يتجاوز عبقها وعبيرها حدود محيط الشجرة.
أما من حيث الكثافة السكانية، فيبلغ عدد الساكنة بالدوار حوالي 300 شخص نساء ورجالا وأطفالا وشيوخا، يتمركزون في الدوار الذي به حوالي 40 إلى 50 منزلا بين الشمال والجنوب تفصل بينهما الطريق الوطنية رقم 8، كذلك يحف ويحيط بالدوار حوالي ست إلى سبع دواوير منها: دوار بولخراص، دوارالقوادرة، دوار الرحيلات، دوار لوشوشا ودوار المعيصرة.
يغلب على ساكنة دوار عين البيضاء النشاط الفلاحي ورعي الأغنام وبعض المهن البسيطة. وقد خلفت ساكنة الدوار على مر السنين عدة مآثر تاريخية، لا زالت تشهد على مرورهم من هناك: كدار الأجنبي وكان يدعى حسب الرواية الشفهية « بابس » هو فرنسي الجنسية وزوجته فاطمة الأمازيغية وقد بنى قصرا بجانب الدوار، وعلى مدخل القصر ممر طويل تحفة من الجانبين أشجار النخيل وتحيط به حدائق من الموز والرمان والزيتون والمشمش، وله العديد من الاسطبلات خصصت للإبل والغنم والأبقار وبعض الخيول، يخدمه العديد من السكان من عدة مناطق من المغرب تحت سلطته، وقد خصص لهم عدة منازل تأويهم وأسرهم، ولا زالت أسوار قصر هذا المعمر موجودة حتى الآن بجانب الدوار، وبجوارها مدخل طويل تحفة جدوع النخل التي لا زالت تصارع جفاف المنطقة.
وقد عرف الدوار عدة تطورات سواء في البنية التحتية أو التركيبة الاجتماعية، كان أولها تزويد الدوار بشبكة الكهرباء الوطنية سنة 2006، التي غيرت الحياة اليومية لجميع الساكنة بعد معاناة مع وسائل الإنارة التقليدية كالشموع أو ما يسمى بالفتيلة أو القنديل وتم استبدالها بآلات حديثة وأجهزة كهربائية كالثلاجة والتلفاز وآلة التصبين وغيرها، كذلك تم تزويد الدوار بالماء الصالح للشرب من أحد الآبار القريبة من الدوار وربطه بشبكة محلية لتزويد جميع الساكنة بالماء، كما تم إحداث مدرسة ابتدائية وروض الأطفال بمرافقهم الصحية، بعدما كان ينتقل معظم التلاميذ الصغار ـولمن توفرت له الظروف- إلى مدرسة تسمى مدرسة الطريفة المجاورة للدوار، أيضا تم إنشاء طريق معبدة تربط الطريق الوطنية بوسط الدوار الشيء الذي سهل الولوج إليه بكل سلاسة مما سهل إعادة هيكلة بعض الدكاكين ومرافق أخرى، بعدما كان السكان ينتظرون السوق الأسبوعي لاقتناء حاجياتهم الضرورية من أجل العيش، كما تم تجديد وترميم المسجد الخاص بالدوار وعرفت أيضا البنايات والمساكن تطورا ورونقا ملموسا على مستوى مواد البناء، كالإسمنت والآجور، بدل الوسائل التقليدية من التراب والتبن. كما تم تطوير مطحنة الحبوب ومعصرة الزيتون بآلات حديثة.
وعرف دوار العين البيضاء أيضا تحولات على مستوى الأجيال، حيث نشأ جيل جديد مثقف، فرض نفسه ومكانته في عدة مجالات: كالإدارة والتعليم أو في القطاع الخاص أو غيرهما من المهن الحرة الأخرى لخريجي مراكز التكوين المهني. خلقت تنافس الأجيال الصاعدة والمتطلعة لما هو أحسن.
ورغم هذا كله يبقى دوار عين البيضاء وباقي الدواوير المجاورة له في حاجة ماسة للمزيد من الإصلاحات وتقوية البنية التحتية والاعتناء بالعنصر البشري كطاقة فعالة في تحريك عجلة النمو نحو التقدم لما فيه خير المنطقة ككل.