عجوز تُدعى ‘‘ مراكش العتيقة ’’ تنهار بالبكاء بعد تعرضها للخيانة من طرف أبنائها

1883 مشاهدة

عجوز تُدعى ‘‘ مراكش العتيقة ’’ تنهار بالبكاء بعد تعرضها للخيانة من طرف أبنائها
 لم يتوقع سعيد , الشاب المغترب , أن تصل درجات شوقه و تَوقه لمسقط رأسه هذا الحد . حد انفلات قطرات دمع من بين رموشه المنطبقة ،في ليلة ممطرة هناك في ذلك البلد البعيد ,ليجد نفسه مجبراً على وضع تلك الصور التي تسببت في بكائه جانباً , ثم ارتمى فوق فراشه معلنا استسلامه للذاكرة التي عادت به إلى الوراء قليلا . و جعلته يستحضر ذكرياته بأحياء مدينة مراكش , حيث ولد و ترعرع .
    كان في البداية يحاول إخفاء رغبته في العودة إلى مدينته ,يتذاكى و يتظاهر بذلك  , لكنه اعترف أخيراً بشوقه لبلاده الأصل , فاستدرك الأمر و أنهى المشهد الحزين، لينسحب من اللعبة بشرف . بعدما فشل في مقاومة دموعه الصادقة  . سعيد شاب لم يكن معروفا وسط أحياء المدينة الحمراء , أنيق على بساطة هندامه و شعره على الدوام مُجفف بعناية . كان يقضي جل يومه في المنزل يلبي طلبات أمه التي كانت طريحة الفراش . قبل ان تنتقل إلى جوار ربها .
  لم يتحمل الشاب سعيد العيش وحده بعد رحيل أمه , فقرر المغادرة للبحث عن حياة جديدة , و هذا ما تأتى له بعد حصوله على وظيفة خارج الوطن ليصبح مغتربا لمدة تجاوزت عشر سنوات , لكن الشوق استوقف الشاب الوسيم في هذه الليلة الشتوية المضلمة , و تسلل إلى روحه و كيانه تَوق لم يستطع الفكاك منه , شعر بشيء أقوى من الاشتياق و أعمق من الحالة . فشل شامل طال روحه و وجدانه .
    حان وقت العودة , هكذا صاح الشاب بدون شعور , كررها عدة مرات حتى تأكد من أنه المتحدث و ليس شخصا آخر . دار حوار حاسم بينه و بين نفسه , لم يكن الأمر يتطلب وقتا طويلا ,لأن رغبته ساهمت بشكل كبير في المصادقة على العودة إلى  مراكش  , حزم حقائبه مباشرة بعد نهاية ذلك الاجتماع المفاجئ  ,انتابه شعور الفرحة و السعادة ,فاستولى عليه و لم ينم تلك الليلة .
    حط سعيد الرحال بمطار مراكش المنارة , و اتجه نحو بيته الكائن بالداوديات , تفقد البيت و فشل في التصدي لدموعه من جديد , أخذ قسطا من الراحة وبعدها قرر الخروج لمحاكاة روح الماضي و ذاكرة أحياء المدينة , و ما أن خرج من بيته تعرضت سبيله عجوز بالقرب من مسجد ‘‘ الكتبية ’’ ، يبدو عليها التعب بشدة , أخذت تمسح دموعها بأصابع مرتعشة منكسرة تحاول الاستقامة قليلا تم تعود فتنثني قبل أن تنطوي على ارتعاشها .لم تعد قدميها تستحملانها فجلست بمساعدة من الشاب .
   شرعت تشتكي كثرة همومها على الشاب سعيد الذي كان صاغيا منتبهاً لكل كلمة تبوح بها العجوز المنهكة .ارتجافها و خوفها ودموعها التي تسيل على وجناتها بغزارة كلها عوامل آثارت انتباهه و جعلته مُطيعاً لرغبتها في حكي معاناتها . حاول أن يهدأ من دهشتها قبل أن يسألها عن اسمها , صمتت لبعض الوقت ثم همست بنبرة حزن وخوف أنا ‘‘ مراكش العتيقة ’’ , ألا تعرفني وأنت واحد من أبنائي ؟
   تلعثم سعيد في عباراته , و أخذ يتأمل فيما آلت إليه أوضاع مراكش , تلك الجميلة الحمراء, تلك الساحرة التي يعشقها الصغير و الكبير بالمغرب وأنحاء العالم , تساءل خفيةً أين ذهبت بهجتها و سرورها ؟ أي فكاهتها و ابتسامتها الدائمة ؟ لماذا أصبحت حزينة وكئيبة بهذا الشكل المبكي ؟ استدار نحوها و تلكأ مرة أخرى فلم يجد من الكلمات ما يسمح له بمواصلة الحوار و معرفة المزيد عن الأمر , ساحة جامع لفنا الفارغة زادت من صمت الشاب , تلك الساحة الفنية التي لطالما امتلأت زواياها بالزوار المحليين و الأجانب , أصبحت مكان للأشباح , شرع سعيد في اكتشاف باقي هموم مراكش التي لم تكف عن البكاء منذ جلوسها , محاولة إخفاء ولهات شهيقها و زفيرها التي تكاد تحبس أنفاسها .
   أضافت السيدة العجوز مراكش للشاب , لا أعرف يا بني لما  يفعلون بي هكذا  ,وضعتُ ثقتي بهم و سلمت لهم زمام أموري وفي النهاية صفقوا لقرارات عدة لا تخدموا مصالحي البتة , منعوا السياح المحليين و الأجانب من زيارتي منذ ظهور ذلك المرض الخبيث , عشت سنة تعيسة مع أبنائي الذين فُرض عليهم الحجر الصحي ,بعضهم أغلقت محلاتهم التجارية و مطاعمهم كليا و البعض الأخر جزئيا , استبشرنا خيرا بحلول السنة الجديدة لكن حلم أبنائي لم يكتب له التحقق , ما يزالون يقبعون في ظلمات الفقر . أصبحت مشاعر سعيد واضحة وكذلك موقفه من هؤلاء الذين خذلوا السيدة مراكش العتيقة .
   و بعد جولة له في أرجائها , لم يستوعب سعيد الحالة المزرية التي أصبحت تعيشها العجوز و كذا الخيانة التي تعرضت لها من طرف من تظاهروا بحبهم لها . و الذي أثار استغراب سعيد أكثر هو أن هؤلاء الخونة أبناء مراكش , اختاروا الزج بها نحو الهلاك عوض الدفاع عنها , و العناية بها لتجاوز محنتها .
اخر الأخبار :