التلوث بالمعادن الثقيلة يهدد ربع المأكولات البحرية في العالم
1836 مشاهدة
لا نهاية لما يكتشفه العلماء من الآثار السلبية للتلوث الناتج عن الأنشطة البشرية في المياه البحرية، ففي مقال نشره موقع « ذا كونفرسيشن » (The Conversation) البريطاني بتاريخ 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تناول برايس ستيوارت ورولاند كروغر الباحثان بـ »جامعة يورك » (University of York) نتائج دراسة جديدة شاركا فيها ونشرت في دورية « ساينس أوف ذا توتال إنفيرومنت » ( Science of the Total Environment).
اكتشف الباحثون في الدراسة عن طريق الصدفة، أن التلوث بالمعادن الثقيلة، وحتى التركيزات المنخفضة نسبيا منه، يتسبب في نمو أصداف « إسقلوب » (Scallop) ضعيفة؛ مما يجعلها عرضة للأكل من قبل السرطانات والكركند، ويؤدي إلى تداعيات بيئية واقتصادية كبيرة.
فالرخويات « ذوات الأصداف » (Shellfish) مثل الإسقلوب وبلح البحر والمحار، تمتص بسهولة جزئيات صغيرة من المعادن في أنسجتها وأصدافها؛ لكن التركيزات العالية من هذه المعادن قد تضر بفرص نموها وبقائها على قيد الحياة؛ بل وتهدد صحة أي إنسان يأكل لحومها الملوثة.
وحيث إن تلك الرخويات تمثل ربع المأكولات البحرية في العالم، لذا فإن تأثير التلوث من « المعادن الثقيلة » مثل الرصاص والزنك والنحاس، مسألة مهمة للغاية.
أصداف لاكسي
قام الباحثون بدراسة آثار التلوث المعدني على « الإسقلوب العظيم، أو الإسقلوب الملك » (the great scallop, Pecten maximus)، وهو نوع شائع يدعم المصايد الأكثر قيمة في إنجلترا، كما أنه يأتي في المرتبة الثالثة من حيث القيمة في المملكة المتحدة بشكل عام.
اكتشف الباحثون لأول مرة آثار التلوث هذه بالصدفة، أثناء إجراء مسوحات تقييم المخزون الروتينية حول جزيرة مان، وهي جزيرة تتمتع بالحكم الذاتي وتقع بين بريطانيا وأيرلندا، ولاحظوا أن الإسقلوب الموجود في منطقة صيد الأسماك في قرية لاكسي (قبالة الساحل الشرقي) لديه صدفيات تالفة بشكل مميت أكثر من الإسقلوب في أي مكان آخر.
وتشتهر لاكسي بأكبر عجلة « ساقية » مائية في العالم، وهي مثال للهندسة الفيكتورية المستخدمة في ضخ المياه من منجم ينتج الرصاص والنحاس والفضة والزنك، وبالرغم من إغلاق المنجم في عام 1929؛ إلا أن إرثه ما زال باقيا، فالرواسب في الأنهار والمصب ومياه البحر حول لاكسي غنية بالمعادن بشكل غير طبيعي.
ووفقا للباحثين في الدراسة فإنه من اللافت للنظر أن التعدين منذ 100 عام ما يزال يؤثر على الحياة البحرية بهذه الطريقة؛ لذلك قد نحتاج إلى إعادة التفكير في كيفية تقييم وإدارة مخاطر التلوث المعدني.
يقول ستيوارت وكروغر في مقالهما « بدا الأمر كما لو أن التلوث المعدني قد يكون مسؤولا عن الأصداف التالفة التي اكتشفناها، ولاختبار هذه الفرضية، قمنا بتحليل قوة أصداف الإسقلوب التي تم جمعها من لاكسي ومناطق الصيد الأخرى حول الجزيرة في عامي 2004 و2013″.
في كلتا المجموعتين، وجدنا أن أصداف لاكسي أضعف بكثير من تلك الموجودة في جميع المناطق الأخرى، وكشف التحليل المفصل أن أصداف لاكسي كانت أرق نسبيا من الأصداف الموجودة في مناطق أخرى، وأن الهيكل الداخلي للصدف يحتوي على خلل أو خط صدع ».
يضيف الباحثان « لم نكن قادرين على اكتشاف المعادن في الأصداف نفسها؛ لكننا نعتقد أنه حتى الكميات المنخفضة من المعادن إما أنها تؤثر على فسيولوجيا الإسقلوب أو تعطل التفاعلات الكيميائية أثناء عملية التمعدن؛ أي زراعة القشرة ».
ووفقا لعلم السموم البيئية، فإن ما تمت ملاحظته في هذه الدراسة هو أن الأصداف الضعيفة لا تقتل الإسقلوب بشكل مباشر؛ ولكنها بدلا من ذلك تجعلها أكثر عرضة للوفاة.
الملوثات البيئية
نادرا ما يتم أخذ هذه الاستجابات في الاعتبار عند تقييم تأثيرات الملوثات البيئية، ويعد هذا مصدر قلق كبير؛ لأن مستويات التلوث المعدني التي تمت ملاحظتها كانت بشكل عام أقل من الحدود التي يُعتقد أنها تؤثر على الحياة البحرية، ومن ثم اعتبار الإسقلوب آمنا تماما للأكل.
وتعد المعادن مكونا طبيعيا للأنظمة البحرية، وقد تكون التركيزات الضئيلة ضرورية لدعم الحياة، ومع ذلك، فقد زادت الأنشطة البشرية من تركيزاتها في العديد من البيئات البحرية، لدرجة أنها أصبحت سامة، ويأتي هذا التلوث من مجموعة متنوعة من المصادر مثل الجريان السطحي والتعدين والنشاط الزراعي والصناعي واستغلال النفط والغاز البحري.
وعلى الرغم من اللوائح الحديثة الأكثر صرامة، التي تتحكم في استخدام المعادن في البيئات البحرية؛ إلا أنها ما تزال تشكل تهديدا متزايدا، ويرجع ذلك إلى أن المعادن الثقيلة شديدة الثبات، ولا تختفي بمرور الوقت.
كما يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم المشكلة؛ لأن ارتفاع هطول الأمطار يؤدي إلى زيادة الجريان السطحي من المناطق الملوثة، ويزيد احترار المحيطات ومعدل امتصاص وسمية المعادن في مياه البحر.