بمناسلة ذكرى المسيرة الخضراء.. تامصلوحت بايعت الحسن الأول قبل فاس
1811 مشاهدة
إذا عرف التاريخ القديم بالملاحم البطولية، التي سجلتها الإلياذة و الأوديسة الإغريقية اليونانية المطبوعة بالخوارق والايدولوجيا، فإن التاريخ الإسلامي شهد ملاحم واقعية، بدأت مع مسيرة التشييد لصرح المجتمع الإسلامي، مجتمع بني على التقوى من الله، فكانت ملحمة بدر الإيمانية، وملحمة فتح مكة، وتلتها الملاحم عبر الزمان والمكان، أما العصر الحديث فقد شهد أعظم ملحمة مغربية سلاحها الإيمان والطاعة، في زمن لغته البندقية، وأسلحته الدمار الشامل، جاءت المسيرة الخضراء لتؤكد استمرار روح البيعة العلوية والحرص على التشبث بالوحدة الوطنية، فكان الانتصار مصداقا لقوله تعالى: « إن تنصروا الله ينصروكم ويثبت أقدامكم ».
انطلقت هذه المسيرة السلمية بكلمات قوية، مليئة بالإيمان الصادق، واليقين في التحقق، خطاب جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، الموجه إلى شعبه الوفي، يوم 5 نونبر سنة 1975م: »غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غدا إن شاء الله ستطئون طرفا من أراضيكم، وستلمسون رملا من رمالكم، وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز ». فكان الشعب ملبيا لهذا النداء، يتزاحم على الصفوف الأولى في حربه ضد طرد المحتل الإسباني من أراضيه الصحراوية، وسلاحه محمولا في كلتا يديه، باليمنى قرآن كريم، و باليسرى علم يرفرف بالسماء. وقد دائب المغاربة ملكا وشعبا في الاحتفال بهذا الحدث التاريخي الهام، الذي يصادف السادس من نونبر بكل سنة، للتعبير عن البيعة المقدسة بين الملك والشعب، والسير قدما نحو تحقيق مسيرة النجاح والتنمية، وصفعة في وجه خصوم وأعداء الوحدة المغربية.
شباب مراكش يشارك بالمسيرة ويتحدى خوف القتل أو الطرد من العمل:
تنطلق معجزة الزمان لتخضر بها الصحراء المغربية بعد خطاب صاحب السمو الملكي ولي العهد محمد السادس آنذاك أمام متطوعي مراكش و باقي الأقاليم الوافدة إليه، هذا مقتطف من نص الخطاب كما أوردته مجلة دعوة الحق الصادرة عن وزارة الأوقاف في عددها 166: »إخواني المواطنين أخواتي المواطنات. إنكم منطلقون من هذه المدينة، التي هي ثمرة من ثمار الوحدة، وذروة نفيسة من دور بلادنا في عقد الأصالة والمجد، إن هذه المدينة التي شهدت باعتزاز وشرف عبور، أفواج مسيرتنا الخضراء نحو أراضينا العائدة بعون الله، قد شهدت قبل اليوم، منذ قرون قد خلت، عندما أسسها قائد من قواد هذه البلاد الميامين الأبطال، وملك من ملوكها الصيد الغطاريس قائد انتفاضة جيوش المواطنين الوافدين من الصحراء قائد نحو أراضي الجهاد ، في سبيل الإسلام والمسلمين، وكانت مدينتكم هذه، فيما تولى من أحقاب تاريخنا المليء بأروع الصفحات منطلقا من مسيرات غراء وملتقى ذائع الصيت لأعلام الفكر وفطاحل العرفان. ».
شد أهل مراكش العزم على التطوع بهذه المسيرة كما هو حال باقي الأقاليم بعد الخطاب التاريخي، فكانت صفوف الشباب كما الشيوخ، النساء كما الرجال، هذا ما حكاه لنا محمد بن علال بن إدريس من دوار اشعري العزوزية وهو بعز شبابه يشارك في هذه المسيرة يقول: »عندما قرر الملك الحسن الثاني رحمه الله المسيرة الخضراء جاء عندي صديق لي وكنت يومها بالعشرين من عمري، كنا نشتغل بشركة البناء، كان لصديقي رغبة قوية بمتابعة ما يجري حول استكمال الوحدة الترابية، وكان له هوس بترك بصمة نضالية في حياته، وهو ما جعله متتبع لخطاب الملك، وأول ما سمع بالخطاب أخبرني بأنه سوف يشارك بالمسيرة الخضراء، فقررت أن أشارك معه، رغم أني كنت الولد البكر لأهلي، ورغم تحذيرات الناس بأن من يشارك قد يقتل، ومن يعيش قد يطرد من عمله، لم أهتم بكل ذلك أمام تلبية النداء الوطني، وذهبت وأنا مستعد لما يجري سواء الموت في سبيل الوطن أو الفوز باسترجاع الصحراء، ذهبنا إلى مركز هنا كان يسمى دار الدجاج وهو مكان للتسجيل المتطوعين، تسجل صديقي و دخل إلى المركز، فأوقفوا التسجيل و أغلقوا الباب لأن العدد كان كبيرا جدا، في حين تسلقت الجدران ونزلت من سطح البناية فسجلوني وكنت الرقم 120762، وانطلقت الأفواج في اتجاه الصحراء، باقي المدن كانوا بالحافلات، ونحن كنا بالشاحنات، ليس لنا سلاح، فما كنا نحمل معنا إلا بعض الأغراض من ملابسنا، وهناك من كان يحمل العلم الوطني والقرآن الكريم، وصور لسيدنا، استقرينا بمنطقة كلها رمل ورياح قريبة من طرفاية لأزيد من عشرين يوما، نصبنا الخيام، تحمل كل خيمة تقريبا ما بين عشرين أو ثلاثين شخصا، ووزعوا علينا المواد الغذائية مثل الزيت والدقيق والسردين وغيرهم، وكنا نطبخ بأنفسنا بحيث يتشارك من داخل هذه الخيمة كل خمسة أو ستة من الأفراد، لم ينقصنا شئ، حتى من كان يدخن اهتموا بتوفير السجائر لهم، استمر وجودنا بهذه المنطقة لغاية ما أمرنا الملك بالرجوع، الشيء الذي أتذكره قبل الرجوع أن أهل مراكش تجمعوا و طلبوا الحصول على البطاقة التي أعطانا سيدنا، أسوة بباقي المدن التي سمعنا أنها أخذتها، فقد قيل لنا سوف تتوفرون عليها عندما تصلون إلى مراكش، فرفضنا وقلنا بلسان واحد، سيدنا أعطانا البطاقة فيجب أن نتوصل بها الآن، وبالفعل أخذناها يومها وها أنتي تنظرين لها اليوم أحتفظ بها للذكرى الغالية علينا ».
كانت مسيرة سلمية طبعتها الروح الوطنية، بالرغم أن كثير من المشاركين هددوا بفقد العمل والطرد إذا شاركوا بها، بل من بين المتطوعات من هن على وشك الولادة ومع ذلك لم يثنيهن شيء عن الاستجابة للنداء الروحي الذي يربط الملك بالشعب، يتابع محمد بن علال كلامه: »كثير من النساء شاركن وهن بوقت الولادة وهناك من أتاها المخاض وأنجبت خلال هذه المسيرة، وقد شاركت معنا من نفس المنطقة التي أسكن بها فتاة شابة، وعندما وجدناها بالشاحنة قلنا لها ألا تخافي؟، فقالت: وهل تخافون أنتم؟ » ».
منطوق المسيرة تحرير الصحراء المغربية، ومفهومها نفحات إيمانية
تحدثت لنا الزهراء ناجية الزهراوي عضو المجلس العلمي بمراكش، عن كون المسيرة الخضراء مفهوم مستحدث في تاريخ الفكر المعاصر، ويبدو أن جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، هو أول من أحدث هذا المفهوم عند إعداده للمسيرة الخضراء لاسترجاع الأراضي المغربية سنة 1975، وبهذا التاريخ شهد العالم كله مسيرة المغرب السلمية، في نظامها وورشها وتصميمها، متيقنا أنها كانت أسلوبا جديدا للتحرير واسترجاع الوحدة الترابية، والحقوق المغتصبة، فأدخل هذا المفهوم إلى معجمه السياسي. لذلك المسيرة الخضراء هي من إبداع جلالة الملك، رغم ما يقال عن نضيرها بالتاريخ القديم والحديث، كمسيرة ماو سيتونك التي نظمها سنة 1934/ 1936 من أجل طرد تشينغ، المسيرة الخضراء هي المسيرة المعجزة، والمعجزة في العقيدة الإسلامية، تميز بالتحدي، فالأنبياء والرسل تحدوا معارضيهم بالمعجزات التي أظهرها الله سبحانه وتعالى على أيديهم، والمعجزة في دلالتها اللغوية أعم واشمل من كمالها الاصطلاحي، معجزة المسيرة في نضال المغرب من اجل الاستقلال بقيادة عاهل البلاد مردها الهمة، والنشاط، والإقدام، ونكران الذات، وليس الأمور الغيبية وخرق العادات التي هي للمعجزات الدينية. أعطى الحسن الثاني اللون الأخضر لهذه المسيرة السلمية لكونه رمز السلام والأمن، والخصب. يقول جلالة الملك الحسن الثاني في خطاب العرش 1976″انطلاقا من أن المغاربة يستحقون كل التقدير لأننا نظمنا مسيرة وهذا جيد في حد ذاته مدهش باهر، ولكنه وقف عندما طلب منه الوقوف، فذلك هو معجزة الزمان، ومعجزة القرن. » لقد عزم جلالته على تنظيم المسيرة السلمية، عزم استمده من سيرة جده المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي نظم أول مسيرة سلمية في تاريخ البشرية، ففي فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالخروج مسالمين إلى مكة، ومعهم وفود القبائل العربية لتحدي قريش، لأنها لا تملك السيادة على مكة، مدركين أن البلد الأمين ومقدساته جزء لا يتجزأ عن وطن المسلمين، وصلة الرحم مع أهلهم، واحترام مقدساتهم، مسالمون بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، يؤكدون الطابع السلمي بكل وسيلة ممكنة، حتى يكون عدوان قريش بشعا وغادرا بوجه عمرة المسلمين المسالمة. بعدما يمر خمسة عشر قرنا، يصدر أمر الملك الحسن الثاني بمسيرة الفتح السلمية تيمنا بجده عليه السلام. وتنتصر معها المفاهيم التي تطالب بالعودة الواعية للمثقف في الإسلام. فمتى أمكن لدولة أو تنظيم سياسي أن يضبط سلوك لمثل هذا الحشد من البشر، ذو العزيمة القوية، مستمدته من الإيمان الراسخ، يقول الملك الحسن الثاني مساء 15نونبر سنة 1985: » فعلا شعبي العزيز لقد عزمنا وعزمنا جميعا ككل مرة في التاريخ، قررنا أن نعزم، عزمنا وقررنا أن تسير بمسيرة سلمية خضراء مدعمين بحقوقنا، محاطين بأشقائنا ورفاقنا، معتمدين قبل كل شيء على إرادتنا وإيماننا « . هذه العزيمة لها ثلاثة دعامات، أولا الحقوق المشروعة للمغرب والتي أقرتها محكمة العدل الدولية، ثانيا الأشقاء والرفاق، ثالثا الاعتماد قبل كل شيء على الإرادة المنبثقة من الإيمان، والإسلام حبب الاستشهاد في سبيل الحق، وغرس في المؤمنين الإيمان بالقضاء والقدر، وأن النفس لن تموت إلا بأجلها، قال تعالى: » وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ».سورة أل عمران. بعد خطاب الملك « غدا إن شاء الله سوف تخترق الحدود » تأكد كل العالم أن غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، وتتولى النفحات الإيمانية لتنظم في عقد المسيرة جواهر لامعة كلما مرت السنين ازدادت بريقا يقدح سنان الفكر ليستنبط المعجزات. جلالته أننا لا نريد حربا مع اسبانيا، يقول : » كما قلت لك في خطابي الأول، إذ ما لقيت إسبانيا كيفما كان ذلك الإسباني، عسكريا أو مدنيا، فصافحه وعانقه واقتسم معه مأكلك ومشربك وأدخله مخيمك، فليس بيننا وبين الأسبان غل ولا حقد، فلو أردنا أن نحارب الاسبان لما أرسلنا الناس عزلا، بل لأرسلنا جيشا باسلا، ولكننا لا نريد أبدا أن نطغى ولا أن نقتل ولا أن نسفك الدماء، « ، وهذا هو التسامح الإسلامي. فلا إضغان ولا أحقاد، أنما هو استرجاع الحق المغتصب سلميا، ثم يزود الحشود بشحنة إيمانية، تقوي عزيمتها بقوله: » شعبي العزيز، فسر شعبي العزيز على بركة الله تكلأك عنايته وتحف بك رعايتك، وسدد الله أقدامك وخطاك وجعل هذه المسيرة مسيرة فتح مبين على الشعب المغربي »، ويكون الغد، وتخترق الحشود الحدود سلاحها كتاب الله، والإيمان والعزم. إن كلمة إن شاء الله، وما حاول أن يلصقه بها المخطئون هي من قبيل التواكل، والتسويف، وعلى مسمع من العالم يصدر أول توجيه للمتطوعين العزل إلا من الإيمان وحب الوطن يقول جلالته بمجرد ما تخترق الحدود عليك أن تتيمم على الصعيد الطاهر بتلك الرمال ثم تستقبل القبلة وتصلي بأحذيتك، لأنك مجاهد، ركعتين شكرا لله تعالى. كما قال الفقهاء:
فإذا الحسن بدا فاسجد له فسجود الشكر فرض يا أخي. صلاة الشكر اقشعرت لها أبدان كل من عاش تلك اللحظة، وأدرك الجميع أنه إيمان مبين يقتسمه ملك وشعب. وتقدمت الحشود 19 كلمتر متوغلا في الصحراء، ويصدر جلالته رحمه الله، الأمر بالتوقف والرجوع إلى نقطة الانطلاق، فيتوقف الجميع، ولا يتقدم قدر أنملة، ويقفل الكل راجعا ملبيا النداء، غنيمتهم النصر، ويلمحه العالم كيف استطاع الملك أن يوقف 350 ألف متطوع بمجرد كلمة، هنا يحكي جلالة الملك في كتابه ذاكرة ملك: »لم يكن انتصار المغاربة بمسيرة الصحراء أكثر صعوبة بل كان أكثر من ذلك هو التأكد من أنهم يعودون بنظام وانتظام عندما يتلقون الأمر بذلك وهم مقتدرون أن النصر كان حليفهم وهو ما حصل بالفعل »، ويحكي جلالته واقعة طريفة حكاها له خوان كارلوس عن صحافي اسباني استقل سيارة أجرة بأكادير للالتحاق بالمسيرة الخضراء بطرفاية على بعد 100كلمتر من أكادير، « سمع السائق خطابي الذي أعلنت فيه العودة، فتوقف السائق على الفور، وعاد على أعقابه، فسأله الصحفي وهو في غاية الاندهاش ترى ماذا دهاك، فأجابه السائق لقد أمرنا ملكنا بالعودة وعلينا أن نمتثل لأمر سيدنا »، وفعلا توقف 350الف مشارك بمجرد أن أمرها بالتوقف، وهذا ما لم يكن ينتظره الأعداء ولا حتى الدول الكبرى.
المسيرة الخضراء رمز الترابط العلوي بالشعب المغربي:
تؤكد الزهرواي على أنه فعلا توقفت هذه الحشود عند الخطاب، ولكن نسى الجميع أن بين الملك والرعية رباط البيعة، والبيعة تعاقد مقدس، وميثاق وطاعة لولي الأمر، يقول ابن خلدون في كتابه المقدمة: »البيعة هي العهد وعلى الطاعة كان المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في شئ من ذلك، ويتبعه في كل توبيت من الأمر على المرشد والطاعة ». وقد عظم الله من شأنها وحذر من نكثها، « إن الذين يبايعونك أنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنؤتيه اجر عظيما »، والبيعة فرض عين على المسلم بالغا راشدا ينوب عنه أهل الحل والعقل، هذه البيعة عليها المغاربة منذ عهد إدريس الأكبر اقتداء بسنة النبي صلى الله عليه واله وسلم، عند بيعة العقبة الأولى، ثم العقبة الثانية ثم بيعة الرضوان، يقول عز وجل : »وإذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شئ ولا يسرقن ولا يزنين… » ثم في بيعة الرضوان : »لقد رضي الله عن المؤمنون إذ يبيعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ».سورة الفتح، والبيعة عهد مؤكد وهو ما عليه المغرب وجعله مؤسسة عمومية وقاعدة استمراره، منفردا به عن باقي الدول في المحافظة عليه والتشبث به، فتلاحقت مسيرة البيعة بين الملوك العلويين أبا عن جد، ومن نتائج البيعة لملوك الدولة العلوية الشريفة الدفاع عن الوطن، من مقدساته وحرمته، فأمير المؤمنين له مفهوم واسع في المغرب، فهو رمز يحمل أطيب الدلالات وأقدس الشعارات، يقول جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني في كتاب التحدي: » ولكن عندما يكون هذا الملك في نفس الوقت أمير للمؤمنين تكون مسؤوليته أمام الشعب أكبر وأسمى كذلك »، ولعل أكبر مسؤولية هي التي عبر عنها الملك محمد السادس في خطاب لتشييد المجلس الديني سنة 2004م، يقول : » وما تقتضيه البيعة المقدسة من حماية الملة والدين ». فالعهد بين المغاربة متجدد في هذه الذكرى، وعبر عنه 350 ألف متطوع شعارهم قوله تعالى: »يأيها الذين أمنوا أطيعوا الله الرسول وأولي الأمر منكم ».سورة النساء.
تصادف الذكرى 44 للمسيرة الخضراء المناورات الأخيرة لبعض الجهات و موقفها المفاجئ من قضية الصحراء المغربية ، قضية حق يراد بها باطل، منهم من يماطل بتحديد موقفه الصريح، ومنهم من يصرح بالتزييف، وهو ما نفاه الموقف المغربي الذي يركز على مفهوم الوحدة الوطنية ويعتبرها أهم ركيزة في مسلسل التطور والتنمية، المتمثل في الحكم الذاتي الذي سبق و تقدم به المغرب وهو المقترح الذي من شأنه تمكين النخب المحلية بالمنطقة الجنوبية للمغرب من تدبير شؤونهم تحت سيادة المغرب، وفتح آفاق واعدة من أجل بناء صرح المغرب الكبير، وتحصين المنطقة من أخطار التطرف والعنف وسفك الدماء، وتشجيع التنمية الشاملة.
وما الاحتفالات المراكشية بالمسيرة الخضراء إلا مشهد من مشاهد التلاحم القوي بين الشعب المغربي مع قيادته العلوية، و صفعة في وجه خصوم الوحدة الوطنية وبالمناسبة فقد عبر الدكتور حسن المازوني أستاذ الدراسات الشرقية بجامعة القاضي عياض بمراكش في زاوية حرة عن:
الموقف المزعوم في مشروع إصدار قرار بخلفية الاعتراف بالكيان الوهمي حول الصحراء المغربية من طرف فصيل في الحكومة السويدية لم يجد طريقا إلى الصدور والتنفيذ لأن الحق صدح والمشروعية المغربية بكون المغرب في صحراءه والصحراء مندمجة في مغربها لأسباب سنلخصها في النقط التالية .
أولا المغرب كان ضحية استعمارين الأول في الشمال والثاني في الجنوب وملحق بالشمال جنوب الصحراء المغربية جغرافيا وتاريخيا وقانونيا من امتداده إلى المغرب الأم لأنه منبر الإسلام حسب المفهوم الشرعي تأيد ذلك بقرار محكمة لاهاي لأنه كان ترتبط بالوطن الأم روابط شرعية قبل ظهور المفهوم الوضعي للسيادة .
ثانياً الوضع الحالي لذلك المفهوم المزعوم
يتنافى مع القانون الدولي وتفرد منظمة الأمم المتحدة يوصل إلى حل سياسي قانوني يرضي الأطراف دون المساس بالوحدة الوطنية للمملكة المغربية في إطار مشروع الحكم الذاتي الذي وجد ثدى لدى الدول غربها وشرقها وشمالها لأنه الحل الأمثل لمعضلة طال أمدها وبتدخلات سافرة لبلد جار له خلفيات ظاهرة وخلفية تمتد جذورها إلى احتلال مناطق عديدة في الجنوب الشرقي ومحاولة المغرب استرجاعها فكانت قضية الصحراء المغربية رغم معاكسة الجار للمد التحرري ولم الشمل للأطراف المتنازعة وقت الإستعمار وهي مقايضة خاسرة لا أخلاقية ولا إنسانية عانى منها المغرب ولا يزال رغم أن مغربية الصحراء معززة بالقانون والجوار والجغرافية والمصالح المشتركة لشعوب المنطقة .
ثالثاً إن تدخل المغرب في لجن موازية أوضح لمن يعنيه الأمر ولدولة السويد وغير من الدول الموقف الحقيقي القانوني للمغرب في صحراءه مع تفنيد أطروحات من يهمه تشتيت الوحدة الوطنية لا لسبب إلا المشاكسة والعرقلة وصنع الذرائع الكاذبة وإغلاق باب الحوار الذي طال واستطال. هذا على الصعيد الدولي وأما على الصعيد الوطني فإن قصبة الصحراء المغربية ليست من اهتمام الدوائر الحكومية فحسب بل إنها من صميم الإرادة الشعبية .ولا يمكن الفرز بين من هو مسقط رأسه في وجدة في الشرق ومن هو مولود في ناحية من نواحي الصحراء المغربية لأنه نسل مغربي أصيل ضارب في العهود الغابرة في التاريخ تلفه وحدته الترابية شرقا وشمالا إلى تخوم الصحراء على امتدادها وتوسعها شرقا وغربا.
ويتضح هذا الواقع بانتفاضة الشعبية بدليل إجماع كافة المواطنين ومن كل فج لا فقط للاحتجاج والتظاهر بقوة القانون عند الاقتضاء بالتضحية بالنفس والنفيس وذلك ما وقع بعفوية في الرباط من طرف النسيج الجمعوي بحيث كانت لحظة مؤثرة لن يستطع أحد أن يجاحد أو يجحده .وللتذكير فإن الحسن الثاني رحمه الله سئل في نفس الموقف فقال قولته الحكيمة لن يتخلى المغرب عن صحرائه ما بقي رجل مغربي يحمل عصى في يده وقبل ذلك جاء خطاب ملكي للراحل الحسن الثاني رحمه الله يعلن فيه قسم المسيرة ردا على من يشوش ويناور ضد استرجاع المغرب لصحرائه في فهم مغلوط ومدسوس وبأن القضية تدخل صمن اختصاص إنهاء الإستعمار لأن القواعد الدولية تتأسس بداية على رجوع الجزء المحتل إلى الوطن الأم. وموقف المغرب لازال على حاله في وقتنا الحالي عبر الخطابات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله والذي مافتئ يؤكد الموقف الثابت الصلب الذي لا تراجع عنه بل إنه سن بإجماع الشعب في إطار الجهوية الموسعة والمتقدمة كحل قانوني وشرعي ومرض لكل الأطراف. في حين أن الأطروحة المغلوطة والمعارضة لم تقدم ولم تؤخر بل بقيت على موقفها العدائي الذي لا يستند على أساس قانوني. فأما الصحراويون المغاربة فقد برهنوا طيلة الانتخابات السابقة والحالية على مغربيتهم وشاركوا بقوة في تأسيس وتثبيت تجدرهم واشتراكهم في تجربة تسيير أمورهم ضمن المملكة المغربية غير أبهيين ولا مهتمين إلا بتنمية الأقاليم الجنوبية بل إن الآلاف فعلوا مبدأ إن الوطن غفور رحيم بعد الاحتجاز القسري في مخيمات العار والذل التي توجد في منطقة يمكن فتح ملف غضبها في زمان معروف .ونتأفف حول ذكر اسم هذه المنطقة لأن التأفف تأدب ومراعاة للجوار. ومن يدعي الإستفتاء فهو خال لأن في مناسبات استفتي الشعب برمته في صحراءه وأجاب بالرغبة في وطن واحد قوي وموحد نام متجاوب كلية مع الوحدة الترابية للمملكة تحت القيادة السامية لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله وأيده.
تامصلوحت البيت الأول الذي بايع مولاي الحسن الأول
تعددت المناسبات والهدف واحد، هي كلمات نطق بها المؤرخ والباحث مولاي علي بن أحمد الريسوني شيخ الزاوية الريسونية بشفشاون الذي ربط ذكرى المسيرة الخضراء في تصريح له، بقوله: »بسم الله الرحمن الرحيم، الذكرى الأربعون للمسيرة الخضراء 1975 2015/ هذه الذكرى تحملنا إلى الموضوع قرية تامصلوحت التي تمت فيها مبايعة مولاي الحسن الأول قبل أن يبايع في مدينة فاس، قرية تامصلوحت إقليم الحوز جوار مراكش في هذا اليوم المبارك تقيم بالموازاة حفلا أو موسما تكريما للزاوية الريسونية، لماذا؟، لأن الزاوية الريسونية عملت على توحيد المغرب روحيا، وصوفيا، بواسطة الزاوية الأمغارية، نعلم أن القرن العاشر و الحادي عشر الهجري، كان المغرب يتعرض فيه لمحاولات برتغالية واسبانية وغيرها من الدول، من أجل تفتيت هذا الوطن، والقضاء عليه، بعد الغزو البرتغالي الذي عرف إلى مدينة سبته في 1415سنة، والمغرب دائما كان يراد أن يكون صيدا للدول الاستعمارية الصليبية، حتى يتخذ الأوروبيون من المغرب موطن قدم للانطلاق منه إلى استعمار القارة الإفريقية، في هذا الوقت، الزاوية الأمغارية أذنت لرجل من شمال المغرب، من الأشراف العلويين، وهو جد العبد الضعيف، يقال له محمد بن علي بن ريسون، أذن له مولاي عبد الله بن احساين الأمغاري في تأسيس زاوية بشمال المغرب، لتكون زاوية الشيخ مولاي عبد السلام بن مشيش، والمعروف أن مولاي عبد السلام بن مشيش إليه يرجع تأسيس الطرق الشاذلية بالمغرب، فالطرق الشاذلية بالمغرب صاحبها ومؤسسها مولاي عبد السلام بن مشيش، المتوفى سنة 626 هجرية، والإمام الشاذلي هو تلميذ لمولاي عبد السلام بن مشيش، وقبر مولاي عبد السلام بن مشيش ظل مجهولا، إلا أن أظهره مولاي عبد الله الغزواني المتوفى سنة 935 هجرية…. مولاي عبد الله بن احساين الأمغاري دفين تامصلوحت أقام زاوية في شمال المغرب لخدمة ضريح مولاي عبد الله بن مشيش، هذه الزاوية هي الزاوية الريسونية، التي توفي صاحبها في محرم سنة 1018هجرية، من أذن له في تأسيس هذه الزاوية هو مولاي عبد الله بن احساين الأمغاري الذي زاره محمد بن علي المذكور اثني عشرة مرة إلى هنا _تامصلوحت_فقال له: أنت مأذون في تأسيس هذه الزاوية لتكون خادمة لزوار مولاي عبد الله بن مشيش، خادمة لطريقة ومدرسة وتعاليم عبد الله بن مشيش، وخادمة للزوار والضيوف والمحبين الذين يقصدون من جميع أنحاء المغرب ضريح بن مشيش للتبرك به، وليس للتبرك فقط بل الضريح كان دائما للإعلان عن بيعة الملوك ودائما كان مكان للإعلان عن انطلاق الجهاد ضد الغزو الأجنبي، فأرادت الزاوية الأمغارية المصلوحية بتاريخ 24 من أكتوبر 2015، أن تكرم الزاوية الريسونية وليس شخصا من الأشخاص، بل لزاوية الريسونية لأنها هي بنتها، وهي امتدادها في شمال المغرب، وحاملة لوائها، والتي قامت بنشر تعاليم الزاوية الأمغارية التي هي ورث بالزاوية الغزوانية في شخص مولاي عبد الله الغزواني الذي ورث شيخه التباع، المتوفى 915 هجرية، والتباع الذي ورث شيخه محمد بن سليمان الجزولي صاحب دلائل الخيرات الذي توفى سنة870هجرية، الآن ونحن نتذكر المسيرة الخضراء والوحدة المغربية، ما أجدرنا أن نذكر عموم المواطنين أن هذه الوحدة كان لها بدايات في أيام المرابطين والموحدين والمرينين والعلويين وساهمت الزوايا في ربط شمال المغرب بجنوبه وشرقه بغربه، و أمازيغه بعربه، والأندلسيين بالعرب، ساهمت الزوايا في إقامة شبكة متماسكة من العلاقات الدينية والروحية وهي أنبل العلاقات، لأن العلاقات السياسية لا تدوم، والعلاقات التجارية لا تدوم، والعلاقات المبنية على المصالح لا تدوم، لكن العلاقة المبنية على الحقيقة الدينية والملة الإسلامية والإنتماء الروحي هي التي تدوم، وبالتالي هي التي تربط المغربية بالمغربي، والمواطن بالمواطنة..