مشاهدة : 2,131

الثابت والمتحول في الذاكرة المراكشية ؟


 

احتلت محاولة استقراء الذاكرة المراكشية حيزا هاما في التراث المراكشي خلال العقود الماضية الأخيرة من خلال مقاربات مختلفة تبرز البعدين الجمالي والإشكالي للموضوع.

ولقد قدم بعض المتخصصين والمفكرين والباحثين مساهمات جادة لخلخلة الذاكرة المراكشية من خلال التراث، يجمعهم هاجس تفكيك واستظهار مكونات هذه الذاكرة ويحدو بهم إلى إعادة صياغتها في زمن التجديد والحداثة، وقراءة الذاكرة المراكشية قراءة مغايرة مع محاولة توظيف مناهج جديدة وطرح قراءات أكثر حداثة  لتشريح هذه الذاكرة وفق أنساق جديدة معاصرة مع الانفتاح في استقراءها على كثير من الأدوات المنهجية والمواضيع الاجتماعية.

ولعل هذا هو ما يساعدنا على مواجهة التحديات الحضارية والغزوات الثقافية التي نتعرض لها من حين لآخر وبأشكال وطرق مختلفة وتنقلنا من موضع الحكي والسرد إلى وضع النقد والخلق والابتكار .فتلك هي الغاية الأسمى من إعادة صياغة الذاكرة المراكشية في محاولة لوضعها في أطار ايجابي يستحضر المستجدات الفكرية والاجتماعية لهذا الجيل الجديد كمحاور أساسي بشكل يروم الحفاظ على الهوية والوقوف بصرامة أمام الثقافات الغازية.

ولم تكن تلك المقاربات اعتباطية أو عفوية. فعراقة المدينة بأحيائها ومآثرها ومعالمها الدينية وأسواقها وأسوارها ورياضاتها وساقياتها. جعلت منها موروثا تراثيا زاخرا تبوأت  بفضله المدينة الوجهة السياحية الأولى في المغرب. و هذه المكانة التي احتلتها منذ عقود مكنتها من انتزاع وبكل استحقاق إعلان اليونسكو لمدينتها العتيقة كتراث عالمي يجب المحافظة عليه وصونه من كل صور التلف أو العبث.وهذا مكسب مهم بفضله حققت المدينة إشعاعا دوليا أسهم بشكل كبير في إغناء الهوية التفافية المغربية والمراكشية على وجه الخصوص . غير انه لا يجب التفريط في هذا الكنز التراثي العظيم الذي بدونه تكاد تعض بعض الدول على أسنانها من شدة فقدانه وغيرتها على تراثنا العريق والحالة هذه أن المدينة أصبحت تتعرض لمد جارف من التغييرات السلبية تسير بالمدينة العتيقة ذات العبق التاريخي إلى الأسوأ ونزع الجذور التاريخية المتأصلة في جدران أسوارها وأبنيتها وصوامعها ومدارسها والسارية أيضا تحث أزقتها الممتدة إلى سواقيها ..

والسؤال المطروح هو هل تاريخ ذاكرة مراكش هو فقط تاريخ صراع للحفاظ على تواثب معينة ؟ هل الحديث عن هذه الذاكرة كفيل بالحفاظ على إشعاعها ؟ هل هذا كاف بضمان استمرارية هذه الذاكرة بصحة جيدة دون تشنجات أو تشوهات    أو تقاطعات ؟

ولعلي أرى أنها رغم ما تشع به  بإشراقه الماضي وإشعاعاته على عدة مستويات .إلا أنها تنزف في نفس الآن بجراح الحاضر الغامض الذي تتجاذبه التيارات الدخيلة محاولة إقباره أو إقبار جزء منه على الأقل أو التشكيك في بعض أسسه أو مغالطة متتبعيه من ذوي الشأن المحلي . حتى كدنا نتساءل من شدة دهشتنا عن مدى واقعية الإنسان المراكشي الذي سطر هذه الذاكرة من اجل هذا التراث بشتى الوسائل وبمختلف الإمكانيات .غير أن ذلك لا يحد من قيمة ذاك الزخم الكبير العريق والحقيقي من عظمة التراث المراكشي الذي حاول البعض من ذوي الضمائر الحية الحفاظ عليه كمقدس في الذاكرة المراكشية والحفاظ على خصوصيته المغربية بشكل عام . فيما زاغ البعض الآخر إلى محاولة زعزعة تلك الصورة المشرقة من تلك الذاكرة ومحاولة تمييع خصوصيتها سواء عن قصد أو بدون قصد .

ويعزو الناقد والباحث في التراث المغربي والمراكشي بشكل خاص الأستاذ الدكتور محمد آيت لعميم هذه الحملة إلى التيارات التي سادت في النصف الأول من القرن الماضي والتي ادعت التقدمية و الحداثة الشيء الذي أثر على ساكنة الحواضر وجعلها تنظر إلى كل ما هو تراثي من زاوية الماضي وكأنها أشياء هامشية بائدة بلا روح . وضاع الكثير من التاريخ بسبب هذا الإهمال وهذه النظرة التهميشية. حتى لاحت في الأفق حسب لعميم بوادر المصالحة بين ساكنة المغرب وثراثهم بمساهمة عدد من المتدخلين والإعلام من خلال أعمالهم وكتاباتهم…

ولعل ما أصبح يعيشه اليوم تراث المدينة بشقيه المادي واللامادي يبعث غلى القلق أكثر من أي وقت مضى .فساحة جامع الفناء اليوم التي تغص بشتى أواع المأكولات والمشروبات في معرض تجاري ضخم .وبعض الدخلاء على الحلقة وفنونها الموسيقية والمسرحية والاستعراضية ….هي غير ساحة جامع الفناء الأمس . الساحة التفافية الفنية التي تخرج منها العديد من رجالات المسرح والغناء حيث كانت ملتقى جميع الفنون كالرواة والمعنيون والمهرجون والبهلوانيين والرقصات والأهازيج الشعبية ومحلات الكتبيين المزدحمة بالمثقفين والقراء والباحتين .زد على ذلك الإهمال والتشوهات التي طالت بعض معالم المدينة من أصورها التاريخية المتهالكة بكثرة الأزبال إلى أعماق معالمها التاريخية وأسواقها التي استنفدت هي الأخرى عبقها التاريخي . إضافة إلى اندثار وتصدع بعض الساقيات التقليدية التي تحارب الزمن بعد الماضي الجميل مع أبناء أحيائها والدور المهم التي كانت تضطلع به اجتماعيا وسياسيا وبيئيا. أما عن التراث الشفهي من فنون وتقاليد وما يرتبط به من غناء و رقص ومسرح وعادات المناسبات الدينية والعائلية والموسمية وروايات وحكايات . فتلك أمور لم نعد نسمع عنها إلا القليل مع ممارسيها الذين ماتوا أو طالهم النسيان ….وما زاد الطين بلة هو الحملات الأخيرة المغرضة  والحاقدة التي هاجمت المدينة في حملة غير مسبوقة لضرب شرف المدينة إن صح التعبير من أوصاف وتشبيهات لا تليق بسمعة المدينة ولا بتاريخها الإسلامي العريق من قبيل أنها أصبحت ملاذا للدعارة أ, السياحة الجنسية أو بانكوك المغرب .فكل مدن العالم فيها دعارة و فيها فضائح جنسية وفيها أكثر من ذلك . لماذا مراكش بالضبط ؟

والحقيقة أنها حملة وتحامل تؤيد به جهات أخرى النيل من عزة المدينة وتراثها التفافي الإسلامي العريق وإشعاعها المتميز ليس إلا. ..

كل هدا الكنز العظيم المختصر والمختزل في هذه السطور أصبحنا اليوم نفقده ذرة تلوى الأخرى دون أن نشعر أ, نحس بما ينتظر مصيرنا من دونه. وأصبحنا كذلك أمام هذا الوضع أيضا خجولون من أن نصطحب سائحا أو مجموعة سياح في زيارة هذا الكنز العظيم…

وهكذا فإن المحاولات الجادة في خلق مناخات جديدة والتخلي عن طقوس الطمس والتعتيم والتلفيق …وترسيخ مفهوم جديد ومعاصر لكتابة التراث وصياغته يمكن له أن يثري رصيد الذاكرة ويعزز خطابها بشكل حضاري وتفاعلي يستفيد منه المجتمع المراكشي خاصة والمغربي بشكل عام

ولا يختلف اثنان في كون التراث يمثل الذاكرة  الحية للفرد و للمجتمع ويمثل بالتالي هوية يتعرف بها الناس على شعب من الشعوب كما أن التراث بقيمه الثقافية والاجتماعية يكون مصدرا تربويا وعلميا وفنيا وثقافيا واجتماعيا ذلك أن تراكم الخيرات يكون الحضارة وتراكم المعلومات يكون الذاكرة  وهذه الذاكرة بدورها كما تقول الباحثة  تمبل كريستين في كتابها :"مدخل إلى دراسة السيكولوجيا والسلوك " : "هي التي تمكننا من فهم العالم بان تربط بين خبراتنا الراهنة ومعارفنا السابقة عن العالم وكيف يعمل " ولهذه الذاكرة كما للترات التفافي الذي ننادي بالحفاظ عليه علاقة وطيدة مع الإبداع لدى الأفراد والجماعة والبيئة المحيطة خلال الأزمنة الماضية ومع مرور الزمن تحولت إلى إنتاج جماعي يختزن خيرات الأفراد والجماعات وبقدر ما هو مخيال للجماعة فانه جدار متين لحفظ هويتها ومحرك لها في الاستمرارية والوجود .

وعليه ففقدان التراث الثقافي يعني فقدان الذاكرة. و هذه الأخيرة هي التي تساعد على اتخاذ القرار. فالفرد الفاقد لذاكرته لاستطيع أن يستدل على باب سكناه . فكيف والحال هكذا أن يصنع مستقبله. ويطور ذاته. ومثلما ينطبق هذا على الفرد ينطبق على الشعوب .

9 commentaires sur “الثابت والمتحول في الذاكرة المراكشية ؟

  1. 51864 341584This is wonderful content material. Youve loaded this with valuable, informative content that any reader can comprehend. I enjoy reading articles that are so quite well-written. 286765

  2. 600141 668060Thanks for the write up! Also, just a heads up, your RSS feeds arent working. Could you take a appear at that? 940446

  3. 734116 989910Whoah this weblog is magnificent i really like reading your articles. Keep up the great paintings! You realize, a lot of persons are looking round for this info, you could aid them greatly. 518952

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

اخر الأخبار :