شكاية صريحة من أبريل
1028 مشاهدة
تقلب الجو من جديد، تعبت من وضع المعطف الربيعي وإزالته؛ الصراع المُناخي بين البرد والشمس غلبني
ومن جهتها، لم ترد قهوتي السوداء أن تنتهي هذه المرة، على غير عادتها، شربت من قهوتي السوداء ولكنني اكتفيت من الكافيين، في هذا اليوم الأبريلي
قهوتي السوداء بدون سكر، تطل عليَّ برأسها في احتفاليتها بعد هزيمتها لي
أعترف أنني لست صديقا لشهر أبريل، يبدأ أول أيامه بارتباطه بالكذب، فتنشر صحف أخبارا، تقرأها، ولكن في السطر الأخير، يعلنون لك أنك وقعت ضحية، لكذبة الأول من أبريل
يتقلب الطقس في أبريل كثيرا؛ ففي يوم واحد تتجمع فصول البرد والمطر والريح وارتفاع درجة الحرارة مع الشمس
فبعد مرور الفاتح من أبريل، من دون أي كذبة أقع ضحيتها كقارئ، اعتقدت مرتاحا، أن الشهر سيمر بخير، ولكن حادثا صحيا، سيجعل من شهر أبريل، شهرا محفورا في ذاكرتي من جديد
بدأ يومي في ذلك الأحد رماديا جدا، استيقظت بعد ليلة صارعت فيها الحمى، في فندق في مدينة مراكش، أتعبني الرَشحُ واسترسال استعمال المناديل، واستخدام كل دواء ممكن لترطيب حلقي
لم أغفو إلا متقلبا في سريري، لليلة الرابعة تتاليا، أشبه المتقلب على جمر، يخمد قليلا لفترة من الزمن، قبل أن يعود الجمر مشتعلا من جديد
بينما صوتي اقترب من أن يختفي، كنت أحاول الخروج من عنق زجاجة رابع نزلة برد، تقسو علي هذا العام
يشبه الصحافي المهني تقلبات الطقس، فبحكم اشتغالي الميداني تؤثر في جسدي تقلبات الطقس دائما
أدفع ضريبة من جسدي وصحتي وراحة بالي، لتتفيذ العمل الصحافي المهني الميداني
وبالرغم من نزلة البرد التي ضربتني، أصريت على استكمال رحلتي الصحافية المهنية، ما بين مدن الرباط وبنجرير ومراكش
وبالعودة قليلا إلى الوراء، في العام 2011، لما فجر إرهابي مقهى أركانة، في ساحة جامع الفنا، في مدينة مراكش، أوجدتني تصاريف القدر في الحمراء المغربية، لتصوير تقرير تلفزيوني؛ كنت أول الواصلين الصحافيين إلى موقع الحادث المؤلم
بجرأة العمل الصحافي الميداني، وبتهور إنساني غير محمود العواقب وقتها، دخلت مع مصوري التلفزيوني إلى مسرح جريمة إرهابية نكراء
لا تزال التفاصيل عالقة في ذاكرتي، إلى اليوم، لا زلت أعيد تركيب تفاصيل المكان المدمر؛ وأسأل نفسي بقلق اليوم: ماذا لو أن انتحاريا إرهابيا كان مختبأ في المقهى؟ ماذا لو كانت في مخطط الإرهابي قنبلة ثانية، يريد تفجيرها عن بعد؟
تبقى الكتابة عندي مساحة للبوح بالممكن إنسانيا، لتقاسم تجارب بكل ألوان قوس قزح، في زمن التفاهات التي تخنقنا كل يوم أكثر، عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي
وفي كل عام تقريبا، منذ عقد من الزمن؛ يرتبط أبريل في حياتي، في تقلبات مزاجه، بنوبات ألم في مفاصلي، جراء ألم يستيقظ جراء احتكاك مفاصل ركبتاي
صدقني يا شهر أبريل، ليس لي معك لا حساب ولا عتاب، ولكنك ميقات زمني يثير عندي مواجعا في ذاكرتي
بالعودة إلى الوراء قليلا، يذكرني شهر أبريل بتفجيرات الربيع الأسود، في مدينة الدار البيضاء في العام 2007
ففي شارع في مدينة الدار البيضاء، فجر انتحاري مغربي نفسه، وسط جمع من الناس، وكنت بينهم، في يوم من حياتي، كاد أن يكون أسودا، لولا اليد الإلهية
فعلي بعد يقدر ب 10 أمتار، فجر إرهابي حزاما ناسفا، كان يتأبطه، لا يزال الصوت القوي في دويه، يرن في أذني، كلما تذكرته
في تلك اللحظة، توقفت أمامي الدنيا بما رحبت، شعرت أن النهاية قريبة جدا، لأن كل من كان في ذلك المشهد، شعر بقوة الانفجار
تلقى جسدي نصيبه من قوة الانفجار
ففي يوم الأحد 07 أبريل 2019، تتوقف من جديد عقارب الساعة في حياتي
وصلت العاصمة المغربية الرباط، قادما من مدينة مراكش، في النصف الثاني من يوم الأحد، طيلة الطريق كان تنفسي في حالة اضطراب
توجهت لمصحة خاصة، طلبت إسعافي لأنني أشعر بضيق تنفس حاد، لا سابق عهد لي به، وبدأ القلق، يتسرب إلي في لحظة ضعف بشري
خلال ثواني من حياتي، سلمت كل ملفاتي، آمنت أنها لحظة حرجة أخرى، خلال إسعافي كانت أنزيماتي الإيجابية تنشط من جديد، أعدت شحن بطارياتي من الأمل
لا بد في الحياة أن نسقط، من أجل أن نقف من جديد
فطيلة 10 أيام، فقدت الكلام، غرقت في صمت عميق، أتواصل مع عائلتي بالإشارة، وبصوت وضعته الأقدار الربانية، على وضع الصامت
صمتُ طيلة 10 أيام مضطرا، تحت وطئة المرض، أحتاج وقتا لترويض صوتي ليسترجع كامل لياقته
أصابني التهاب في صوتي، وهو من أغلى ما أملك، ولكن خزانات الصبر دائما تساعدني على التحمل
ولا يمكن نسيان الدعم والالتفاف العائلي، فتظل العائلة ملجئي وسندي في تجاربي الحياتية، خصوصا لما يميل المؤشر للون الرمادي
يرفض كُثر الكتابة عن المرض، لأنه كشف لمستور الضعف الإنساني، أخالفهم الرأي بكل روح رياضية؛ رواية لحظات تتجلى فيها ضعف الذات البشرية، في تقديري، مستوى عالي من الشجاعة البشرية
فما عشته في أبريل، كان يوميات رمادية، ولكنها ضرورية لتوازن الحياة، إنه السقوط المدوي الذي يؤدي إلى الوقوف من جديد
أعترف أن المرض هدية ربانية، وأن البوح عبر الكتابة أحد طرق العلاج الناجعة في حياتي
فاكتبوا دائما لإعلان شهادة ولادتكم، ولتعيشوا أفضل، وتأكدوا أنكم إذا مرضتم فلِتَصحوا من جديد