
صادقت لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، قبل لحظات، بالأغلبية، على مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، عقب اجتماع مطول انطلق في العاشرة صباحا، تميز بنقاشات حادة وتباين واضح في المواقف بين مكونات الأغلبية والمعارضة.
وتمت المصادقة على مشروع القانون بموافقة عشرة نواب برلمانيين، مقابل معارضة أربعة آخرين، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت، وهو ما يعكس حجم الجدل الذي رافق هذا النص منذ بداية مسطرته التشريعية، بالنظر إلى ما يتضمنه من مقتضيات وُصفت بالحساسة والمفصلية في مسار إصلاح الجامعة المغربية.
وتمكن عز الدين ميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، من الحفاظ على الجوهر العام للمشروع، الذي يأتي في إطار تنزيل القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، باعتباره المرجعية الاستراتيجية لإصلاح القطاع.
ويحدد مشروع القانون التوجهات العامة للسياسة العمومية في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، وينظم هيكلة القطاع وآلياته ونظام حكامته، كما يؤطر الهندسة البيداغوجية واللغوية، ومصادر التمويل، وآليات المواكبة والتتبع والتقييم، إضافة إلى التنسيق وإقامة الجسور بين التعليم العالي وباقي مكونات منظومة التربية والتكوين.
وعرف اجتماع لجنة التعليم نقاشا مستفيضا بشأن عدد من مقتضيات مشروع القانون، خاصة الفصل الأول من الباب الرابع المتعلق بإحداث “مجلس الأمناء”، حيث أبانت المداولات عن تباين واضح في الرؤى بين الوزير الوصي على القطاع ومكونات من المعارضة البرلمانية أثناء مناقشة التعديلات المقترحة.
وطالبت فرق من المعارضة، من بينها فريق التقدم والاشتراكية، إلى جانب النائبتين فاطمة التامني ونبيلة منيب، بحذف مجلس الأمناء وكافة المواد المرتبطة به، معتبرة أن هذه الصيغة لا تنسجم مع متطلبات استقلالية الجامعة وترسيخ الممارسة الديمقراطية داخلها. ودعت نبيلة منيب إلى تعويضه بمجلس أكاديمي استراتيجي منتخب يضم الأساتذة والطلبة ومختلف الفاعلين الجامعيين، فيما حذرت فاطمة التامني من توجه قد يكرس الوصاية على الجامعة، مؤكدة أن الديمقراطية والوصاية لا يمكن أن يجتمعا، مع التشديد على ضرورة استحضار التجارب الدولية بشكل شمولي وغير انتقائي.
في المقابل، سحبت فرق الأغلبية تعديلات مرتبطة بمجلس الأمناء، بينما انسجمت المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية مع الفلسفة العامة للمشروع، مقترحة إدخال تعديلات تقنية تخص تركيبة المجلس، مع تفادي إحداث مجلس بكل جامعة، درءا لتداخل الاختصاصات.
وردًا على هذه الانتقادات، أوضح الوزير ميداوي أن الجامعة مؤسسة عمومية موجهة لخدمة الصالح العام وليست حكرا على فئة معينة، مؤكدا أن مجلس الأمناء لا يتمتع بأي صلاحيات تقريرية، وأن جميع الاختصاصات ستظل بيد مجلس الجامعة. كما أبرز أن هذا المجلس سيكون على المستوى الجهوي، وأن تركيبته تهدف إلى دعم الجامعات وتنسيق جهود تطويرها بما ينسجم مع السياسات العمومية ومتطلبات التنمية الجهوية.
ومن بين النقاط التي أثارت حفيظة النواب البرلمانيين، خصوصا المنتمين إلى سلك التعليم العالي داخل فرق المعارضة، موضوع “الجامعة الرقمية”، حيث اعتبرت جميع فرق المعارضة، دون استثناء، أن هذا المشروع يضرب في العمق الجامعة المغربية، خاصة في ظل غياب أي تفصيل قانوني يوضح معالمه أو كيفية تنزيله. وطالبت فرق المعارضة بسحب هذا المقتضى من مشروع القانون، معتبرة أن إدراجه بصيغته الحالية يفتح الباب أمام الغموض ويهدد نموذج الجامعة العمومية.
وفي رد حازم، تصدى الوزير ميداوي لجميع التعديلات المرتبطة بالجامعة الرقمية، مؤكدا أن جائحة كوفيد أحدثت تحولات عميقة في منظومات التعليم العالي على المستوى العالمي، وفرضت أنماطا جديدة في التعلم والتكوين. وأوضح الوزير أنه تعمد عدم وضع قانون خاص بالجامعات الرقمية، اعتبارا لكون المجال الرقمي يعرف تطورا سريعا ومتواصلا، ولا يمكن تقييده بنص قانوني قد يصبح متجاوزا في ظرف وجيز بفعل سرعة التحولات التكنولوجية.
ويشمل مشروع القانون مقتضيات تؤطر قطاع التعليم العالي الخاص، من حيث إحداث الجامعات الخاصة، والبيداغوجيا المعتمدة بها، ومساطر المصادقة على الدبلومات الممنوحة لخريجيها، إلى جانب مستجدات تهم تنظيم البحث العلمي داخل الجامعات العمومية.
كما يخصص الباب التاسع من المشروع لحقوق الطلبة وواجباتهم، بما في ذلك الحقوق الثقافية والاجتماعية، وحرية الإعلام والتعبير داخل مؤسسات التعليم العالي، فضلا عن الخدمات الموجهة لفائدة الطلبة في وضعية إعاقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبمصادقة لجنة التعليم على مشروع القانون رقم 59.24، ينتقل النص إلى مرحلة جديدة من مساره التشريعي، في انتظار عرضه على الجلسة العامة لمجلس النواب، وسط استمرار الجدل السياسي والأكاديمي حول مستقبل الجامعة المغربية ورهانات إصلاحها.







