
في سابقة قضائية لافتة، حسمت محكمة النقض ملفا أثار جدلا قانونيا وأخلاقيا بمدينة مراكش، بعد أن رفع أب دعوى قضائية ضد ابنته ملتمساً طردها من منزله، بدعوى أنها بلغت سن الرشد وعليها أن تتكفل بنفسها.
القضية بدأت حينما تقدّم الأب بدعواه أمام المحكمة الابتدائية بمراكش، مطالباً بإفراغ ابنته من المنزل الذي تقيم فيه، باعتبارها أصبحت “محتلة” للعقار بعد بلوغها سن الرشد. المحكمة الابتدائية استجابت للطلب وأصدرت حكما يقضي بطرد الابنة من منزل والدها.
غير أن الابنة لم تستسلم، فلجأت إلى محكمة الاستئناف، موضحة في مقال استئنافها أنها غير متزوجة، ولا تملك عملاً، وأن نفقتها تقع على عاتق والدها. ومع ذلك، أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي، معتبرة أن بلوغ الإبنة سن الرشد ينهي الحضانة، وبالتالي يسقط حقها في السكن.
لكن محكمة النقض رأت غير ذلك. فبعد الطعن الذي تقدمت به الابنة، اعتبرت أعلى هيئة قضائية أن القرار الاستئنافي خالف القانون، موضحة أن النفقة لا تسقط عن الابنة بمجرد بلوغها سن الرشد، بل تبقى واجبة على الأب إلى أن تتزوج أو تعمل وتصبح قادرة على الإنفاق على نفسها.
وأكدت محكمة النقض في تعليلها أن الأب يبقى ملزماً بالإنفاق على ابنته ما دامت لا تملك مالاً ولا مورداً للعيش، وأن حرمانها من السكن والنفقة في هذه الحالة يشكل خرقاً واضحاً لأحكام القانون.
وبناء على ذلك، قضت محكمة النقض بنقض القرار الاستئنافي وإحالة الملف على محكمة الاستئناف بمراكش لإعادة النظر فيه، حيث أصدرت هذه الأخيرة حكماً جديداً يقضي بإلغاء الحكم الابتدائي القاضي بإفراغ الابنة، ورفض طلب الأب مع تحميله مصاريف الدعوى.
هذا القرار اعتبره متتبعون تكريساً لمبدأ العدالة الأسرية، وتأكيداً على أن بلوغ سن الرشد لا يُسقط تلقائياً واجب النفقة ما لم تتوفر للابنة القدرة المادية على الاستقلال بحياتها.







