
في مشهد يثير الريبة ويستدعي وقفة صارمة من الجهات المختصة، خرجت سيدة تنتمي إلى جماعة آيت فاسكا عبر عدد من الفيديوهات باتهامات خطيرة ضد رئيس قسم التعمير بعمالة الحوز وموظفة بالوكالة الحضرية بمراكش وموظف بالجماعة الترابية أيت فاسكا، مدعية تعرضها للابتزاز مقابل تمرير طلبات رخص البناء التي تتولى تقديمها نيابة عن أصحابها أو تشرف على تقديمها، معززة كلامها بشكاية إلى رئاسة النيابة العامة والتي أحالتها بدورها على مصالح الدرك الملكي بسرية الحوز.
غير أن المتأمل في أقوال وتصريحات هذه السيدة يطرح أكثر من علامة استفهام، ليس فقط حول خلفيات الشكاية أو إدعاءاتها، ولكن حول مدى قانونية الدور الذي تقوم به هي نفسها، إذ صرحت دون أن تدري بشكل واضح بأنها تتابع ملفات الرخص نيابة عن طالبيها، وهو ما يعدل تدخلا بين طالبي الرخص والمصالح المختصة، وهو ما يشكل خروجا واضحا عن القانون وتنصيبا غير مشروع للنفس كوسيطة في مسطرة لا تعترف بأي وساطة.
فالدولة، وفي إطار سعيها لمحاربة الزبونية والرشوة والابتزاز، أطلقت منصة “رخص” الرقمية، التي جعلت المهندس المعماري هو المخاطب الوحيد مع مصالح التعمير، بناء على عقد قانوني موقع بينه وبين صاحب الطلب ومثبت الإمضاء، وأي تدخل خارج هذا الإطار، يعد تشويشا على المساطر القانونية وتدخلا غير مشروع في اختصاصات مؤسسات الدولة، وبذلك تكون المشتكية قد وضعت نفسها في صلب جريمة الوساطة غير المشروعة في مرفق إداري، بل وأخطر من ذلك، في انتحال صفة ينظمها القانون.
بل الأخطر من ذلك، أن المشتكية، وهي تعلم أن القضية تشكل موضوع بحث من طرف الظابطة القضائية، سمحت لنفسها بالخروج بتصريحات جديدة ذات طابع اتهامي في حق الموظفين العموميين المشتكى بهم، وهو ما يعتبر محاولة واضحة وغير مشروعة للتأثير على مجريات البحث وسرية التحقيق، بل وربما تهدف إلى توجيه الرأي العام أو ممارسة ضغط غير مباشر على الأطراف المعنية موضوع اتهامتها، وهو ما يعاقب عليه القانون، لأن سرية البحث التمهيدي تعد من ركائز العدالة، وأي محاولة لزعزعتها يجب أن تواجه بالحزم اللازم.
فهل نحن أمام سيدة بالفعل هي ضحية ابتزاز؟، أم نحن أمام سيدة تمارس الوساطة بشكل غير قانوني، وتحاول تحت غطاء الشكاية، الضغط على مؤسسات الدولة لتيسير مصالحها؟، أم أن القضية أكبر من ذلك، وتتعلق بمحاولة لتصفية حسابات شخصية تحت غطاء محاربة الفساد؟.
إن مكافحة الفساد لا تتحقق بانتقائية، بل تتطلب مساءلة كل من تبث تورطه، سواء كان موظفا عموميا أو مدعيا بالابتزاز، وعلى الجهات القضائية فتح تحقيق شامل والتعامل مع هذا الملف بمنتهى الجدية، وأن توسع دائرة التحقيق لتشمل كل من يثبت تورطه في خرق القانون، بما في ذلك المشتكية نفسها، لأنها، ووفق ما صرحت به، قد تكون طرفا رئيسيا في شبكة وساطة غير قانونية تضرب في الصميم روح المساواة والنزاهة في منح رخص البناء.






