
في الوقت الذي ما تزال فيه منطقة سيدي يوسف بن علي تعيش على وقع الحزن والآلام والاحتقان الاجتماعي، خرجت علينا مجموعة “عيشي عيشي” المحسوبة ظلما على مشجعي فريق الكوكب المراكشي، بمبادرة غريبة من خلال توزيع الورود على القوات العمومية، وكأن المنطقة تعيش ربيعا ورديا لا جراحا دامية. أي عبث هذا؟، أي منطق هذا؟، وأي انفصال عن الواقع أكثر فداحة من توزيع الزهور على رماد لم يبرد بعد؟ وأي استخفاف هذا بمشاعر أسر تسكنها الحسرة والدموع؟.
لقد أبت هذه المبادرة إلا أن تركب على الموجة، أن تبحث لنفسها عن مشهد في مسرح مليء بالدموع. ظنا من “عيشي عيشي” أن الورود قادرة على تلميع الصورة، وأن اللون الأحمر سيغطي دموع الأمهات وصرخات الآباء. فهل يعلم “عيشي عيشي” أن المنطقة لا تزال تعيش تحت وطأة الصدمة؟، هل يعلم هؤلاء المتملقين أن منطقة سيدي يوسف بن علي ليست اليوم ساحة مهرجان، بل ساحة حداد، أبناؤها معتقلون، أمهاتهم ينتظرن خلف الأبواب بعيون مثقلة بالدموع، وآباؤهم يبحثون في وجوه المسؤولين عن بصيص عدالة ينجي فلدات أكبادهم من عقوبات ثقيلة، فبعضهم وجهت لهم تهم جنائية ثقيلة، وآخرون لا يزال مصيرهم مجهولا.
نعم، من اعتقلوا سواء كانوا لصوصا، أوباش، مخربون، متجاوزون للقانون، هم منا، ولسنا هنا لتبرير التخريب أو التعدي، بل طالبنا صراحة بمعاقبة كل من تورط، لأننا نؤمن أن الأمن ضرورة، وأن الوطن لا يبنى بالفوضى؛ قواتنا العمومية الذين خرجوا لأداء واجبهم، وحملوا على عاتقهم مسؤولية حفظ النظام، فتعرضوا للإصابات، هم منا أيضا ونتألم لهم والله وحده يشهد؛ من احترقت ممتلكاتهم أو تضررت مصادر أرزقهم، هم منا وإخواننا وأقربائنا ونألم لهم كما يألمون.
لكن الحقيقة التي لا يريد البعض سماعها، هي أن الكل خاسر في هذه المعادلة المؤلمة؛ الدولة، المواطن، والقوات العمومية، والخاسر هو وجه الوطن الذي شوه في لحظة غليان (اجتماعي)، لكن ما لا يمكن قبوله هو هذا التزييف المتعمد للمشهد، هذا التجميل الكاذب الذي يحاول تحويل مأساة جماعية إلى مناسبة احتفالية بائسة. فمن ذا الذي يملك الجرأة على القول إن الوقت وقت ورد واحتفال؟.
توزيع الورود في زمن الحداد ليس تعبيرا عن سلام، بل استخفاف بالعقول والمشاعر، ومحاولة رخيصة لتجميل صورة متشققة بالدموع والرماد. قواتنا العمومية لا تحتاج ورودا كيف تقدر تضحياتها، فهي تدرك جيدا من الصادق ومن المنافق-المتملق، والوطنية لا تقاس بوردة في اليد ولا بلونها ولا بابتسامة أمام عدسات المصورين، بل تقاس بالموقف، بالصدق، وبالقدرة على قول الحقيقة مهما كانت موجعة. فكفاكم تملقا، كفاكم استعراضا على أنقاض المعاناة، كفاكم لعبا بمشاعر الناس.
وأفضل مانختم به، هو رسالة بالدارجة المغربية إن لم يفهم هؤلاء المتملقين الرسالة باللغة العربية: الناس فالناس .. والقرعا فمشيط الراس، والورد عطيه لمك هي أولى بيه وتنال بذلك برها.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.







