في خطوة تعكس الوعي المتزايد لدى الشباب المغربي بضرورة التغيير، كشف شباب حركة “جيل زيد” عن ملف مطلبي شامل يروم إعادة صياغة النموذج التنموي الوطني بما يضع الشباب في قلب العملية التنموية، ويعالج الأعطاب البنيوية التي ما تزال تعيق مسار الإصلاح بعد مرور أكثر من عقد على اعتماد دستور 2011.
الملف الذي يحمل شعار «من أجل نموذج تنموي جديد يضع الشباب في قلب التنمية» يجسد رؤية جماعية نابعة من واقع ملموس، ويعبر عن قناعة راسخة لدى شباب “جيل زيد” بأن الفجوة ما تزال قائمة بين النصوص الدستورية التي تضمن الحقوق والحريات، وبين الممارسة اليومية التي تشهد اختلالات في مجالات التعليم، الصحة، التشغيل والحكامة.
ويشير التقرير إلى أن الشباب يعيشون أزمة ثقة عميقة تجاه المؤسسات، تغذيها غياب المحاسبة واستمرار المقاربة الأمنية في التعامل مع الاحتجاجات. كما تكشف الأرقام عن واقع مقلق: معدل بطالة يتجاوز 36% في صفوف الفئة العمرية ما بين 15 و24 سنة، وأكثر من 8 ملايين مغربي خارج التغطية الصحية الفعلية، إلى جانب تراجع ترتيب المغرب في مؤشرات الشفافية والفساد.
ورغم الاستثمارات الكبرى التي شهدتها البلاد خلال العقدين الأخيرين، يؤكد التقرير أن النموذج التنموي السابق فشل في خلق اقتصاد منتج قادر على امتصاص البطالة أو الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، مبرزًا أن السياسات العمومية ظلت حبيسة منطق التدبير الآني بدل الرؤية المتكاملة.
ويطرح شباب “جيل زيد” في ملفهم المطلبي جملة من المقترحات العملية التي تمس القطاعات الحيوية، من ضمنها الدعوة إلى احترام الدستور وضمان حرية التعبير والتظاهر السلمي والإفراج عن معتقلي الرأي، وإطلاق مخطط وطني استعجالي لتأهيل قطاع الصحة عبر رفع الميزانية وتحسين ظروف الأطر الصحية وتعميم التغطية وإدماج الصحة النفسية ضمن السياسات العمومية. كما يشدد التقرير على ضرورة إصلاح منظومة التعليم والتكوين من خلال تفعيل القانون الإطار 51.17، وتطوير المناهج وربطها بحاجيات سوق الشغل، مع اعتماد سياسة اقتصادية جديدة تتيح فرص الشغل عبر دعم المقاولات الناشئة والاقتصاد الأخضر، وضمان الحماية الاجتماعية والتأمين ضد البطالة.
وفي مجال الحكامة ومحاربة الفساد، يدعو شباب “جيل زيد” إلى تعزيز استقلالية القضاء، وتفعيل قانون الإثراء غير المشروع، ونشر تقارير الصفقات العمومية بشكل دوري، وربط المسؤولية بالمحاسبة الفعلية.
ويخلص التقرير إلى أن الإصلاح لم يعد خيارًا سياسيًا بل ضرورة وطنية ملحة، وأن إنقاذ الثقة بين الدولة والمجتمع يمر عبر خريطة طريق واضحة ترتكز على احترام الدستور، الاستثمار في الإنسان، وبناء اقتصاد منتج يقوم على العدالة الاجتماعية والمجالية. ويعتبر شباب “جيل زيد” أن تبني هذا الملف المطلبي يشكل فرصة لإطلاق حوار وطني صادق حول مستقبل الشباب، مؤكدين أن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق دون إشراكهم الفعلي في القرار وصياغة السياسات العمومية.
