
في لحظة كانت مرشحة للتصعيد، وسط أجواء مشحونة بالتوتر والاحتجاج، حين احتشد عدد من الشباب المحتجين في ساحة جامع الفنا، برز الباشا عبد الرفيع علوي رئيس الدائرة الحضرية جامع الفنا، كوجه مشرق للمسؤولية الهادئة، حين اختار أن ينزل بنفسه لساحة الاحتجاج، والاقتراب من المحتجين، ومخاطبتهم بلغة الأب لا لغة السلطة، بلغة القلب لا لغة القانون الجامد، قالها بصدق “نتوما ولادنا”.
“نتوما ولادنا” عبارة تختزل فلسفة كاملة في التدبير، وتعيد تعريف العلاقة بين المواطن والمسؤول؛ عبارة لا تقال عادة في سياق الاحتجاج، بل تقال حين يكون المسؤول واعيا بأن دوره ليس فقط فرض النظام، بل بناء الثقة، واحتضان المواطن، مهما كان غاضبا أو محتجا.
باشا جامع الفنا، القلب النابض للمدينة الحمراء، لم ينجر وراء ردود فعل متسرعة أو تدخلات عشوائية، بل اختار نهجا عقلانيا متزنا، مدركا تماما أن أي تصرف غير محسوب في حق المحتجين قد يتحول إلى مادة دسمة في يد المتربصين وأعداء الوطن، الذين لا يفوتون فرصة لتشويه صورة المغرب في المحافل الدولية. فقد كان هذا الرجل واعيا برمزية هذه الساحة على المستوى الدولي، وأدرك أن أي انزلاق أمني في هذا الفضاء سيترجم فورا إلى عناوين دولية مشوهة، تسيء إلى سمعة المغرب وتخدم أجندات خارجية لا تريد لهذا البلد الاستقرار.
الباشا عبد الرفيع، لم يدافع فقط عن إخلاء الساحة من المحتجين، بل دافع عن الوطن، وعن صورة المغرب التي بناها الملك محمد السادس بعناية على مدى سنوات، وجعلها عنوانا للاستقرار والانفتاح والتسامح.
باشا جامع الفنا لم يطفئ نار الاحتجاج بالقوة، بل أطفأها بالاحترام، لم يواجه الشباب بالعنف، بل واجههم بالحب، لم يغلق الأبواب، بل فتحها على مصراعيها، وهذا ما نحتاجه اليوم، مسؤولون يفهمون أن المواطن ليس خصما، بل شريكا، أن الشباب ليس تهديدا، بل طاقة، وأن الاحتجاج السلمي ليس فوضى، بل نداء يجب أن يسمع، وأن الحفاظ على صورة المغرب، داخليا وخارجيا، لا يقل أهمية عن حفظ النظام العام.
في ساحة جامع الفنا، أبان الرجل عن ذكاء سياسي نادر، ليكتب فصلا جديدا في كتاب المواطنة، فصلا عنوانه، “نتوما ولادنا”، فصلا يجب أن يقرأ، ويدرس في مقررات التربية على المواطنة، ويحلل في معاهد التواصل والإدارة الترابية، لأنه ببساطة، جسد ما عجزت عنه كثير من السياسات والخطابات الرسمية، أن تكون السلطة إنسانية، قريبة، لا متعالية ولا منفصلة عن الواقع، لا تحتوي المواطن بالقمع، بل تحتضنه بالاحترام، لا تواجهه بالتجاهل، بل تستمع إليه وتحاور.






