انتقل إلى المحتوى
مراكش الاخبارية

مراكش الاخبارية

تفاعل بين القارئ و الكاتب و المشاهد

  • الرئيسية
  • سياسة
  • زاوية برلمانية
  • مجتمع
  • اقتصاد
  • حوادث
  • ثقافة وفن
  • رياضةرياضة
  • سفراء
  • خارج الحدود
  • جامع الفنا
  • سياحة
  • مجتمع

“وأخيرا، يمكنني أن أخلد للنوم” .. حكاية من ذاكرة الشرطة بمراكش

ياسين مهما 2025-09-11 10:16

في مدينة الحمراء، حيث تختلط أزقة المدينة العتيقة بروائح التاريخ وصخب الحياة اليومية، عاشت مراكش في مستهل سنة 2003 فصول قصة بوليسية غريبة، قصة لا تشبه باقي الملفات التي كانت تصل تباعا إلى مكاتب الشرطة القضائية، لأنها حملت معها نموذجا نادرا، سارق ومحتال في شخص واحد. إنها قصة حقيقية من ذاكرة العميد الإقليمي رئيس الدائرة الأمنية الثالثة حسن الدراجي، تنقلها جريدة “مراكش الإخبارية” لقرائها ، عن أحد أعداد مجلة الشرطة الصادرة سنة 2003، والتي تحكي كيف سقط “القابض المزيف” في الفخ، بعد أن جاب المدينة لأشهر كطيف لا يرى، ينسل بين الأزقة ويختفي خلف ستار الحياة .

 

كان حسن الدراجي، ضابط الشرطة الممتاز رئيس القسم القضائي الثاني بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية حينها، قد تسلم عدة شكايات غامضة، ضحايا متقدمون في السن، رجال ونساء، غالبيتهم أميون، يطرقون باب المصلحة مثقلين بالخجل والحرج أكثر من ثقل الخسارة المالية، يحكون القصة نفسها تقريبا، رجل في الثلاثينات من عمره، قوي البنية، أسمر البشرة، يتحدث بلكنة مراكشية صافية، يحمل حقيبة جلدية ويتنقل على دراجة نارية حمراء، يقدم نفسه بوجه واثق على أنه قابض تابع للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء “RADEEMA”، ويهدد بقطع الخدمة لعدم الأداء، ثم يطلق عبارته الحاسمة، “خلص فالأول عاد سير شكي”، ليسلمونه المبالغ المطلوبة لتجنب الفضيحة أما الجيران أو انقطاع الخدمة، قبل أن يكتشفوا لاحقا أنهم كانوا ضحية تدليس محكم.

 

لم يكتف هذا القابض المزيف بالاحتيال والنصب على ضحاياه، فمع مرور الوقت أصبح أكثر جرأة، وأكثر وقاحة، حيث طور أسلوبه نحو السرقة المقترنة بالاحتيال، فقد كان يطلب من الضحية أن يضع إصبعه على زر العداد ليتأكد من عمله، فيما يتسلل هو إلى غرفة النوم ليلتقط ما خف وزنه وغلا ثمنه؛ ولعل أكثر المواقف قسوة ومأساوية حين ترك عجوزا واقفا ساعات وهو واضع إصبعه على العداد، ظنا منه أن رفعه سيؤدي إلى تفجير المنزل، حيث ظل العجوز يترقب بوجل، بينما كان المحتال يغادر البيت حاملا حقيبة ممتلئة.

 

في تلك اللحظة، أيقن “الدراجي” أن الأمر تجاوز النصب التقليدي إلى جرائم سرقة موصوفة، حجم الخسائر بدأ يتضاعف، والخطر أن الجاني ظل مجهولا، يختفي بين أزقة قشيش وسيدي أيوب وأحياء المسيرة والمحاميد كظل لا يترك أثرا. الأيام توالت والشكايات ازدادت، لكن كل الخيوط كانت مقطوعة. لا صورة، لا سوابق عدلية، ولا أثر يقود إلى المشتبه فيه، ليظل هذا المجهول عصيا على التحديد، وكأن المدينة تبتلعه بعد كل عملية.

 

“بلغ بي الإحباط مبلغه، كنت أتواصل باستمرار مع ضحايا جدد، وأرى في عيونهم الألم، وأشعر أن هذا المحتال يستخف بي كان الأمر محبطا، كل الضحايا يؤكدون نفس الأوصاف. أصبح الهدف رقم 1 في حياتي” يستطرد الدراجي. لم ييأس هذا الأخير، وقاد بنفسه دوريات عشوائية في أحياء مثل قشيش، سيدي أيوب، والمدينة القديمة، على أمل أن يصادف ذلك الرجل ذا الدراجة النارية الحمراء، وهو يعلم أن فرص العثور عليه بهذه الطريقة ضئيلة في مدينة بحجم مراكش.

 

لكن كما يقول المثل الفرنسي الذي يستشهد به الدراجي “الصدفة هي ملهمة الشرطي”، ومثل كل القصص البوليسية، كان لا بد للصدفة أن تتدخل، وجاءت الصدفة من حيث لا يحتسب؛ في صالون نسائي بحي شعبي، دار نقاش عابر بين صاحبة المحل وزبونة، تحدثت الزبونة عن واقعة نصب تعرضت لها والدتها على يد رجل قابض بحقيبة جلدية ودراجة حمراء، هنا قفزت الذاكرة إلى ذهن صاحبة الصالون، “إنه نفس الرجل الذي ماطلني في إصلاح كراسي حديدية بصفته حدادا”، من هنا انتقلت المعلومة من صاحبة الصالون إلى قريبها، وهو نفسه زميل للضابط الدراجي في مصلحة الشرطة القضائية، كان الخيط الأول الملموس. المحتال إسمه عبد اللطيف “ك” بن العربي، من مواليد باب دكالة، نجل حداد من ديور المساكين، حيث اشتغل مع والده في الحدادة، ثم انجرف إلى الاحتيال بعدما ضاقت به سبل العيش، بعد زواجه ومغادرته لبيت أصهاره.

 

بعد تحديد هويته، كان التحدي هو تحديد مكانه، حيث كان قد فر إلى العيون هربا من الشكوك ثم عاد؛ نصب الدراجي كمينا عند محل والده للحدادة. وبالفعل، ظهر عبد اللطيف ذات ليلة، لكن المفاجأة كانت أن الدراجة النارية الحمراء، العلامة الفارقة له، كانت محل نزاع بينه وبين شخص آخر ادعى ملكيتها أمام الكمين، تدخل الدراجي وحسم النزاع بطلب وثائق الملكية، ليثبت أنها ملك لعبد اللطيف، لتكون هذه إشارة للقبض عليه.

 

لحظة التعرف مشهد لا ينساه “حسن الدراجي”، بباحة مصلحة الشرطة القضائية، حين اجتمع أكثر من 60 ضحية، رجال ونساء مسنون، تحت ظل شجرة حامض ينتظرون دورهم في جلسة التعرف، حيث، وبمجرد أن ولج المكتب حتى تعالت أصواتهم، “هو، هو المحتال”، لم يكن هناك مجال للشك، نظراتهم المليئة بالمرارة كانت كافية لإدانته أخلاقيا قبل أن تدينه أوراق المحضر. لم يجد “عبد اللطيف” سوى الانحناء مطأطأ الرأس، مستجديا العفو، فيما بقي العجوز الذي أجبره على الإمساك بزر العداد يرفض مسامحته قائلا، “لا غفران لمن سلب كرامتي”.

 

اعترف الموقوف للضابط الدراجي بتفاصيل جرائمه دون مواربة، مبررا أفعاله بالبطالة والفقر، لكنه في النهاية لم يكن سوى مجرم جمع بين دهاء النصاب وجرأة السارق. وعندما أخبره الدراجي أنه سيقدم للنيابة العامة في اليوم التالي، نظر إليه نظرة حائرة مليئة بالندم وقال عبارة ظلت محفورة في ذاكرة الضابط، “وأخيرا، يمكنني أن أخلد للنوم”.

 

أما الضابط الدراجي، بطل هذه القصة، فقد استطاع هو الآخر أن يخلد لنوم هادئ، بعد أن أغلق أحد أكثر الملفات إيلاما وإثارة للغضب في ذلك العام.

 

ورغم أن جريدة “مراكش الإخبارية” حرصت على تقديم هذه القصة لقرائها بأسلوب مختصر ومركز، فإن ما خفي من تفاصيلها كان أكثر تعقيدا وتشويقا، فقد مرت القضية بأطوار طويلة ومتشابكة قبل أن يلقى القبض على هذا المحتال؛ أطوار عكست حجم المعاناة التي عاشها الضحايا، والجهود المضنية التي بذلها الضابط الممتاز “حسن الدراجي” وفريقه في فك لغز هذا الشبح الذي دوخ المدينة، وجعل من مراكش مسرحا لواحدة من أغرب عمليات النصب والسرقة التي عرفتها سنة 2003.

Loading

ياسين مهما
ياسين مهما

Post navigation

سابق تذاكر قمة الوداد والكوكب.. ضغط الجماهير يُغير المعادلة
التالي ورززات تحتضن الدورة الثانية للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني

قصص ذات صلة

ورشة تحسيسية حول الأمن السيبيراني وحماية المعطيات الشخصية لفائدة المستفيدات دار الطالبة بجماعة تارميكت
  • مجتمع

ورشة تحسيسية حول الأمن السيبيراني وحماية المعطيات الشخصية لفائدة المستفيدات دار الطالبة بجماعة تارميكت

2025-12-05 23:16
الشغيلة بين المجهول ورحيل “ألزا مراكش”… انتقال صفقة النقل يشعل التخوفات حول مصير المئات من العمال
  • مجتمع

الشغيلة بين المجهول ورحيل “ألزا مراكش”… انتقال صفقة النقل يشعل التخوفات حول مصير المئات من العمال

2025-12-05 22:39
افتتاح مركب متعدد التخصصات للمرأة والطفل القرويين ومركز التعلم مدى الحياة بشيشاوة
  • مجتمع

افتتاح مركب متعدد التخصصات للمرأة والطفل القرويين ومركز التعلم مدى الحياة بشيشاوة

2025-12-05 22:00
الرابط إلى موقع التجنيد

Recent Posts

  • تفاصيل حول تدخل السلطات لجمع السيارات المهملة من الشوارع
  • ورشة تحسيسية حول الأمن السيبيراني وحماية المعطيات الشخصية لفائدة المستفيدات دار الطالبة بجماعة تارميكت
  • مراكش تختتم أشغال المؤتمر العالمي التاسع عشر للماء بإعلان يؤكد مركزية الأمن المائي في مواجهة التحديات المناخية
  • نقاش سياسي سابق لأوانه بأمزميز حول اختيار رئيس جديد للجماعة
  • بَيْنَ السِّيَــاسَةِ والرِّيَــاضَة، أَيَّتُهَــا عَلاَقَــة؟ (كُـــرَة القَــدَم في المَغْــرِبُ نموذجا)

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.
زيارة قناة اليوتيوب

ربما فاتتك اخبار محلية

تفاصيل حول تدخل السلطات لجمع السيارات المهملة من الشوارع
  • زاوية برلمانية

تفاصيل حول تدخل السلطات لجمع السيارات المهملة من الشوارع

2025-12-06 00:00
ورشة تحسيسية حول الأمن السيبيراني وحماية المعطيات الشخصية لفائدة المستفيدات دار الطالبة بجماعة تارميكت
  • مجتمع

ورشة تحسيسية حول الأمن السيبيراني وحماية المعطيات الشخصية لفائدة المستفيدات دار الطالبة بجماعة تارميكت

2025-12-05 23:16
مراكش تختتم أشغال المؤتمر العالمي التاسع عشر للماء بإعلان يؤكد مركزية الأمن المائي في مواجهة التحديات المناخية
  • محلية

مراكش تختتم أشغال المؤتمر العالمي التاسع عشر للماء بإعلان يؤكد مركزية الأمن المائي في مواجهة التحديات المناخية

2025-12-05 23:11
نقاش سياسي سابق لأوانه بأمزميز حول اختيار رئيس جديد للجماعة
  • سياسة

نقاش سياسي سابق لأوانه بأمزميز حول اختيار رئيس جديد للجماعة

2025-12-05 23:00

الإيواء : ESBW

© 2025 Marrakech7 — جميع الحقوق محفوظة. | DarkNews بواسطة AF themes.