
أثار الكاتب المغربي الطاهر بنجلون نقاشا واسعا عقب نشره مقالا في إحدى الصحف الفرنسية، عبّر فيه بحدة عن عدم رضاه عن زيارته الأخيرة للمغرب، معتبرا أن البلاد بعيدة كل البعد عن بلوغ مستوى النجاح السياحي الذي حققته إسبانيا.
الكاتب المعروف، وصاحب رواية “موحا المجنون موحا الحكيم”، لم يتردد في التأكيد أن المغرب لن يصل أبدا إلى مكانة إسبانيا كوجهة سياحية عالمية. واستدل على ذلك بالنمو الهائل الذي عرفه القطاع السياحي الإسباني منذ سنوات طويلة، مما جعل هذا البلد يستقبل عددا من السياح يعادل عدد سكانه سنويا، مع حفاظه على جودة الخدمات واستمرارية التطوير.
في المقابل، يرى بنجلون أن المغرب يعاني من مشاكل عميقة رغم الأرقام الإيجابية التي يعلنها قطاع السياحة، مبرزا أن انعدام روح المسؤولية المدنية عند جزء من المغاربة يمثل عائقا حقيقيا أمام تحسين صورة البلاد. ورغم إشادته بالجهود المبذولة لتحديث البنيات التحتية وتطوير العرض السياحي، إلا أنه اعتبر أن هذه الجهود تذوب أمام ما سماه “البقع السوداء” المرتبطة بسلوكيات المواطنين، سواء أمام السياح الجدد أو الذين يعودون بعد سنوات ليجدوا أن الوضع يتراجع على مستوى النظافة والانضباط.
انتقادات الطاهر بنجلون، وهو كاتب مغربي قبل كل شيء، نشرت في وسيلة إعلام أجنبية، ما جعل وقعها أقوى وأشد إيلاما، خاصة أن مثل هذه المقالات تستغل في كثير من الأحيان لتشويه صورة المغرب والتقليل من مكانته. ومع ذلك، يصف بعض المتابعين مقاله بأنه صرخة للتنبيه ونداء إلى ضرورة مراجعة الذات قبل فوات الأوان.
ورغم أن الكاتب قدّم وجهة نظره بلغة قاسية، إلا أن عددا من القراء المغاربة اعتبروا مقاله جارحا وغير منصف، بل إن البعض أقرّ بعدم قدرته على استكمال قراءته لما حمله من عبارات صادمة. ومع ذلك، لا ينكر هؤلاء أن جزءا من الملاحظات التي طرحها تعكس واقعا ملموسا يعرفه الجميع.
وبين من يرى أن بنجلون تحدّث بلسان الصراحة الضرورية لمعالجة أعطاب السياحة، ومن يعتبر أن أسلوبه كان هجوما غير لائق على بلده الأم، يبقى الثابت أن المغرب يعيش بالفعل مرحلة انتقالية مهمة في مجالات عدة، بينها السياحة، حيث تتطور العروض ويتوسع مجال التكوين في المهن السياحية وتتواصل الجهود للنهوض بالقطاع.
غير أن ما يخشاه كثيرون هو أن يغادر السائح الأجنبي المغرب بانطباع سيئ، وهو ما قد يكلّف خسارة مضاعفة، إذ تشير تجارب سابقة إلى أن سائحا غير راض قد يثني عشرة آخرين عن زيارة البلاد.
ويبقى السؤال معلقا: هل كتب الطاهر بنجلون مقاله كناقد مغربي صريح يسعى إلى الإصلاح، أم ككاتب فرنسي يوجه سهامه نحو بلده الأصلي؟ في كل الأحوال، ما بات واضحا أن كلمات الأدباء والشخصيات العامة قد تتحول إلى أسلحة ذات حدين، إما للتقويم والتغيير، أو لتغذية خطابات تستهدف صورة المغرب في الخارج.






