
في مشهد يذكرنا بالصيغة التقليدية والقديمة للقواد أيام زمن السيبة والعنترة، الذي كنا نعتقد أنه ولى ولم يبقى له أي أثر سوى في أغاني الشيخات والعيوط، وأنه انقرض من تاريخ المغرب الحديث، مغرب دستور 2011. نجد بعض المسؤولين بالإدارة الترابية يصرون على تكريس ثقافة الابتزاز وإساءة استعمال السلطة، ونسوق هنا مثال قائد بمنطقة سيدي يوسف، الذي يصر على تعريض مستثمر ذو جنسية مغربية-فرنسية، الذي يدير وحدة فندقية من الصنف الثاني، لتهديدات مبطنة بعدما كان له دور في إبعاد أحد أعوان السلطة المقربين من هذا القائد.
المستثمر المعني، الذي يشغل بشكل قانوني عددا من اليد العاملة المحلية داخل وحدته الفندقية المصنفة من الدرجة الثانية، ويعد من الحالات القليلة التي تثبت إمكانية المزاوجة بين الامتثال الإداري والمردودية الاقتصادية، وجد نفسه وسط دوامة من الضغوطات والتهديدات، بهدم مشروعه أو جزء منه، بدعوى وجود مخالفات، داخل مشروعه السياحي، رغم أن هذه المخالفات إن وجدت فلن ترقى إلى مستوى المساءلة الزجرية مقارنة بما تعرفه منطقة نفوذ هذا القائد من خروقات جسيمة ومتكررة؛ وحتى لو فرضنا جدلا أن مشروع هذا المستثمر يتضمن بعض الملاحظات التقنية-التعميرية البسيطة، فهل يكون التهديد بالهدم هو أول رد فعل من طرف السلطة؟ ألا يجدر بالإدارة وفق منطق الحكامة الجيدة، أن توفر فرصة لتسوية الوضعية، بل وتقديم يد المساعدة، خاصة إذا كان المعني بالأمر يحترم الضوابط العامة ويوفر مناصب شغل حقيقية داخل وحدة سياحية تشتغل بطريقة قانونية.
الأدهى من ذلك، أن منطقة نفوذ هذا القائد تشهد في المقابل، انتشارا واسعا للبناء العشوائي، وحفر الآبار غير المرخصة، وحفر أقبية (les caves) تحت منازل سكنية في طور البناء دون الحصول على أي ترخيص قانوني، ودون أن يحرك هذا القائد ساكنا، مما يثير تساؤلات جدية حول منطق الانتقائية في التدخل، ومن يخضع لصرامة القانون ومن يعفى منها. فكيف يهدد مستثمر قانوني، في حين يغض الطرف عن خروقات عمرانية وبيئية مكشوفة؟، أليس من المفترض أن يكون رجال السلطة في خدمة المواطن والمستثمر لا أداة انتقامية لتصفية حسابات مهنية أو شخصية؟.
إن ما يقوم به هذا القائد الذي يفترض فيه حماية القانون وتشجيع بيئة الاستثمار، يشكل جرس إنذار حقيقي حول مخاطر استعمال النفوذ الإداري في غير محله، ورسالة سلبية لكل من يفكر في العودة لوطنه الأم من أجل الاستثمار والمساهمة في بناء مستقبل اقتصادي واعد، ويعد وللأسف صفعة لتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي دعا مرارا إلى إقامة علاقة هيكلية مع الجالية المغربية بالخارج وتقديم الدعم اللازم لهم لإطلاق مشاريعهم ومبادراتهم الاقتصادية باعتبارهم رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والاستثمار الوطني.
قال جلالته في خطاب العرش لسنة 2022:
“يجب العمل على تعزيز آليات مواكبة هذه الكفاءات ودعم استثماراتهم، وتمكينهم من الشروط الضرورية للنجاح.”
فأين نحن من هذه التوجيهات عندما يجد مستثمر نفسه مهددا في مصدر رزقه من طرف مسؤول إداري، لا لشيء سوى أنه احترم القانون وبلغ عن تجاوز؟.







