
في سابقة مأسوف عليها لم يشهد لها مثيل في تاريخ تدبير الشأن المحلي، أقدمت السلطة المحلية التابعة للملحقة الإدارية الجنوبية على اجتهاد خارج سياقه الاجتماعي، وهو التدخل من أجل مطالبة أسرة تقطن بمنزل بشارع تسلطانت إزالة خيمة كانت مخصصة لتلقي العزاء في وفاة أحد أفراد هذه الأسرة، وهو ما درج عليه المغاربة منذ عقود، حيث تنصب خيم العزاء مؤقتا ليوم أو يومين دون أن تثير أي حرج أو اعتراض، بالنظر لطبيعتها الرمزية والإنسانية.
نعم، قد يقول قائل (شي واحد فاهم القانون بزاف) أن الملك العمومي لا يجوز احتلاله دون ترخيص، ويجب أن يستغل وفقا للضوابط التي تحمي حرية المرور وتحافظ على النظام العام، وهذا مبدأ ثابت، لكن فقه القانون دائما ماكان يميز بين الاحتلال الدائم المضر بالمصلحة العامة كسوق بولرباح، والاستغلال المؤقت المعقول خاصة في حالات إنسانية كالعزاء. فهل يرقى نصب خيمة عزاء ليوم أو يومين إلى درجة الإضرار بالملك العام؟ خاصة أن هذه الخيمة، نصبت على الرصيف، ولم تعرقل حركة المرور أو تضر بالمارة، ولم تكن موضوع أي شكاية من الجوار.
ثم، إن الله قد كرم الإنسان حيا وميتا، وجعل الوقوف مع أهل الميت من تمام الأخلاق والمروءة، بل من السنة مواساتهم، والجلوس إليهم وتقديم واجب العزاء، دون تضييق. فما بالك أن يمنع أهل الفقيد من استقبال معزيهم تحت خيمة عزاء كانت دائما في العرف المغربي محل احترام وتقدير، بسبب ضيق مساحة منزل هذه الأسرة، وكثرة المعزين الذين من المنتظر حضورهم، وحماية للحضور من ألسنة الحرارة المفرطة التي تعرفها مدينة مراكش.
إن احترام القانون، لا يعني تجريده من بعده الإنساني والاجتماعي، وإلا سنكون أمام ميكانيكية إدارية باردة لا تراعي لا الأعراف، ولا الخصوصية الإسلامية، ولا واجب الاحترام الواجب للموتى وأهاليهم، ولا توقيت وسياق التدخل.
فهل كان هذا هو وجه التدخل الذي ينتظره المواطن من سلطته المحلية؟ وهل أصبح العزاء مشمولا بقانون زجر احتلال الملك العمومي؟ وهل تدخل السلطة هذا، يعتبر إيحاء ضمنيا بأن إقامة العزاء في فضاء عام أصبح يتطلب رخصة مسبقة من أهل الميت حتى وهم في أقصى حالات الحزن والأسى، بل حتى لو كان الأمر يتعلق بخيمة صغيرة منصوبة بشكل مؤقت، لا تعيق السير ولا تشكل أي تهديد أو ضرر للمارة؟.
وإلى حين الإجابة عن هذه الأسئلة، نختم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.”






