إنها جلسة الغرابة في البرلمان، هدوء وسكينة، ومداخلات رصينة، كأن القبة تطوع  رقاة المغرب ليصرفوا عنها عفاريت الملاسنات وشياطين المشاحنات، أو أن المستشارين على رؤوسهم الطير، وكفوا ألسنتهم عن أذية الغير، قام فيهم رئيس الحكومة، وتلا كلمة منغومة، وأجاب عن وديع التعقيبات، ووضح واضح الملاحظات، وقد جاء معه جمهور من الوزراء، ضمنهم الحلفاء الأمناء، آزروه في جلسة المساءلة، لتكتمل أركان المعادلة.

عدد رئيس الحكومة الاحصاءات والأرقام، في ارتياح جم أمام الأنام، ووعد بمخططات كثيرة، من أجل بادية منعمة أثيرة، وتحدث عن مستوصفات في القرى بالعشرات، ومدارس بالمئات، وإنجازات كثيرات، ووعد  في المستقبل بالمزيد، في كل قطاع على وجه التحديد، وقال أن العالم القروي فوق المزايدات السياسية، وبها أنهى كلمته الرئاسية، وتوالى عليه التصفيق من كل صوب، وأنهى كلمته على السعة والرحب.

أما المستشارون فكانوا على غير العادة، فلم تعلو أصواتهم ولم يطلبوا الوقت بالزيادة، ولم يقاطعوا رئيس الحكومة، ولا استخدموا الأساليب  المعلومة، فلم يعل صوت فوق صوت الرئيس، وضاع وقت في الجدال البئيس، فنام من نام بأريحية، ووفاز من فاز بالديمقراطية، ونحن ما سمعنا بهذا في ملتنا الأولى، فأصابتنا الرتابة ورأينا الجلسة معلولة، تعودنا صراخ المستشارين، ومقاطعة الوزراء وحروب المتحزبين، فافتقدنا فرجة البرلمان، وعاش البرلمان في سلام وأمان.

ورئيس الحكومة من فرط الراحة، لبس جلبابا واسعة رحراحة، وأطلق للسانه العنان، وأبدع مصطلحا جديدا رنان،  وحدث المستشارين عن « المدن القروية »، في طفرة فكرية وبلاغة لغوية، والمستشارون يهزون رؤوسهم برضى تام، والوزراء مبهورون إبهار العوام، وانتهت الجلسة بكل غرابة، ولم تعد القبة أشبه بالغابة.