عبد الفتاح كيليطو ومحمد آيت لعميم ولقاء الكبار
1771 مشاهدة
قرأت فيما قرأت مؤخرا مقالا أدبيا يحمل أطيافا متعددة من فطاحلة الأدب وفنونه سواء من التراث العربي أو التراث الغربي في خيوط أدبية مسبوكة الحلي تفنن في ترصيعها وتصفيفها الناقد والأديب المغربي الدكتور محمد آيت لعميم في مقال تحث عنوان » عبد الفتاح كيليطو وأسلافه » جريدة الأخبار الخميس 30 دجنبر 2021.
بعد قراءتي للمقال انتشيت ارتياحا لما جاء فيه وراقني واستلهمني كثيرا فحواه . ذكرني بصباي وفرحتي بالحلوى العودية ، أتلذذها حينا واخبأها حينا آخر ثم يشدني لها لهيب الشهوة الحلوة وما تبطنه من سحر النكهات … ولكم تمنيت آن لا تنقضي تماما مع ذات المقال . ولعل هذا ما تفعله وتحمله تميمة المقالات والكتب الجذابة ولو بعد عام أو أكثر من القراءة والتفكير والتدبير والتنوير والعزلة والجنون أحيانا والتسكع أحيانا أخرى تحت وطأة و طائلة الأدب والنقد الأدبي .
من هذا المخاض الأدبي العسير تولد رؤى جديدة بجينومات معدلة بتعدد القراءات من التراث العربي والعالمي وتوسع مجالها ،وهنا يتجلى دور الإضاءة المتبادلة بمصابيح نقدية ذات ضغط عال من الانقياد والاستدراج المستباح إلى دائرة الضوء .ولعل هذا الهاجس هو الذي يجمع الرجلان : آيت لعميم وكيليطو وإن كان يميز الأول عمل الثاني بالظاهر والباطن وما فيهما من ميزات فنية أدبية .فإن للأول أيضا ميزات لا تكاد تحجبها أضواء الثاني وإلا لما كنت أنسل أحيانا وأتذوق حلاوة وعشق ذات المقال : « عبد الفتاح كيليطو وأسلافه » .
فعندما ينبش الدكتورآيت لعميم في عوالم عبد الفتاح كيليطو فإنما يزيح بذلك الستائر ذات الألوان والأطياف المتعددة لأدب كيليطو ويكشف عن ماهية الروح التي زكاها في نفوس الأسلاف من المبدعين القدماء ونوع التطعيمات الفنية الأدبية التي قنن وحصن بها لعبة الإضاءة على « وقع الحافر على الحافر » حسب آيت لعميم بصيغ متجددة تبعث الروح في تلك النصوص وتجمْلها وتجعلها مليئة بالحيوية و يعشقها كل مريد للحياة ومتيمم بها .
قد لايختلف اثنان في جدلية التأثير والتأثر خصوصا في الحقول الأدبية المتنوعة لمختلف الكتاب والأدباء و الشعراء بين مختلف العصور والمذاهب والمدارس والأطياف ،وفي هذا تكون أيضا القراءة الإستباقية ومنه يحاك الخيط الرفيع الذي سيشكل لاحقا اللحظة المفصلية لكليطو وغيره ممن يجيدون حياكة هذه العملية ويطاوعهم ليصير بذلك النقد و »يتحول هو ذاته إلى شكل أدبي يكتسب نفسا جديدا » حسب آيت لعميم ويلتقي الأخير وكيليطو في فضاء واسع متولد أدبيا ومنتجا له في نفس الآن .لتنبثق بذلك حيوات جديدة في كل مرة حاملة معها جينات لا حصر لعا من الحروف والكلمات والقوافي والرؤى والقواميس رادمة بهذا المد المعرفي كل المفاهيم التقليدية قاطعة وفاصلة إياها والحمولة المعتادة .
وخلص المقال وأنا في تذوقي لآخر أجزاء الحلوى العودية وعيناي وشهوتي على حلوى أخرى ،إن قراءة كيليطو الأدبية والنقدية من خلال خلق أسلافه بعيون آيت لعميم إنما هي قراءة تحكمها مجموعة أسئلة يجعل منها الإطار العام الذي يرتكز عليه، ويلبس كل جنس أدبي ثوبه على مقاسه الحقيقي كل حسب خصائصه التي تميزه، ولو على حساب الشد والجذب، فقط ليبقى مجال التفاعل والخلق هو المبتغى، وينزع فتيل التوتر من تلك الأجناس وأصحابها والكف عن لبس الأثواب المتشابهة وتختلط وتضيع في متاهة لعبة التوأم، رغم اختلاف الألوان سيكون التيه لا محالة . فكيليطو ليس هو ماركس وليس هو المنفلوطي وليس هو بورخيس أو بشلار أو المعري أو الحمداني أو كفاكا أو بارت.
و لما كشف الدكتور آيت لعميم عن تلك التنقلات المرنة الحقيقية التي طبعت قراءة كيليطو وميزت خطاه بين التحليل النفسي والنظرية الماركسية فالبنيوية والانتروبولوجيا وعلم صيغها، حينها ظهر تواضع الرجل -آيت لعميم- في أعلى شموخه وعلم أن الأدب الخالص لا وجود له لأنه ملتقى مجموع المعارف .
ولعلي أرى في ذلك دعوة ضمنية من الدكتور آيت لعميم للإنكباب على القراءة للسفر عبر العصور والأزمنة الماضية والوقوف والانفتاح على كل أثر إبداعي جديد وفي ذلك ولادة جديدة وحياة جديدة ، وفي عبد الفتاح كيليطو مثالا صارخا لأنه أديب لا يستيقظ من الكتب.